الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستبداد والليبرالية الاقتصادية

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)

2005 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


أعتقد ان رأي جورج داونز وبروس بينو دي مسكيتا حول الاقتصاد المفتوح والمجتمع المغلق يستحق ان نتوقف عنده, فهما اكتشفا مؤخرا, على ما يبدو, ما كان الناس في العالم العربي يعيشونه منذ سنوات. وهما ينطلقان من استنتاج يتعلق بالصين ,فيقولان انه عندما قام دينغ جياؤبنغ بفتح اقتصاد هذه البلاد قبل أكثر من 25 عاماً، كان الرأي السائد في الغرب هو أن إصلاحاته تشكل إشارة على بداية النهاية بالنسبة للحكم الأوتوقراطي فيها. وكان ذلك مبنيا على أساس الفكرة السائدة في ذلك الوقت والتي ترى أن تحرير الأسواق هو أول خطوة باتجاه الديمقراطية، لأن الانفتاح الاقتصادي يقود إلى ظهور الطبقة الوسطى المثقفة وذات العقلية التجارية، وهذه الطبقة مع الوقت سوف تطالب بالمزيد والمزيد من السيطرة على مصيرها.
لكن شيئاً ما حصل خطأ في الصين، وروسيا وغيرها من الدول التي كانت تحكمها حكومات استبدادية قامت بتخفيف قبضتها عن الاقتصاد. فقد حصل النمو الاقتصاددي لكن الديمقراطية اللبرالية لا تزال غائبة عن الأنظار. السبب برأي أستاذي جامعة نيويورك بسيط, لكنه مزعج: هناك جيل جديد مثقف من المستبدين الذين توصلوا إلى استراتيجية تمكنهم من التمتع بمزايا النمو الاقتصادي وفي الوقت نفسه تأجيل ظهور ديمقراطية منافسة حقيقية، وغالباً يتمكنون من تأجيلها على مدى عقود.
ويقول داونز و بينو انه لكي نفهم كيفية عمل هذه الاستراتيجية قد يفيدنا أولاً أن نفهم كيفية ظهور المنافسة السياسية. للحصول على قوة سياسية فعالة سيكون على المواطنين المشاركة في عملية "تنسيق استراتيجي": أي نشاطات مثل نشر المعلومات وتنظيم الأحزاب وضم الناس إليها، اختيار القادة، جمع التمويل، وعقد الاجتماعات والمظاهرات.
عادة كان من المعتقد أن النمو الاقتصادي يساعد على الدمقرطة من خلال تسهيل عملية التنسيق المذكورة، خاصة مع تطور وسائل الاتصالات وتنوع الإعلام وزيادة ثقافة السكان. لكن في السنوات الأخيرة عرفت بعض الأنظمة الذكية كيف تفصل بين النمو الاقتصادي وبين التنسيق الاستراتيجي، وبذلك سمحت بحصول الأول دون أن تقلق تجاه الثاني.
السر في هذا يكمن في التقنين الحذر للمنتجات التي تسهل عملية التنسيق الاستراتيجي، وفي الوقت نفسه الاستثمار في منتجات أخرى تكون ضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي. "منتجات التنسيق" التي تسبب القلق لهذه الأنظمة تتمثل في الحقوق المدنية والسياسية، حرية الصحافة، والحصول على التعليم العالي، أما "المنتجات العامة القياسية" فتشمل النقل العام، التعليم الابتدائي والثانوي، الصحة العامة، وكلها تساهم في عملية النمو الاقتصادي وهي نسبياً لا تشكل تهديداً للنظام.
وكمثال على كيفية تقييد المستبدين لمنتجات التنسيق نجد في تاريخ الصين منع الدخول إلى الإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام. أو روسيا حيث قام الرئيس بوتين بوضع جميع شبكات التلفزة الوطنية تحت رقابة حكومية صارمة ومنع انتخاب رؤساء المناطق. أو فنزويلا حيث قام الرئيس شافيز العام الماضي بسن قانون يسمح له بمنع أي تقرير أخباري أو احتجاج عنيف وسحب ترخيص أي وسيلة إعلام تنتهك القائمة الطويلة من الممنوعات.
لكن إلى أي مدى تنجح هذه الاستراتيجية في قمع منتجات التنسيق؟ لقد قام داونز وبينو بدراسة شروط كل من منتجات التنسيق والمنتجات العامة القياسية في 150 بلداً خلال الفترة من 1970 إلى 1999، وكان هناك العديد من النتائج المثيرة للاهتمام, وهما يسوقانها كما يلي :
أولاً: قمع منتجات التنسيق يبقي المستبدين في السلطة. الحاكم المستبد الذي يسمح بحرية الصحافة والحريات المدنية ينقص فرص بقائه لسنة أخرى بمقدار حوالي 15 إلى 20%.
ثانياً: الحكام المستبدون اليوم يميلون إلى قمع منتجات التنسيق بشكل مستمر أكثر مما يفعلون تجاه غيرها من المنتجات العامة القياسية. بعض الطغاة القديمي الطراز في أفريقيا ما يزالون يقمعون جميع البضائع العامة، لكن هناك نسبة متزايدة من أنظمة العالم الاستبدادية بدأت تتبنى أسلوباً أكثر تقدماً في الاستبداد.
ثالثاً: كلما كان القمع الممارس على منتجات التنسيق في بلد ما أكبر، كلما زاد الفارق الزمني بين تحقيق النمو الاقتصادي وبين ظهور اللبرالية الديمقراطية.
وفي النهاية,نلاحظ ان كل هذه المظاهر متوفرة في البلدان العربية, التي لم يركز عليها داونز وبينو. ولو فعلا, لتوصلا الى نفس النتائج قبل الوصول الى حالة روسيا والصين وفينيزويلا وغيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو