الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطية التعليم

رغد علي

2005 / 9 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


دعوة لوزارتي التربية والتعليم العالي للاطلاع علي الاساليب التعليمية في معهد الصحافة للحرب والسلام في العراق .

تواجه العملية التعليمية بالعراق مشاكل جمة و فالتعليم الأولي والعالي بحاجة لتغييرات اساسية لاصلاحه ,وبما ان التغيرات السياسية الحاصلة بالعراق تهدف لبناء دولة الديمقراطية , فالضمان الحقيقي لاستمرار هذه الديمقراطية والحيلولة دون تراجعها هو الاصلاح الجذري للعملية التعليمية .
تتنوع تعاريف الديمقراطية , منها تقبل الاخر ومنها حكم الاغلبية عن طريق صناديق الاقتراع , لكن مهما تعددت هذه التعاريف , الا انها كفكر انساني يهدف الي احلال السلام والتفاهم بين البشر, حتي بين الاطراف التي تتباين في نسيجها الفكري والطائفي او القومي , من هنا تظهر اهمية اللغة المستخدمة في الحوار مع الاخرين , فهذه اللغة لا بد ان تكون ذات اداب خاصة تتلخص بكلمة احترام الاخر , ولا يأتي هذا بعصا سحرية بين ليلة وضحاها , بل هو نتيجة لعملية تراكمية يكتسبها الفرد بالممارسة الفعلية , ولاجل تثبيت ارض صلبة لهذه العملية, لابد ان نبدا بالصغار لانهم من سيواصلونالمسيرة , فهل يزرع التعليم بالعراق روح تقبل الاخر بين اولادنا وبناتنا ؟
ان المتامل لواقع المدارس العراقية بشتي مراحلها بل وحتي التعليم العالي , سيجد البون الشاسع , فالطفل العراقي يخاف ويتردد من اي حوار او سؤال مع المدرسة , بل قد يضطر احيانا لاخفاء رغباته الشخصية وميوله الحقيقية , فيكون ذو شخصيتين , وهذه هي الازدواجية التي يتعلم الطفل اكتسابها من الصغر ,لعلها نفس الازدواجية التي وصفها الباحث الاجتماعي الدكتور علي الوردي في كتبه وابحاثه عن المجتمع العراقي , اضافة الي ان التعليم بالمدارس يعتمد علي طريقة التلقين والحشو , ومطالبة الصغار باداء واجبات مدرسية ترهق عقولهم وتتعب اجسادهم , ودون ان تحقق هذه الواجبات اهدافها التعليمية , فالطفل ينسي كل ما يدرسة ما ان ينتقل من مرحلة لاخري , من جانب اخر لا يمكن غض النظر عن مسالة ضرب الطلبة بالمراحل الابتدائية بالمدارس , فبالرغم من منعها الا انها ما تزال مستمرة بشكل او بأخر , وهذا يخلق لدي الطفل كراهية نحو المدرسة وبالتالي نحو العلم , ولا يخفي ما لهذا الامر من ابعاد نفسية خطيرة ليس مجال مناقشتها هنا , ولعل اكثر ما يسيء للعملية التعليمية بالعراق , انها لا تعلم الطالب اسلوب التفكير العلمي السليم , الذي يأتي عبر اكتساب مهارات يتعلمها الطالب خلال سنوات تعليمه, لكنه يتخرج اليوم دون ان يعرف الاسلوب الصحيح للقيام باي دراسة علمية .
اما التعليم العالي فهو ليس بافضل حال , لان اساس وضع المناهج بالكليات لا يعتمد علي خطة ونهج علمي واضح, انما اصبح الغرض توفير دروسا يختارها الاستاذ حسب اختصاصه, او مزاجة ليقوم بتدريسها ,فتتكرر نفس المواضيع تحت مسميات دراسية مختلفة , ولم يعد الهدف والحاجة او النظرة العلمية لصالح التخصص في وضع هذه المناهج,فيدفع الثمن الطالب بالتكرار الامفيد , يبدوهذا الامر بغاية التعقيد في الجامعات , لكن المقصود من هذا العرض انه حتي بالتعليم العالي يعتمد نفس الاسلوب بالتدريس , اي التلقين والحشو وكثرة المفردات التي سرعان ما ينساها ما ان يحصل علي الشهادة الجامعية , ويظهر بعد ذلك المستوي العلمي الحقيقي للشاب عند ممارسته لحياته العملية , فاذا به لا يعرف الالف من الياء في اختصاصه.
اري ان السبب الرئيسي بهذا هو الاسلوب التعليمى المعتمد بالعراق , ولقد شعرت شخصيا بهذا الاختلاف العميق بعد تجربتي الشخصية مع معهد صحافة الحرب والسلام ,ولان هذه التجربة تحدث علي ارض العراق فهي ليست تجربة دولة اخري , انما تجربة تعليمية مستمرة في العراق , اثبتت نجاحها رغم كل الظروف المعقدة التي يمر بها .
بدأ معهد الصحافة للحرب والسلام عمله بالعراق عام (2003 ) , هدف المعهد اعداد الكادر الصحفي المؤهل للقيام بالدور الحقيقي للصحافة , وفقاً للشروط والقوانين الدولية للصحافة العالمية , وهذا المعهد يعمل في الدول التي تتنتقل من انظمة دكتاتورية الى ديمقراطية مثل العراق, وله تجربته في افغانستان ومناطق اخري من العالم ، المهم ان ما اراه في هذا المعهد من وسائل تعليمية اجدها تمثل النقيض الاخر لاساليب التعليم العراقية , فاطول دورة اخذتها كانت لا تتجاوز الثلاثة اسابيع, اما الاسلوب المتبع في التعليم يعتمد على توضيح القواعد الاساسية والمبادىء المهمة, ويتم التركيز عليها بشكل مستمر وبصورة منظمة , وكانت هذه المبادىء تترسخ في عقول المتدربين بالمعهد لكثرة الامثلة الواقعية من صميم التجارب ,من ثم فتح باب الحوار لمناقشة هذه الامثلة ,مما يجعلها لا تنسي, لان اسلوب المناقشات كانت ودية و صريحة خالية من اي تحيزات سوي التمسك بالاسلوب العلمي.
وهذا الجانب العملي كان بالفعل ثريا , فلا يمكن ان انسى تلك التمثيليات التي قدمها اساتذة المعهد مع الطلبة , لتعليم الصحفي كيفية التصرف العملي , لو تطلب عملة لقاء مع شخصيات معقدة او صعبة او غير واضحة ، كانت هذه التمثيليات تحمل الكثير من المواقف المضحكة والفكاهية ,لكنها بالنهاية كانت وسيلة تعليم ناجحة لا تنسى ,انها اعتمدت تحريك انفعالات ومشاعرالطلبة وان اختلفت ردود افعالهم .
الاهم من كل هذا كان هناك هدفاً اخرا للمعهد , هدف ضمني غير معلن عنه ، لكن كل متدرب يلمسه ويعرفة وهو تعلم صيغة الحوار مع الاخر ، حيث كانت تدور الكثير من النقاشات التي قد تكون بعيدة عن اساس الموضوع , كانت تدار هذه النقاشات بذكاء من قبل الاساتذه , ودون تدخلهم المباشر بما يطرح من افكار, كنا نستطيع ان نعبر عن كل ما في داخلنا , مهما كان و بحرية تامة, والطريف بالامر ان شخصيات المتدربين كانت متباينة وتمثل اطيافاً مختلفة من المجتمع العراقي الذي يعرف بالفسيفساء, لكنهم كانوا يتناقشون بجو من الاحترام والود الذي لا يخلو من الفكاهة رغم الخلاف ، نعم كانت هناك خلافات جوهرية ببعض الافكار المطروحة قد يحتد الحوار وتعلوالا صوات فيتدخل المدرب او المدربة كانها نقطة نظام ، وبصراحة تامة اجد ان معهد صحافة الحرب والسلام استطاع بنجاح وجدارة ان يدير مناقشات بين اتجاهات عراقية متباينة, بصورة افضل مما كنت اراه في نقاشات المجتمع المدني مع اعضاء اللجنة الدستورية, التي كانت تدار من قبل اليونيفوم في الامم المتحدة ,حيث لم تخلو تخلوا تلك المناقشات من التهجم والتجريح , فيخرج المتناقشون بعدها متحاملين على بعضهم البعض, وشاعرين بعمق الحواجز بينهم, بل يائسين من الوصول لحل مشترك ,لكن معهد صحافة الحرب والسلام يدير مثل هذه المناقشات بصورة تجعلتنا نخرج من القاعة شاعرين بتقاربنا مع بعضنا البعض, بل ونرتبط بعلاقات صداقة قوية, ونتفق بالتعاون في العمل ، وجدت ان هذه المناقشات تقوي الرباط الحقيقي الذي يجمع الجميع , انه وطن اسمه العراق.
لذا ادعو وزارة التربية والتعليم العالي والمهتمين باصلاح التعليم في العراق للاستفادة من تجربة معهد صحافة الحرب والسلام, لان الاسلوب التعليمي للمعهد قد اثبت نجاحة علمياً وديمقراطياً ووطنياً .
وبالمقارنة فان الاسلوب التعليمي المتبع في العراق يعتمد على الغاء شخصية الطالب بصورة كلية , بل يتعمد هذا الاسلوب خلق الرعب والخوف في نفسية الطالب, والنتيجة تؤدي لخلق حاجزً قوي بين التدريسيين والطلاب ,وهذا الحاجز هو السبب الحقيقي لتراجع العملية التعليمية , لانه يخلق ابعاد تربوية ونفسية واجتماعية بل وسياسية, فالشاب ينشأ منذ طفولتة وفي داخلة شعور بالخوف من الاعلان عن افكارة, لانه يخشى ان اعلن عنها ان يضطهد او يواجه الرفض من الاخرين , فيلجأ لاساليب خطيرة تهدد مستقبلة ,ولعل هذا أحد اسباب الاتجاة نحو العنف بكافة اشكالة, لان العنف سيكون الوسيلة الوحيدة للتعبير عن ذاته ووجوده ,اما الاخرون فهم المتهمون لانهم لم يمنحوه الفرصة للتعبير بوسيلة اخرى , لذا يكون عنيفا لمن رفضوه بالبداية ، من هنا ادعو المهتمين باصلاح التعليم الالتفات الى هذه النقطة الجوهرية ,وهي تقديم المساعدة للطالب لتكوين شخصيته واكتشاف ذاته وميولة حتى وان اختلفت عننا , ويقول الامام علي عليه السلام " لا تعلموا اولادكم عاداتكم لانهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".
وبهذا يجد الطالب شخصيته المستقلة البعيدة كل البعد عن الازدواجية ولغة العنف والتعصب , وتجد الديمقراطية ارضا خصوبتها عميقة ثابتة .
ان الديمقراطية الحقيقية عملية تراكمية تكتسب بالممارسة العملية ,وليس هناك طريقا لضمان ثباتها واستمرارها الا اصلاح التعليم اصلاحا جذرياً حين يتم استصلاح الارض جيدا, لزرع نبتة العقليةالحرة المستقلة للطالب العراقي ، ان اصلاحاً كهذا له تاثيرات لا تقل عن تاثيرات الزلازل , لكنه يكون زلزالاً يهدم اخطاء الماضي بكل تراكماته المؤلمة , ليبني المستقبل المشرق بعيون صغارنا ، صغار العراق الواحد .

رغد علي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟