الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهة نظر ...في صراع الشخصية العراقية

احمد عبدول

2015 / 4 / 19
الادب والفن


بادىء ذي بدء يعلم جميع الاخوة القراء اني لست بباحث او دارس لمواد علم الاجتماع بشكل منهجي (اكاديمي) ,وان كل ما في الامر اني اتابع ما يكتبه هذا العالم او ذاك المختص ,في اكثر من حقل من حقول العلم والمعرفة ومنها على وجه الخصوص حقول علم الاجتماع ,ولا شك ان متابعاتي لما يتعلق بهذا العلم الحديث قياسا الى العلوم الانسانية الاخرى وعلى مدار اكثر من عقدين من الزمن ,كان قد ولد عندي بعض التصورات البسيطة ,التي ارغب بتسجيلها كرؤية نابعة من وجهة نظر شخصية لكنها في ذات الوقت وجهة نظر مدعومة بعدة قرائن وتجارب واقعية . من هنا فقد حرصت على تضمين عنوان المقال مفردة (وجهة نظر ) والسبب انني في هذا المقال لم ولن ازعم اني قدمت لنظرية منهجية تخص موضوعة مهمة تتعلق بشخصية الفرد العراقي ,فكل ما في الامر اني في صدد طرح وجهة نظر قد تصح لدى البعض وقد لا تكون كذلك عند البعض الاخر ,الا اني ازعم بأن وجهة النظر تلك لا تخلو من جوانب هامة وموضوعية في كل الاحوال .الجميع يعلم ان عالم الاجتماع الراحل (علي الوردي ) كان قد اعتمد في ما اعتمده من طروحات بخصوص الشخصية العراقية, ما يسمى ب(صراع الحضارة والبداوة ) والتي تتلخص بأن العراق وبحكم موقعه الجغرافي كان يتعرض باستمرار الى موجات من المد البدوي الذي كان بدوره يعزز من صراع تلك القيم مع قيم المدنية والحضارة ,والجميع يعلم ان الراحل الوردي كان قد فسر مجمل احوال العراقيين وعاداتهم بل وحتى جزء من عقائدهم على ضوء صرا ع البداوة والحضارة الذي كان يراه يقف وراء ازدواجية الفرد العراقي حسب وجهة نظر الراحل الوردي.
الحقيقة ان صراع الشخصية العراقية هو جزء لا يتجزأ من صراع الشخصية العربية بشكل عام وذلك لتشابه جملة من الظروف والعوامل الجغرافية والاجتماعية والسياسية ,الا ان هذا التشابه لن يكون تشابها مطلقا ,حيث تبقى ثمة فروق تميز صراع هذه الشخصية عن تلك.
كذلك فمن المهم والضروري ,ان نشير الى حالة لم يتطرق اليها الكثير ممن تصدوا لموضوعة ذلك الصراع بشكل عام وما عرفته شخصية الفرد العراقي بشكل خاص, الا وهي ان الفرد قد يكون عرضة لأكثر من صراع يقع تحت وطأته بين مرحلة تاريخية واخرى وهذا عين ما وقع للفرد العراقي خلال مراحله التاريخية السحيقة ,فقد كان الفرد العراقي العراقي على الدوام عرضة الالوان من الصراعات والتناقضات والتجاذبات التي كانت تلقي بظلالها على مجمل سماته وتوجهاته بين مرحلة واخرى, . لقد جرب الفرد العراقي اكثر من لون من الوان الصراعات التي كانت تختلف في طبيعة شدتها ,لذلك فأن الامر لا يتعلق بثنائية (حضارة ـبداوة ) او ثلاثية(حضارة ـريفـ بداوة ) بقدر ما يتعلق بعدة مستويات للصراع كانت قد احتدمت داخل ساحة الشخصية العراقية على امتداد التاريخ .
فالصراع الذي كابدته شخصية الفرد العراقي في العصور القديمة في ظل الالهة الرافدينية ,يوم كان العراقي يعيش ما اسماه الباحث ( حسن سرمك ) بحالة التضاد العاطفي والذي جاء بسبب مخاوف العراقيين من بطش الهتهم من جهة وطمعهم في تأمين حياة آمنة ومستقرة لهم من جهة اخرى ,مثل ذلك الصراع يختلف عما عاشه العراقيون من صراعات وتناقضات في عهود لاحقة ,فقد يتحول الصراع فيما بعد من صراع مع الالهة الى صراع مع قيم او ثقافات او تعاليم دينية او موجات من الغزو المعرفي والثقافي الذي يشمل كل نواحي الحياة .
يخطى الظن من يعتقد ان العراقي عاش لونا واحدا من الصراع نستطيع ان نرجع اليه كل ما اتصفت به شخصية الفرد العراقي ,فقد تعرض الفرد العراقي ولعدة اسباب الى الوان من الصراعات التي كانت تحتدم داخل شخصيته ليترك كل صراع منها بصماته وخصائصه على طبيعته كما هو الحال مع الصراعات والحروب التي كانت ولا تزال تحتدم على ارض تلك الشخصية لتترك هي الاخرى تأثيراتها وافرازاتها على ذات المختلفة .
من وجهة نظري المتواضعة ارى ان اكبر واهم واخطر صراع عانته شخصية الفرد العراقي منذ قرن ونيف هو ما تمثل في وقوع تلك الشخصية تحت تأثير ثلاثة كوابح مهمة ورئيسية وفعالة في ذات الوقت وهذه الكوابح هي كالآتي .
1ـ الدين وتعاليمه الصارمة والمتشددة لا سيما فيما يخص حرية الفرد الشخصية .
2ـ العشيرة وقيمها المحافظة والمتزمتة والتي تتخذ من الدين ونصوصه ظهيرا لها .
3ـ مجموعة ما تعارف عليه من قيم واعراف وتقاليد هي في الاعم الاغلب مزيج من نصوص وقيم وتعاليم دينية وعشائرية محافظة .
مثل هذه الكوابح التي تشترك فيما بينها بعدة مميزات وخصائص كانت وما تزال تشكل اهم اسباب ما تعانيه شخصية الفرد العراقي وعلى امتداد عقود من الزمن في طريق تحقيق ما تصبو اليه من حياة , وهو الصراع الذي سيبقى تأثيره فاعلا حتى يحسم العراقي امره ويختار اي الطريقين انفع له ,وهو امر اشبه بالمستحيل ,وذلك لعدة اسباب تفوق بقوتها وفاعليتها قدرة الفرد العراقي على تخطيها وتجنبها . ان تلك الكوابح التي تشترك بشدتها وتزمتها , ما زالت تضغط على الفرد العراقي بقوة ,ففي حين ينزع الفرد العراقي الى العيش وفق نمط الحياة في المجتمعات المتحضرة ,حيث الحرية والاختلاط والتحلل من اكبر عدد من القيود التي تثقل كاهله وتزيد من معاناته ,نجد ان تلك الكوابح تعيقه من تحقيق تلك الاماني وتعود به الى خانة الطاعة والالتزام المبالغ فيهما بشكل واخر .
العراقي يريد ان يلهو ويرتع ويلعب لكن النصوص الدينية تتحفظ على طبيعة هكذا مفردات اشد التحفظ ,العراقي يريد ان يختلط لكن امر الاختلاط امر فيه نظر واخذ ورد شرعا ان لم يكن محرما من اساسه ,العراقي يريد ان يستمع للغناء والموسيقى وسائر الفنون الاخرى لكن نصوص كثيرة تتوعده بالقصاص والعقوبة لان في ذلك مضيعة للوقت الذي يجب ان يكون مخصص لأعمال نافعة ومفيدة ليست من سنخ الاستماع والاستمتاع بسماع الغناء والموسيقى ,العراقي يريد ان يرقص وان يحرك اطرافه بكل الاتجاهات ليعيش حالة من الغبطة والتفاؤل من جهة ولكي يتخلص من الكثير من الهموم والشحنات السالبة التي استوطنت فؤاده المثقل بالهموم والابتلاءات من جهة اخرى لكن قيم الدين والعشيرة تعتبر ذلك من مظاهر الميوعة التي تتنافى مع طبيعة الرجل التي يجب ان تكون على قدر عال من الغلظة والخشونة ,العراقي يرغب ان تكون له عشيقة وان يجرب الحب والجنس قبل الزواج كما هو حال الشباب في اوروبا واميركا وسائر المجتمعات المنفتحة ,الا ان النصوص الدينية والعشائرية اضافة الى سطوة القيم والتقاليد تعتبر ذلك مروقا عن المألوف وخرقا للمقدس .
ان حقيقة ما يعيشه العراقيون منذ قرن واكثر لا يكمن في ما اعتمده الراحل الوردي من ثنائية (البداوة والحضارة )الذي اختزل من خلالها طبيعة صراع الفرد العراقي وعلى امتداد مراحله التاريخية المتعاقبة
ان حقيقة الصراع الذي نعيشه منذ زمن بعيد هو ما يتمثل بذلك التضاد والتنافر والتقاطع بين ما يصبو اليه الكثير منا من حياه تعرف على معالمها وانبهر بمظاهرها من خلال الاعلام بكل مستوياته وادواته, وبين ما يراد منه وفق قوانين وانظمة ونصوص تتقاطع تقاطعا كليا مع ما يطمح له من رؤى وتطلعات .ان ابرز ظواهر ما اشير اليه من صراع هو ان الكثير من العراقيين يعيش او يرغب ان يعيش اكثر من حياة بمعنى انه يسعى جاهدا ان يعيش حياة تتماشى مع قيم الدين والعشيرة والاعراف من جهة (حياة عامة ) ومن جهة اخرى يسعى جاهدا للعيش وفق ما تنزع اليه ميوله وغرائزه(حياة خاصة ) والذي يجد لها مصاديقا من خلال الحياة في المجتمعات الاوربية ,ولو انك نظرت من حولك لو وجدت مصاديق كثيرة على ما اشير اليه فالكثير من العراقيين اليوم (رجالا ونساءا ) يعيشون اكثر من حياة لكل حياة خصائصها وسماتها. ان الصراع الاكثر فاعلية والذي لم يشر اليه الوردي ولا غيره من الباحثين العراقيين , والذي ما يزال قويا بتأثيراته على شخصية الفرد العراقي هو ما يتمثل بذلك التضاد وليس الازدواج الذي يعاني منه الكثير منا ومنذ عقود بين انموذجين متعاكسين للعيش والحياة .
1ـانموذج العيش وفق نصوص الدين وقوانين العشيرة وسطوة الاعراف والتقاليد .
2ـ انموذج العيش وفق قيم ومعايير التحضر والمدنية .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا