الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرق الكتب، خطوة على طريق المجهول

محمد عز

2015 / 4 / 20
حقوق الانسان


صورة كابوسية ومقززة، تمنيت لو كانت حلمًا ولم تكن حقيقة البتة. تعصب وتطرف ينم عن جهل يفوق أشد المتطرفين الذين يبحثون عنهم. استفزاز للمشاعر ومعاداة للمثقفين وقتل لحرية الفكر والإبداع. تحريض على العنف الذين يتظاهرون بأنهم ينبذونه بفعل مبتور، فالفكر لا يناقش إلا بالفكر، والعقل والقلم لا يرد عليهما الا بمثلهما. إقدام على عمل بليد ينم عن عدم وعي أو إدراك لخصائص القرية الكونية التي نعاصرها. أترى هل يستطيع هؤلاء منع الأفراد من الولوج إلى عالمهم الافتراضي واستقاء أفكارهم بل ثقافتهم وجُل تصوراتهم وسلوكياتهم؟ هل يستطيعون تحجيمهم عن قراءة هذا أو ذاك؟.
يُخيل لي مشهد حرق الكتب بمدرسة "فضل" بمنطقة فيصل بالجيزة، بأننا نعيش عصرًا شبيها بتلك التي عاشتها أوربا في عصورها الوسطى، ثلاثة تشابهات واختلاف، أو قل ثلاثة أسباب ونتيجة كالتالي:
1- مشهد حرق الكتب الشبيه بمشهد حرق الكتب والعلماء في العصور الوسطى، واعدام أي تجديد من شأنه تعطيل سطوة الكنيسة أو الإضرار بمصالحها.
2- رفع علم مصر أثناء الحرق الشبيه برفع الصليب في العصور الوسطى.
3- الحرق على أنغام "أغاني وطنية" وتصريح وزارة التربية والتعليم الذي جاء تحت مانشيت "الوزارة أحرقت الكتب في فناء المدرسة على أنغام يا أغلى أسم في الوجود"، واعتبار هذه الأغاني بمثابة صك للعبور وعدم المحاسبة على مثل هذا الفعل البغيض الى النفس، يشبه تمامًا "صك الغفران" الذي بمقتضاه يعبر الفرد إلى حياة هانئة "الجنة" دون حساب.
أما النتيجة، فإنه، إذا كانت أوربا في ذلك الوقت تحكم "بالحق الإلهي"، فإننا نُحكم الأن "بالحق الوطني" إن صحت العبارة أو "الفاشية الوطنية". تشابهت الأفعال واختلفت القوة التي يستمد منها الحاكم أو المسئول مشروعيته، اعتبرنا كل مخالف لقوانينا إرهابيًا يريد الخراب والدمار وان لم يكن كذلك.
إن كارثية مشهد الحرق الذي حدث لا تكمن فقط في معاداة حرية الفكر والتعبير، ولا في أنه مشهد لا تربوي يحض على العنف ونبذ الآخر بدل من مناقشته وإقناعه، ولا أنه وقع في حرم مدرسي من المفترض أنه يدعم الفكر وحرية التعبير وبناء عقلية ناقدة تستطيع تمييز الخبيث من الطيب. إن ثمة كوارث أخرى عديدة تتمثل أهمها فيما يلي:
1- عدم وعي من قاموا بهذه العملية بأن التطرف ليس تطرفًا دينيًا فحسب، ولكن التطرف أي فعل يبعد عن الوسطية والإعتدال، وأنهم بذلك مارسوا تطرفًا لا يقل بحال عن تطرف الفكر الديني الذي يعتقدون في وجوب محاربته.
2- أن عملية الحرق طالت كتبًا لمؤلفين لم نعهدهم من ذوي الفكر المتطرف أو تم تصنيفهم بالإنتماء لجماعة بعينها، أمثال الكاتب الكبير سمير رجب. إن هذا من شأنه أن يثير في النفس الشكوك، ويقمع القلم، ويبتر عزيمته وحريته. كذا، فإن هذا من شأنه أن يقذف بنا إلى الهاوية، إلى حيث لا ندري، ولا نعرف، ويقلل فرص ظهور أية كتب بناءه أو ناقدة.
3- أن اللجنة –وان كنت أعترض كليًا على أي تدمير أو إعدام لكلمة واحدة ينشرها صاحب فكر أيًا كانت- لم توضح المعايير التي تم بناءًا عليها اختيار هذه الكتب للحرق، فهل كان اختيارًا عشوائيًا أم مدفوعًا بتوجهات سياسية؟.
4- ما ورد في صحيفة الشروق من صور ومانشيتات مثل "اللجنة تلوح بأعلام مصر بعد إتمام العملية"، ما قد يدعو للتصنيف والتحزب، ويجعل الوطنية غطاءًا يبرر الأفعال.
إن الوطنية لا تحتكر، فكلنا مصريون، وأعود مرة أخرى لأقول "إن صبغ جماعة بكاملها أو على الأصح كل مخالف لما تعتقده صواب، من شأنه أن يزيد من اختلافه ويدعمه، لا يصلحه ويقومه"، إن اختلاف الأراء في إطار من الحب والإحترام وقبول الآخر لهو بعينة أرقى معاني التقدم والإزدهار. الفكر بالفكر والقلم بالقلم والعقل بالعقل والعنف بالعنف والسلم بالسلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغرب المتصهين لا يعير أي اهتمام لحقوق الإنسان في #غزة


.. الأونروا: أوامر إسرائيلية جديدة بتهجير 300 ألف فلسطينى




.. رئيس كولومبيا يدعو لاعتقال نتنياهو: يرتكب إبادة جماعية


.. غوتيريش يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وإخلاء سبيل جم




.. اعتقال محامية تونسية بارزة بعد تصريحات وصفت بـ-المهينة- لبلا