الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدى تطبيق و ملائمة دور المجلس الأعلى للإعلام في فلسطين

المعتصم بالله أبو عين
(Almutasembellah Abuein)

2015 / 4 / 20
الصحافة والاعلام


المقدمة:
" حرية الرأي و التعبير و الحرية الإعلامية تعد ركيزة من ركائز الحقوق و الحريات الأساسية، و مقدمة لضمان ممارسة العديد من الحقوق و الحريات و هي مرآه الحقوق و الحريات العامه و أوكسجين الديمقراطية. "
و من هذا المنطلق نجد أن حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية بتعدد أشكالها هي من القواعد الأساسية والمهمة في مجمل التشريعات المحلية الفلسطينية و ذلك لما لها الآثر البالغ الأهمية في بلورة المفهوم الحقوقي في دولة فلسطين و ذلك في ظل إكتساب فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة في 29 نوفمبر من العام 2012 و في ظل توجه فلسطين إلى الإنضمام إلى 18 معاهدة و إتفاقية دولية في الأول من نيسان من العام الحالي .
و وجود جسم ينظم و يصون الحريات الإعلامية كالمجلس الأعلى للإعلام هو آمر مفروغ منه و واجب التنفيذ و لذلك يجب على سيادة الرئيس محمود عباس أن يدعو المجلس التشريعي للإنعقاد ليقوم بواجباته بسن القوانين التي تهدف إلى حماية و تفعيل و صون الحريات الإعلامية.
و بالنسبة للمجلس الأعلى للإعلام هناك مشروع قانون منذ عام 2011 وضع على طاولة الرئيس ليتم التصديق عليه و لكن للأسف لم يتم لغاية الآن وهذا بمجمله في خضم عدم تفعيل دور المجلس التشريعي الفلسطيني في سن القوانين التي تخدم مصلحة المواطنين و تصون و تحمي الحقوق و الحريات .
سيتناول هذا البحث حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية في المواثيق الدولية و التشريعات المحلية، و اهمية وجود مجلس أعلى للإعلام في فلسطين، و هل مشروع المجلس الأعلى للإعلام يتمتع بالاستقلالية و الشفافية، و هل هناك تأثير إيجابي أم سلبي على حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية في ضوء مشروع المجلس الأعلى للإعلام المطروح حاليا .

أهمية الدراسة:
تنبع أهمية الدراسة في تسليط الضوء على واقع حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية في فلسطين من ناحية حاجتها إلى مجلس أعلى للإعلام ، خاصة في ظل توجه دول العالم إلى مجالس أعلى للإعلام ، و مناقشة مشروع قانون المجلس الأعلى للإعلام و مدى ملائمته لقوانين الشرعة والتوجهات الدولية في هذا المجال . ستحاول هذه الدراسة الإجابة على بعض هذه التساؤلات، كما ستطرح تساؤلات جديدة بحاجة لدراسات أخرى لبلورتها.

السؤال الرئيسي للبحث:
• ما مدى ملائمة مشروع قانون المجلس الأعلى للإعلام في ظل التوجهات الدولية من ناحية حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية من منظور قانون حقوق الإنسان و القوانين الفلسطينية ؟


الأسئلة الفرعية:
• ما هو وضع حرية الرأي و التعبير في القانون الفلسطيني؟
• ما مدى ملائمة التشريعات الخاصة بحرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية في فلسطين مع التشريعات و التوجهات الدولية ؟
• كيف سيكون مشروع المجلس الأعلى للإعلام في فلسطين؟
• ما دور السلطة التنفيذية في فلسطين بحال واقع حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية؟
• هل تشكيل مجلس أعلى للإعلام في فلسطين هو خطوة فاعلة نحو حرية و إستقلالية و شفافية الحريات الإعلامية و حرية الرأي و التعبير في فلسطين؟
• ما دور المجلس التشريعي من ناحية سن القوانين و التشريعات المتعلقة بالحريات الإعلامية؟ وهل هنالك آليه لتفعيل دور المجلس التشريعي ؟






الفرضية:
إن تشكيل المجلس الأعلى للإعلام في فلسطين له نواحي عديدة و متنوعة و لكن تكمن الأهمية من خلال أن يكون دور المجلس الأعلى للإعلام في فلسطين متميزا في الصفات التالية أن يكون ذي إستقلالية عن السلطة التنفيذية و يتمتع بصلاحيات على أرض الواقع تزيد و تعزز حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية ، و يتميز بشفافية تضمن حق الوصول للمعلومات و أن تكون جلساته علنية.
واقع حرية الرأي و التعبير في فلسطين سيتجه نحو الأفضل في ظل توجه القيادة الفسطينية إلى الإنضمام إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و الإتفاقيات و المعاهدات الدولية الأخرى، فالتشريعات الفلسطينية يجب عليها أن تلائم و تواكب التشريعات الدولية، لذلك فواقع حقوق الإنسان بشكل عام في فلسطين سيكون نحو الأفضل.
و يجب على القيادة الفلسطينية أن تمتع بقدر واسع من الحكمة و الحنكة في إتخاذ إجرائتها نحو سن القوانين التي تخدم حقوق الإنسان و من ضمنها حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية من خلال العمل على إصدارها تحت مسمى قرار بقانون من رئيس السلطة الفلسطينية، وأن يقوم سيادة الرئيس بدعوة المجلس التشريعي للإنعقاد وأن تكون هناك إنتخابات تشريعية و رئاسية، ويأتي هذا في ظل غياب دور المجلس التشريعي المنوط به في الرقابة و سن القوانين و التشريعات الفلسطينية.



-;- حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية في ضوء المواثيق الدولية
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1946 القرار رقم 59 ( د-1 ) الذي نص على أن " حرية تداول المعلومات حق من حقوق الإنسان الأساسية و هي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لها ... " .
و أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (19) على أنه " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي و التعبير ، و يشمل هذا الحق حريته في إعتناق الآراء دون مضايقة ، و في التماس الأنباء و الأفكار و تلقيها و نقلها إلى الأخرين ، بأي وسيلة و دونما إعتبار للحدود " .
و نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية في المادة (19) على أنه " 1. لكل إنسان حق في إعتناق آراء دون مضايقة 2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. و يشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات و الأفكار و تلقيها و نقلها إلى آخرين دونما إعتبار للحدود ، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخري يختارها " .
و جاء إعلان اليونسكو بشأن إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام و التفاهم الدولي الصادر عام 1978 للتأكيد على أهمية دور الإعلاميين و وسائل الإعلام في دعم السلام و التفاهم الدولي و تعزيز مكانة حقوق الإنسان ، و على ضرورة تقديم التسهيلات لهم للحصول على المعلومات و توفير الحصانة و الحماية اللازمة لهم للقيام بمهامهم على الوجه الأكمل .
و هذا ما جاءت به المادة (2) من الإعلان و التي نصت على أن " ممارسة حرية الرأي و حرية التعبير و حرية الإعلام ، المعترف بها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان و حرياته الأساسية ، هي عامل جوهري في دعم السلام و التفاهم الدولي "، كما و أكد النص المذكور صراحة على أنه " يجب ضمان حصول الجمهور على معلومات عن طريق تنوع مصادر و وسائل الإعلام .. و لهذا الغرض يجب أن يتمتع الصحفيين بحرية الإعلام و أن تتوافر لديهم أكبر التسهيلات الممكنة للحصول على المعلومات "، و حرص النص المذكور على التأكيد على أنه " لكي تتمكن وسائل الإعلام من تعزيز مبادىء هذا الإعلان فأنه لا بد أن يتمتع الصحفيون و غيرهم العاملين في وسائل الإعلام الذين يمارسون أنشطتهم في بلادهم أو خارجها بحماية تكفل لهم أفضل الظروف لممارسة مهنتهم ".
إلى جانب ذلك ، فقد نص المبدأ الأول من مبادئ جوهانسبرغ لعام 1995 على أنه " أ. لكل فرد الحق في إعتناق الآراء دون أي تدخل ب. لكل شخص الحق في حرية التعبير ، و التي تشمل حرية التماس و تلقي و نقل المعلومات و الأفكاء من جميع الأنواع ، دونما اعتبار للحدود ، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة ، في شكل فني أو بأية وسيلة أخري يختارها ".
و مع هذا التأكيد على حرية الرأي و الإعلام و الحق في الوصول للمعلومات ، إلا أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يسمح بوضع بعض القيود أو الضوابط الاستثنائية الضيقة على ممارسة تلك الحقوق و الحريات ، و ذلك بهدف خلق التوازن في مجال حماية الحقوق و الحريات العامة و مصالح المجتمع ككل، ودون المساس بجوهر ممارسة تلك الحقوق و الحريات أو تعريضها للخطر .
و هذا ما نصت عليه المادة (29-2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و التي أكدت على أنه " لا يخضع أي فرد ، في ممارسة حقوقه و حرياته ، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفا منها ، حصرا ، ضمان الاعتراف الواجب بحقوق و حريات الآخرين و احترامها ، و الوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة و النظام العام و رفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي ".
إلى جانب ما جاءت به المادة (19-3) من العهد الدولي و التي نصت على أن : " تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات و مسؤوليات خاصة . و على ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود و لكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون و أن تكون ضرورية : أ. لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم ب. لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة " .
و قد أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في دورتها التاسعة عشر عام 1983 في التعليق العام رقم (10) على المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية على ما يلي: " تؤكد الفقرة (3) من المادة (19) صراحة على أن ممارسة حق حرية التعبير تستنبع واجبات و مسؤوليات خاصة ، و على هذا النحو يجوز إخضاع هذا الحق لبعض القيود ، التي قد تتصل إما بمصالخ أشخاص آخرين أو بمصالح المجتمع ككل ، إلا أنه عندما تفرض طرف بعض القيود على ممارسة حرية التعبير ، لايجوز أن تعرض هذه القيود الحق نفسه إلى الخطر ، و تضع الفقرة (3) شروطا ولا يجوز أن تفرض تلك القيود إلا لأجل أحد الأهداف المبينة في الفقرتين الفرعيتين (أ) و (ب) من الفقرة 3 و يجب تبرير هذه القيود بأنها " ضرورية " للدولة الطرف لتأمين أحد تلك الأهداف ".
كما و قد أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام المشار إليه اعلاه على ما يلي : " تقتصر تقارير كثيرة من الدول الأطراف على ذكر أن حرية التعبير مضمونه بمقتضى الدستور أو القانون ، إلا أنه و في سبيل معرفة نظام حرية التعبير بالضبط ، في القانون وفي الممارسة ، فأنه يلزم أن تحصل اللجنة بالإضافة لإلى ذلك على معلومات وثيقة الصلة عن الأحكام التي تعرف نطاق حرية التعبير أو التي تضع قيودا معينة ، و سائر الشروط التي تؤثر فعليا على ممارسة هذا الحق . و التفاعل الذي يحصل بين مبدأ حرية التعبير و هذه الحدود و القيود هو الذي يخدد النطاق الفعلي لحق الفرد " .
و بذلك فإن مدى مشروعية أي تقييد لحرية التعبير و الحريات الإعلامية ينبغي تقييمه وفقا للمعايير الدولية ، و التي تنطلق من أن الحرية هي الأساس ، و القيود هي استثناء ، تحكمها ضوابط و اهداف و فلسفة ، ينبغي التقيد بها و عدم التعسف في استخدامها ، وذلك لأن التعسف في استخدام القيود او التوسع فيها من شأنه أن يفرغ تلك الحريات من مضمونها فتصبح مجرد غطاء بيد السلطة التنفيذية و غيرها من السلطات للمساس بحرية الرأي و الإعلام و التضييق على الصحفيين و الإعلاميين و الفاعلين الجدد في الحق الإعلامي ، و نغدو بذلك أمام نظام قمعي لا يؤمن بحرية الرأي و النقد ولا يحترم الحقوق و الحريات .
و تعتمد المواثيق الدولية كالإعلان العالمي و العهد الدولي و كذلك المواثيق الإقليمية كالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان و الإتفاقية الإمريكية لحقوق الإنسان اختبارا صارما مكونا من ثلاثة أجزاء " الفحص الثلاثي الأجزاء Three Part Test " و الذي يشكل الحق الأدني لتحديد مدى مشروعية أيه قيود أو ضوابط استثنائية يتم فرضها على حرية الرأي و الإعلام و هي :
1. أن يكون القيد المفروض منصوصا عليه مسبقا في القانون .
2. أن يستهدف القيد المفروض العمل على خدمة هدف مشروع.
3. أن يكون القيد المفروض ضروريا في مجتمع ديمقراطي.

و إلى جانب الاختبار الثلاثي في المواثيق و الاتفاقيات الدولية و الإقليمية لقياس مدى مشروعية القيود الإستثنائية الواردة على الحريات الإعلامية و حرية الرأي و التعبير عموما ، فقد جاءت مبادئ جوهانسبيرغ 1995 حول الأمن القومي و حرية التعبير و الوصول للمعلومات لتقدم مزيدا من التوضيح و الأمثلة و رسمت إجراءات للإثبات لضمان الالتزام بتلك القيود و الضوابط و عدم التعسف في استخدامها ؛ حيث نص المبدأ الأول على أنه " لا يجوز فرض قيود على حرية التعبير أو المعلومات بحجة حماية الأمن القومي ، ما لم تتمكن الحكومة من إثبات أن تلك القيود منصوص عليها في القانون و ضرورية في مجتمع ديمقراطي لحماية المصالح المشروعة للأمن القومي ، حيث إن عبء إثبات صحة مشروعية القيود يقع على عاتق الحكومة " .
و أما المبدا الثاني من مبادئ جوهانسبيرغ فقد ذكر جملة من الشروط التي بموجلها يباح فرض بعض القيود المشورعة على حرية التعبير حماية للأمن القومي منها أن يكون الهدف من وراء ذلك متمثل في " حماية الدولة أو وحدة أراضيها ضد إستخدام القوم أو التهديد بها ، أو قدرة الدولة على الرد على مثل هذا التحديد باستخدام القوم ، سواء من مصدر خارجي كتهديد عسكري أو مصدر داخلي كتحريض على العنف لقلب نظام الحكم " . فيما أكد المبدأ الثاني ذاته ، صراحة ، على أنه : " بالتحديد فإن القيد الواجب المبرر بناء على حجة الأمن القومي لا يصبح مشروعا اذا كان غرضه الأساسي هو حماية مصالح لا علاقة لها بالأمن القومي ، على سبيل المثال لحماية الحكومة من الإحراج أو كشف الأخطاء ، أو لإخفاء معلومات عن أداء المؤسسات الحكومية و العامة ، أو لتعزيز أيدلوجية معينة ، أو لقمع الاضطرابات " .
و فيما يتعلق بالمبدا الثامن من مبادئ جوهانسبيرغ فينص على أنه لا يمكن التعاطي مع التعبير عن الرأي كتهديد للأمن القومي إلا إذا استطاعت الحكومة ان تثبت أن ذلك التعبير يهدف لإثارة عنف و شيك ، و أن هنالك عرقة مباشرة قائمة بين التعبير و احتمال أو وقوع مثل هذا العنق ". فيما ينص المبدأ السابع من مبادئ جوهانسبيرغ صراحة على أن العبارات الناقدة لسياسة السلطة التنفيذية، و التي تكشف معلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل هذه السلطة ، لا تعتبر مهددة للأمن القومي ، و بالتالي فأنه لا يجوز وضع قيود أو عراقيل تحول دون تدفق تلك المعلومات و نشرها .
و حسب الإعلان المشترك المتعلق بالتهديدات الرئيسة العشرة لحرية الرأي و التعبير و الذي تم تبنيه باجتماع واشنطن في 3 شباط – فبراير عام 2010 من قبل كل من المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي و التعبير و ممثل منظمة الأمن و التعاون في أوروبا حول حرية الإعلام و المقرر الخاص لمنظمة الدول الأمريكية حول حرية التعبير و المقرر الخاص للجنة الإفريقية لحقوق الإنسان و الشعوب حول حرية التعبير و الحصول على المعلومات ، تحت رعاية منظمة (19 Article) و الحملة العالمية لحرية التعبير و مركز القانون و الديمقراطية ، و هنا أبرز هذه التهديدات التى لها صلة مباشرة بالوضع على الصعيد الفلسطيني :
1. التهديد الرئيسي الأول : يتمثل في سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام .
2. التهديد الرئيسي الثاني : يتمثل في القوانين التي تجرم التشهير الجنائي.
3. التهديد الرئيسي الثالث : يتمثل في العنف الممارس ضد الصحفيين.
4. التهديد الرئيسي الرابع : يتمثل في تقييد حرية التعبير على الإنترنت.
و بقياس ما ورد في التهديد الرئيسي الأول لحرية الرأي و التعبير في الإعلان المشترك على الوضع الفلسطيني ، فإن القانون القديم الخاص بالمطبوعات و النشر الصادر عام 1995 قبل ولاية المجلس التشريعي 1996 ، و الذي لم يخضع لأيه مراجعة لغاية الآن ، يمنح وزارة الإعلام و مدير عام المطبوعات في الوزارة صلاحيات واسعة ، و يضع قيودا كبيرة على وسائل الإعلام التقليدية ، و يشترط الحصول على تراخيص من وزارة الإعلام لإنشاء مطبعة او دار نشر و تراخيص لإصدار المطبوعات الورقية و تراخيص لبيع المطبوعات و تراخيص لاستيراد المطبوعات ، و يفرض رقابة مسبقة للسلطة التنفيذية على مالك المطبعة أو المدير المسؤول كإيداع أربع نسخ من كل مطبوعة غير دورية تطبع في مطبعته قبل توزيعها ، و يجيز للسلطة التنفيذية القيام بضبط و مصادرة نسخ المطبوعات و هي إجراءات تندرج في إطار التهديد الأول الذي أشار أليه الإعلان المشترك و تخالف في مجملها القانون اأساسي الفلسطيني ، بما يعني وجود إشكاليات دستورية كبيرة يعاني منها القانون المذكور . كما أن مشاريع القوانين المدرجة حاليا على أجندة مجلس الوزراء كمشروع قانون المجلس الأعلى للإعلام و مشروع قانون تنظيم الإعلام المرئي و المسموع تقع ضمن ذات التهديد الرئيسي الأول لحرية الرأي و التعبير و تخالف أحكام القانون الأساسي الفلسطيني .
و تجدر الإشارة إلى أن إعلان لندن ، الذي سبق إعلان واشنطن بشأن التهديدات الرئيسية العشرة لحرية التعبير ، و الذي تم تبنيه في 26 نوفمبر – تشرين الثاني عام 1999 من قبل كل من المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي و التعبير و ممثل منظمة الأمن و التعاون في أوروبا حول حرية الإعلام و المقرر الخاص لمنظمة الدول الأمريكية حول حرية التعبير تحت رعاية منظمة ( Article 19 ) قد خرج بعدة توصيات في مجال حرية الرأي و الإعلام من أبرزها : أن حرية التعبير تعتبر حقا أصيلا من حقوق الإنسان و مكونا أساسيا من المجتمع المدني المبني على المبادئ الديمقراطية، و أن الإعلام المستقل و التعددي ضروري من أجل تحقيق المجتمع الحر و المفتوح و الحكومة المساءلة ، و أن استمرار بعض الدول في ممارسة و السماح ببعض الضغوط على الإعلام أمر غير مقبول، و أن حرية التعبير لا تعتبر فقط حق أساسي و غاية بحد ذاتها و إنما لها تبعات هامة على مستوى التنمية الاقتصادية كذلك ، و أن أحد المكونات الهامة المتضمنة في حرية التعبير هو حق الجمهور في الوصول المباشر إلى المعلومات و معرفة ما تقوم به الحكومة نيابة عن الجمهور .
و نص هذا الإعلان المشترك لعام 1999 على أنه " في العديد من الدول توجد قوانين من قوانين التشهير الجنائي و التي تقيد بشكل غير لازم الحق في حرية التعبير و نحن نحث الدول على مراجعة هذه القوانين من أجل جعلها متوافقة مع الالتزمات الدولية لهذه الدول ". ومن البديهي أن التوجه الدولي الحديث في مجال حرية الرأي و التعبير و الإعلام بات يحظر الحبس في قضايا النشر ، و يؤكد على حق الرد و يكفله، كما و يؤكد على حق التعويض العادل في ثبوت الإضرار الغير و سمعته أمام القضاء المختص.
و أخيرا أكد الإعلان المسترك المذكور صراحة على أنه " على الدول أن تضمن وجود إجراءات قضائية فاعلة و جدية و حيادية مبنية على أساس سيادة القانون من اجل منع وجود حصانة لمرتكبي الانتهاكات ضد حرية الرأي و التعبير ".
و إن إتجهنا نحو القانون الدولي الإنساني فهناك مادة تعني بالصحفيين في ظل وجود نزاعات مسلحة بين الدول و هي في البروتوكول الإضافي الأول لإتفاقيات جنيف الأربعة و هي المادة (79) من البروتوكول الأول و المادة (50) من إتفاقية جنيف الرابعة .






-;- حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية في ضوء التشريعات الفلسطينية

القانون الأساسي الفلسطيني
أكد القاون الأساسي الفلسطيني في الباب الثاني منه على الحماية الدستورية للحقوق و الحريات العامة ، و على التزمات السلطة الوطنية الفلسطينية تجاه الحقوق و الحريات المكفولع للإنسان ، فتنص في المادة (10) على أن " 1. حقوق الإنسان و حرياته الأساسية ملزمة و واجبة الإحترام 2. تعمل السلطة الوطنية الفلسطينية دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات و المواثيق الإقليمية و الدولية التي تحمي حقوق الإنسان ".
كما و أكد القانون الأساسي أيضا على كفالة حرية الرأي و التعبير بمختلف أشكالها و عدم المساس بها و باعتبارها حق دستوري مكفول للإنسان ، فتنص في المادة (19) على أنه : " لا مساس بحرية الرأي ، و لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه و نشرة بالقول أو الكتابه أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون ".
و إيمانا من القانون الأساسي ، بأهمية الحريات الإعلامية، فقد أفرد لها نصا دستوريا خاصا خلافا للاتجاه الدولي و عدد من الدساتير المقارنة التي تدمج الحريات الإعلامية ضمن حرية الراي و التعبير باعتبارها أحد أشكالها ، ما يعني وجود أهمية و حماية دستورية خاصة للحريات الأعلامية على النحو التالي: " 1. تأسيس الصحف و سائر و سائل الإعلام حق للجميع يكفله هذا القانون الأساسي و تخضع مصادر تمويلها تمويلها لرقابة القانون 2. حرية وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المكتوبة و حرية الطباعة و النشر و التوزيع و البث، و حرية العاملين فيها، مكفولة وفقا لهذا القانون الأساسي و القوانين ذات العلاقة 3. تحظر الرقابة على وسائل الإعلام ، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقا للقاتون و بموجب حكم قضائي" .
و لابد من التركيز و الانتباه جيدا إلى الحماية الدستورية القوية التي منحها القانون الأساسي لوسائل الإعلام كافة و بخاصة في الفقرة (3) من المادة (27) و التي أكدت صلراحة على حظر الرقابة على وسائل الإعلام و أنه لا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاوها، أو فرض قيود عليها ، إلا باجتماع شرطين دستوريين معا و هما وجود نص قانوني مسبق يسمح بهذا التقييد ابتداء و صدور حكم قضائي من محكمة مختصة لإمكانية تنفيذ هذا القيد، و بذلك فإن هذا النص الدستوري يعني :
1. أن أية قيود تفرض على أية وسيلة إعلام من قبل السلطة التنفيذية سواء من قبل وزارة الإعلام أو من قبل وزارة الداهلية أو من قبل الأجهزة الأمنية أو غيرها من أجهزة السلطة التنفيذية، أيا كان شكل تلك القيود و طبيعتهاـ تعتبر إجراءات غير دستورية و تنتهك أحكام القانون الأساسي و بخاصة المادة (27/3) منه .
2. أن أي نص قانوني سواء في قانون المطبوعات و النشر أو في رزمة القوانين الإعلامية المدرجة على أجندة مجلس الوزراء - كمشروع قانون المجلس الأعلى للإعلام و مشروع قانون تنظيم الإعلام المرئي و المسموع – حال إقرارها يمنح السلطة التنفيذية أية صرحيات بإنذار أو مصادرة أدوات أو مواد إعلامية أو فرض رقابة مسبقة على وسائل الإعلام هو نص غير دستوري. لأنه لا يكفي بموجب المادة (27/3) من القانون الأساسي وجود نص قانوني يفرض قيد استثنائي على وسائل الإعلام و إنما يجب أن يصدر (حكم قضائي) من محكمة مختصة لإمكانية البدء بتنفيذ هذا القيد وفقا للنص الصريح الوارد في القانون الأساسي .
3. أن كافة أشكال تقييد الحريات الإعلامية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية تجاه المؤسسات الإعلامية من قبيل الاتصال المباشر ببعض وسائل الاعلام لمنعها من نشر أو بث آراء معينة و مطالبتها بتزويد الأجهزة الأمنية بعناوين المتدخلين في التعليقات على المواقع الإلكترونية و تهديد للإعلامين و المدونيين و نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي في حال نشر آراء أو مواد أو تعليقات على تلك المواقع، فضلا على أنها لا تستند إلى نص قانوني مسبق و هو الشرط الدستوري الأول الذي تتطلبه المادة (27/3) من القانون الأساسي فأنها لا تستند أيضا إلى حكم قضائي صادر عن محكمة مختصة، و بالتالي فإن كافة تلك الإجراءات تشكل انتهاكا واضحا و صريحا و مباشرا لأحكام القانون الأساسي و بخاصة النص الدستوري المذكور .
4. أن النائب العام الفلسطيني لا يملك أي صلاحية تخوله فرض أي قيود على وسائل الإعلام كافه، و من بينها إصداؤ الأوامر أو القرارات بحجب مواقع إلكترونية ، وقيامه بهذا الإجراء يعد انتهاكا دستوريا مباشرا لإحكام القانون الأساسي و بخاصة المادة (27/3) و التي تؤكد صراحة على وجوب صدور (حكم قضائي) من محكمة مختصة لإمكانية إجراء أي تقييد على وسائل الإعلام و من بينها حجب المواقع الإلكترونية، ومن البديهي أن القرارات الصادرة عن النائب العام ليست أحكاما قضائية .
5. لا بد أن نشير أيضا، إلى أنه و بالرغم من القيود التي يفرضها قانون المطبوعات و النشر لعام 1995 على وسائل الإعلام التقليدية ( القانون الذكور لا يشمل وسائل الإعلام الإلكترونية ولا وسائل الإعلام المرئية و المسموعة ) إلا أنه لا يسمح إطلاقا للنائب العام بالقيام بأي إجراء يؤدي إلى تعطيل صدور المطبوعات، فهذا الإختصاص القانوني حصري بالمحكمة المختصة و لفترة مؤقتة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، و هذا ما أكدت عليه المادة (47) من قانون المطبوعات و النشر و قد ورد في النص المذكور " ... و للمحكمة أن تأمر بتعطيل صدور المطبوعة تعطيلا مؤقتا و لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر " .
6. يجب التعامل مع أي انتهاك، من أي كان، للحقوق و الحريات الدستورية المكفولة للمواطنين بموجب أحكام القانون الأساسي و بخاصة حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية، على أنه (جريمة دستورية) تستوجب إعمال نص المادة (32) من القانون الأساسي الفلسطيني و التي أكدت صراحة على أن " كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان و غيرها من الحقوق و الحريات العامة التي يكقلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية أو المدنية الناشئة عنها بالتقادم، و تضمن السلطة الوطنية تعويضا عادلا لمن وقع عليه الضرر " .

قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960
تعتبر جرائم التشهير المعروفة في قانون العقوبات لعام 1960 بجرائم الذم و القدح من أبرز التهديدات التي تواجه الإعلاميين و المدونين و نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي و غيرهم من الفاعلين لجدد في الحقل الإعلامي بمفهومه المعاصر، و بالرغم من تأكيد المنظمات الدولية كمنظمة ( article 19 ) و تأكيد الإعلانات السنوية المشتركة التي يتم تبنيها من قبل المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي و التعبير و منظمة الأمن و التعاون في أوروبا حول حرية الإعلام و المقرر الخاص لمنظمة الدول الأمريكية حول حرية التعبير و المقرر الخاص للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان و الشعوب حول حرية التعبير و الحصول على المعلومات، و التي تحث الدول على مراجعة قوانينها العقابية و على حظر الحبس على قضايا النشر ، و هو الاتجاه الذي تسير عليه الدول الديمقراطية التي تحترم حرية الرأي و الإعلام حيث يتم اللجوء إلى حق الرد و التعويض العادل من المحكمة المختصة حال ثبوت تعدي وسائل الإعلام على سمعة و كرامة الآخرين، و يتم التفريق بين النقد الموضوعي المباح و الإساءات الشخصية للآخرين بهذا الخصوص، إلا أن قانون العقوبات لعام 1960 لا زال يجرم الذم و القدح و يفرض عقوبات جزائية بالحبس .
و على الرغم من وجود مشروع قانون العقوبات الفلسطيني الجديد إلا أنه لا يستثنى من عقوبة جرائم قضايا النشر مثل الذم و القدح و التحقير بل إكتفى بإلغاء عقوبة إطالة اللسان على الملك ( رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ) .
و هناك ذم و قدح مباح في قانون العقوبات فليس كل ما ينشر و يذاع في وسائل الإعلام و مواقع التواصل الإجتماعي يشكل جريمة ذم و قدخ معاقب عليها في قانون العقوبات لعام 1960، فهنالك عدة حالات أوردها القانون بنصوص صريحة تبيح الذم و القدح، إنطلاقا من ترجيح المصلحة و الفائدة العامة على مصلحة المجني عليه و ادعائه بحقة في الشرف و الاعتبار، و ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الشخصية من عدمه في مقل تلك الأحوال هو من اختصاص القضاء فقط بحكم فاصل في الدعوى و قائم على اليقين التام .















قانون المطبوعات و النشر رقم (9) لسنة 1995

يندرج قانون المطبوعات و النشر ضمن التشريعات المقيدة لحرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية، وقد صدر هذا القانون عن الرئيس الراحل ياسر عرفات ( بالإجراءات الخاصة ) بتاريخ 25/6/1995، أي قبل بدء ولاية المجلس التشريعي الأول في العام 1996، و لم يخضع لأية مراجعة تشريعية لغاية الآن غلى الإطلاق، علما بأنه القانون الثاني الصادر منذ بداية عهد السلطة الوطنية الفلسطينية .
و يتناول هذا القانون الجوانب المتعلقة بالمطبوعات الدورية و غير الدورية و المتخصصة بالمفهوم التقليدي للمطبوعات، كالصحف و المجلات و الكتب و غيرها من المطبوعات الورقية، وكذلك ما يتعلق بدور النشر و التوزيع و الصحافة و نشرات وكالات الأنباء المطبوعة، بالمفهوم التقليدي الكلاسيكي الورقي، ولا تشتمل نصوص هذا القانون على أي تنظيم للإعلام الإلكتروني الذي لا يخضع لغاية الآن لأي تنظيم قانوني، بالرغم من محاولات البعض ( إقحام ) هذا النوع من الإعلام الحديث في أحكام هذا القانون القديم خلافا لنصوصه الصريحة و خلافا للقانون الأساسي في آن واحد و ذلك بهدف التضييق على وسائل الإعلام .
و يحتوى هذا القانون، القديم، على العديد من محظورات النشر، و بنصوص عامة و واسعة و غامضة في ذات الوقت و يصعب معها اعتماد أي أداه لقياسها. كما يمنح هذا القانون صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية تحد بشكل كبير و خطير من حرية الرأي و الإعلام من قبيل السلطات الرقابية الواسعة الممنوحة لوزارة الإعلام و مدير عام المطبوعات في الوزارة. و إن معظم الإجراءات الواردة في نصوص قانون المطبوعات و النشر تخالف القواعد الدستورية الواردة في القانون الأساسي الفلسطيني و التي تكفل حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية، و بالتالي فهي نصوص غير دستورية . ومع ذلك، فإن هذا القانون قد أورد بعض النصوص التي تصب في إطار حرية الرأي و الإعلام .
مشروع قانون المجلس الأعلى للإعلام

منذ أكثر من عامين و اللجنة الوطنية العليا للخطة التشريعية بمشروع قانون المجلس الأعلى للإعلام تعمل مع كافة الأطراف و تم خلالها صرف الكثير من الدعم المالي للخروج بقانون لهذ المجلس و السؤال المطروح ألا يكفي ثلاثة أعوام لدراسة المشروع و إبداء الملاحظات عليه .
وفي خضم المفارقة و في عام 2011 و خلال مشاركة رئيس الوزراء السابق دكتور سلام فياض في الاحتفال الذي نظمه مركز الإعلام الحكومي في رام الله بمناسبة ( اليوم العالمي لحرية الصحافة ) أن مشروع قانون للصحافه في مراحل التشريع و سيتم إنجازه قريبا .
في حين قال مستشار الرئيس محمود عباس للشؤون القانونية حسن العوري " إن مشروع قانون المجلس الأعلى للإعلام يخضع للمناقشة، معتبرا أن إقراره سيكون بناء على القناعة بضرورة تشكيل المجلس و الغاء وزارة الإعلام و تبعات ذلك على البيئة الإعلامية في فلسطين، على الرغم من أن الحكومة إتخذت في وقت سابق بإلغاء وزارة الإعلام " .
ارتأت الحكومة الفلسطينية لإنشاء المجلس الإعلى للإعلام نظرا للتطور السريع في قطاع الإعلام و لتنظيم عمل وسائل الإعلام و إعطائها مزيدا من الحرية و لنقل الرؤية و الرواية الفلسطينية للعالم .
المطلوب من هذا المجلس بأن يكون مجلسا لا يبقى عليه تأثير سلطوي و إذا ما ظلت الحكومة كمرجعية سياسية له فهذا بدورة يفقده الاستقلالية ، و يجب أن يكون هناك دعم للتوجه الأهلي و الرسمي الفلسطيني لإنشاء مجلس الأعلى للإعلام ليحل محل مكان وزارة الإعلام لكن ليس بالصيغة التي يطرحها مشروع القانون و ذلك نظرا لأن المجلس في حال إنشائه وفقفا لأحكامه سيحتفظ بقدر واسع من الصلاحيات التي تتمتع بها وزارة الأعلام بشكل من شانه عرقلة حرية الإعلام، و يجب مراجعة هذه الصلاحيات و أن يكون المجلس الأعلى للإعلام هيئة مستقلة غير مرتبطة بأي من المؤسسات الحكومية .
و لكي يكون هناك إستقلالية عن السلطة التنفيذية يجب أن تتوافر الشروط التالية :
1. مجلس أعلى للإعلام فاعل و مستقل.
2. لا وجود لوزارة الإعلام.
3. لا دور لوزارة الداخلية.
4. نقابة صحفيين فاعلة و مستقلة.
إن دولة لبنان كانت من السباقين إلى إنشاء و استحداث مجلس أعلى للإعلام للنهوض بوسائل الإعلام الرسمية و هناك بعض الدول العربية التي أنشأت مجالس أعلى للإعلام مثل سوريا التي قامت في خضم الإصلاحات في الحكومة في العام 2011 بإستحداث مجلس أعلى للإعلام بدلا من وزارة الإعلام ، و في بعض الدول لا يوجد وزارات إعلام مثل السويد الذي يقوم مجلس الصحافة السويدي بتنظيم عمل وسائل الإعلام .
و إذا ما دقننا في مواد مشروع القانون وحسب المادة (2) الشخصية الإعتبارية " يؤسس بمقتضى هذا القانون مجلس يسمى ( المجلس الأعلى للإعلام )، و تكون له شخصية اعتبارية، و يتمتع بالاستقلال المالي و الإداري، و تكون له موازنة خاصة ضمن الموازنة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، و يتبع مجلس الوزراء". فهناك إستقلال مالي و إداري و لكن بأن يتبع لمجلس الوزراء فهذا نوع من عدم الإستقلالية .
و حسب المادة (5) سريان القانون " تسرى أحكام هذا القانون على جميع وسائل الإعلام في اللأراضي الفلسطينية باستثناء الإعلام الرسمي ". بأن سريان هذا القانون على جميع و سائل الإعلام بغض النظر عن الإعلام الحكومي، فأين العبرة من وجود مجلس إعلى للإعلام إن لم يكن يسري على كافة وسائل الإعلام الحكومية و غير الحكومية و الخاصة و العامة .
و حسب المادة (8) تشكيل مجلس الإدارة
"1. يعين الرئيس بقرار من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بناء على تنسيب من مجلس الوزراء.
2. يشكل مجلس الإدارة من ثلاثة عشر عضوا برئاسة الرئيس و عضوية كل من :
أ.ممثلا عن وزارة الإتصالات .
ب.ممثلا عن وزارة الداخلية.
ت.ممثلا عن وزارة التربية و التعليم العالي.
ث.ممثل عن نقابة الصحفيين.
ج.ممثل عن قطاع الإعلام المرئي.
ح.ممثل عن قطاع الإعلام المسموع.
خ.ممثل عن مركز الإعلام الحكومي.
د.ممثلا عن الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن.
ذ.ممثل عن مؤسسات المجتمع المدني العاملة في القطاع الإعلامي.
ر.شخصية إعلامية.
ز.شخصية أكادمية يتم إختيارها بصفة دورية من كليات الإعلام في الجامعات المحلية.
س.ممثل عن القطاع الخاص ينسبه المجلس التنسيقي للقطاع الخاص.
3. يحضر الأمين العام جلسات مجلس الإدارة دون أن يحق له التصويت.
4. يشترط في ممثلي الوزارت المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذة المادة أن يكونوا من الفئة العليا".
نرى بأن وزارة الداخلية و مركز الإعلام الحكومي سيكونون في إدارة المجلس و أيضا سيكون الأمين العام حاضرا إذن بطبيعة الحال ستبقى الرقابة على وسائل الإعلام .

و حسب المادة (9) بند 3+4 من صلاحيات مجلس الإدارة
" ......
3. منح التراخيص لوسائل الإعلام استنادا لأحكام هذا القانون بناء على توصية المجلس .
4. سحب تراخيص وسائل الإعلام استنادا لأحكام هذا القانون بناء على توصية المجلس .
...... "
و المادة (23) الترخيص " يتولى مجلس الإدارة و بناء على تنسيب المجلس ترخيص وسائل الإعلام و تنظيمها و متابعتها، ويكون له في سبيل ذلكـ ووفقا لأحكام هذا القانون، ممارسة الصلاحيات التالية:
1. تنظيم عمل وسائل الإعلام و متابعة أدائها و جودة إنتاجها الفني من خلال المجلس.
2. إصدار الرخص للمرخص له وفقا لأحكام هذا القانون بناء على تنسيب المجلس و التشريعات ذات العلاقة.
3. إعتماد مكاتب وسائل الإعلام ".
إذن نبقي في خضم مفهوم التراخيص بدلا من إنطلاق مفهوم الإشعار لتكون حرية الرأي و التعبير مقيده وفق ما يراه المجلس مناسبا .
و حسب المادة (10) بند 6 التي تتعلق بانعقاد الجلسات
" 6. تنظيم اجتماعات مجلس الإدارة في محاضر و توثق في سجل خاص".
و هذا منافى لمفهوم الشفافية و حق الوصول للمعلومات .
و حسب المادة (16) المتعلق بالأمين العام
" 1. يعين و يعفى الأمين العام بقرار من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، بناء على تنسيب من مجلس الوزراء، و توصية مجلس الإدارة،على أن يكون بدرجة وكيل، ومدة تعيينه أربع سنوات.
2. في حال تم إعفاء الأمين العام أو انتهت مده تعيينه، وفقا للفقرة (1) من هذه المادة، يتم تعيين أمين عام جديد مكانه وفقا لأحكام هذه المادة."
بحيث يعين و يعفى الأمين العام بقرار من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية و هذا ضد مبدأ الاستقلالية عن السلطة التنفيذية .
و في المادة (24) المحطات الدينية " حق إنشاء المحطات الدينية حق حصري لمجلس الوزراء " . و هذا بدورة يناقض مفهوم الحرية الإعلامية و جريمة دستورية وفق المادة 27 من القانون الأساسي التي تكفل إنشاء وسائل الإعلام للجميع .
و حسب المادة (28) أحكام إنتقالية
" اعتبارا من تاريخ نفاذ أحكام هذا القانون:
1. ينقل كافة الموظفون و المستخدمون في وزارة الإعلام إلى كادر المجلس، و تعتبر خدماتهم و مسمياتهم و درجاتهم الوظيفية استمرار لخدماتهم السابقة في وزارة الإعلام.
2. يخضع موظفو المجلس لقانون الخدمة المدنية و اللوائح الصادرة بمقتضاه و لقانون التقاعد العام و آية تشريعات أخرى مطبقة على العاملين في الخدمة المدنية. "
و هذه الآليه تكون هدر للمال العام و الذي يؤدي بدوره إلى فساد و دون أن يكون هناك إستقلالية فأنت نوعا ما تقوم بتغير اللافتة من وزارة الإعلام إلى مجلس أعلى للإعلام.

-;- النتائج والتوصيات:
إن مفهوم المجلس الأعلى للإعلام أصبح متداولا بكثرة لأنه يعني بأن هناك إستقلالية عن السلطة التنفيذية، و هناك آليات تعزز من حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية فهو عبارة عن آداة قياس تستطيع ان تقيس مدى الحريات الممنوحة و المعمول بها في فلسطين فحرية الرأي و التعبير ترتبط إرتباط وثيق بباقي الحريات و الحقوق فكلما كانت حرية الرأي و التعبير أفضل كلما كان حال الحريات و الحقوق الآخرى أفضل و يتجه نحو الأفضل .
السلطة الوطنية الفلسطينية و التي أصبحت دولة فلسطين بنظر دول العالم منذ 29-11-2012 و التي إنضمت إلى العديد من المعاهدات و المواثيق الدولية في الأول من نيسان من العام الجاري يجب عليها أن تلائم التشريعات و القوانين المحلية بالأنظمة و المعاهدات الدولية و ذلك للتطلع إلى تحسين حقوق الإنسان في فلسطين و التي أصبح بعضها سارى و ذلك حسب إجراءات الإنضمام الخاصة ببعض المعاهدات و المواثيق الدولية.
دور السلطة التشريعية في تشكيل مجلس أعلى للإعلام هو من الأوليات و لكن نرى ان هناك مشروع قانون للمجلس منذ عام 2011 من قبل مجلس الوزراء و وضع على طاولة الرئيس و بإنتظار المصادقة عليه من خلال إجراء قرار بقانون و هذا في ظل عدم تفعيل دور المجلس التشريعي في سن القوانين و ذلك لغيابه عن الانعقاد، لذلك أدعو سيادة الرئيس محمود عباس إلى دعوة المجلس التشريعي للانعقاد كما دعاه فيما سبق في خضم الانفصال الفلسطيني الفلسطيني في عام 2007 و أيضا الدعوة من قبل سيادة الرئيس إلى إجراء إنتخابات تشريعية و رئاسية و هذا في محور المصالحة و التوافق الفلسطيني الجاري في هذا العام و الصادر عنه حكومة الوفاق الوطني الأخيرة.
يجب على المجلس التشريعي أن يقوم بمراجعة قانون المطبوعات و النشر و مراجعة قانون العقوبات المعمول به في فلسطين و مراجعة كل من مشروعي المجلس الأعلى للإعلام و مشروع قانون الإعلام المرئي و المسموع، و أن يقوم بمواكبته مع التوجهات الدولية التي تحظر الحبس على خلفية النشر، و أن يكون هناك حق للوصول للمعلومات يكفله القانون، و أن تكون حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية مكفولة من قبل القانون و واضحة البنود التي تعزز هذه الحريات دون ان يكون هناك إي إبهام في النصوص المتعلقة بهذه الحريات و الحقوق الواجبة من قبل السلطة التشريعة و التنفيذية و القضائية.











-;- قائمة المراجع:

1- جامعة منيسوتا , اتفاقيات جنيف 1949. نسخة الكترونية استخرجت بتاريخ 30-5-2014
http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b093.html

2- جامعة منيسوتا , الاعلان العالمي لحقوق الانسان . نسخة الكترونية استخرجت بتاريخ 30-5-2014
http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b001.html

3- جامعة منيسوتا , العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية . نسخة الكترونية استخرجت بتاريخ 30-5-2014
http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b002.html
4- عابدين، عصام. " ورقة قانونية تحليلية حول: انتهاكات حرية الرأي و التعبير و الحريات الإعلامية في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية" . مؤسسة الحق،2012.
5- اللجنة الدولية للصليب الأحمر. البروتوكول الإضافي الأول إلى إتفاقيات جنيف . نسخة الكترونية استخرجت بتاريخ 30-5-2014
http://www.icrc.org/ara/resources/documents/misc/5ntccf.htm
6- المقتفي – جامعة بيرزيت. القانون الأساسي الفلسطيني المعدل . نسخة الكترونية استخرجت بتاريخ 3-6-2014
http://muqtafi.birzeit.edu/
7- المقتفي – جامعة بيرزيت. قانون المطبوعات و النشر رقم (9) لسنة 1995 . نسخة الكترونية استخرجت بتاريخ 3-6-2014
http://muqtafi.birzeit.edu/
8- موقع الشرطة الفلسطينية. قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960. نسخة الكترونية استخرجت بتاريخ 3-6-2014
http://www.palpolice.ps/
9- Article 19 مبادئ جوهانسبيرغ حول الأمن القومي . نسخة الكترونية استخرجت بتاريخ 3-6-2014
http://www.article19.org/data/files/pdfs/standards/joburgprinciples.pdf
10 - جامعة منيسوتا , إعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض علي الحرب. نسخة الكترونية استخرجت بتاريخ 3-6-2014
http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b018.html

11- مسودة مشروع قانون المجلس الأعلى للإعلام رقم ( ) لسنة 2011 .
12- مدى . 2012. " دراسة جديدة لمركز مدى : توصى بإعداد مشروع قانون أساس للإعلام " . من الموقع الإلكتروني
http://www.madacenter.org/news.php?lang=2&id=26
13- وطن للأنباء،2014. " العوري : مشروع قانون الاعلى للاعلام على الطاولة و الحصول على المعلومات لم يصلنا بعد " . من الموقع الالكتروني
http://www.wattan.tv/ar/news/86635.html
14- وفا،2011. " رئيس الوزراء: مشروع قانون الصحافة في مراحل التشريع وسيتم إنجازها قريبا" . من الموقع الإلكتروني
http://www.wafa.ps/arabic/index.php/index.php?action=detail&id=104378
15- مسودة مشروع قانون العقوبات الفلسطيني رقم ( ) لسنة 2010 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يمكن قراءة تصريحات بايدن حول اعترافه لأول مرة بقتل قنابل


.. بايدن: القنابل التي قدمتها أمريكا وأوقفتها الآن استخدمت في ق




.. الشعلة الأولمبية.. الرئيس ماكرون يرغب في حقه من النجاح • فرا


.. بايدن: أعمل مع الدول العربية المستعدة للمساعدة في الانتقال ل




.. مشاهد من حريق ضخم اندلع في مصنع لمحطات شحن السيارات الكهربائ