الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللعبة الطائفية في الشرق الأوسط

جاك جوزيف أوسي

2015 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ينتج مزج الدعوة الدينية بالأهداف السياسية مزيجاً شديد الخطورة على المجتمع يهدد بنسفه من أساسه، لأن الدين ثابت بأصوله وفروعه، فمبادئه معروفة وأوامره واضحة، حلاله مبين بالآيات وحرامه مشروح بالنصوص، بينما السياسة متغيرة ومتبدلة حسب معطيات الظروف (السياسية - الاقتصادية - الاجتماعية). وإسقاط العقيدة الدينية على الصراع السياسي في مجتمع متعددة الطوائف والمذاهب سيؤدي بالضرورة إلى نشوب الحروب الطائفية التي هي أسوأ أشكال الحروب الأهلية وأكثرها تدميراً، لأنها تستدعي شياطين التاريخ القريب منها والبعيد لتعيد شحن ثقافة الحقد والكراهية التي تأتي على الأخضر واليابس.
والمأساة التي تتعرض لها هذه المنطقة منذ ما يقارب الخمس سنوات سببها أن الكثير من أبنائها اختاروا أن تقام الدولة على أساس الانتماء الطائفي والديني، وليس بناءً على الانتماء إلى الوطن ومثله العليا وهويته العربية التي سبق أن جمعت في بوتقتها جميع الملل والنحل والقوميات تحت سقف سماء واحدة، بينما تضيق الآن الأرض بأبنائها بما رحبت، نتيجة الخيارات التي فرضتها عليهم اللعبة الطائفية المقيتة التي أزاحت لغة الحوار والتوافق لصالح قعقعة أصوات الأسلحة التي تريد أن تشعل نار الحروب الأهلية لتكون أجساد الأبرياء وقوداً لها. ذلك أن صناع القرار في المنطقة فشلوا في حياكة نسيج الدولة الحديثة، وبدلاً من ذلك عملوا على إرساء قواعد وأسس تمهد الأرضية لطغيان المصالح المحلية العشائرية والدينية والأسرية على الولاء للوطن.
فالمنطقة العربيّة، أصبحت بلا مشروع قادر على توحيدها وقيادتها بعد هزيمة حزيران العام 1967 وسقوط المشاريع الوطنيّة والقوميّة واليساريّة، وأصبحت أرضًا مستباحة من كل الأطراف الإقليميّة والدوليّة، التي تريد تحقيق أهدافها عن طريق السيطرة على هذه المنطقة الهامة استراتيجياً واقتصادياً، وتعاملت معها على أساس أنّ هناك فراغًا في القوة ورجلاً يحتضر على فراش الموت، في عودة إلى الإصدار الثاني من المسألة الشرقية، حين جرى تقاسم تركة الدولة العثمانية من قبل الدول الاستعماريّة قبل وفاتها بأكثر من قرن من الزمن.
الفرق هذه المرة أنّ التقاسم لا تشترك فيه القوى العظمى، وإنما تساهم فيه بنشاط وحيوية الدول الإقليميّة (إيران وتركيا وإسرائيل) التي تحاول الاستفادة من تجنب الدول الاستعماريّة التدخل العسكري البري المباشر بعد تراجع دورها، خصوصاً الدور الأمريكي، وفي ضوء التكلفة الباهظة للحربين الفاشلتين في أفغانستان والعراق. الأمر الذي جعل بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية تعمل على تأسيس تحالف ظاهره سياسي بهدف (حماية الأمن القومي العربي) والتهديدات التي قد تعترضه، وباطنه طائفي لمواجهة ما يعتبرونه (الخطر الإيراني) على أمن دول المنطقة وشعوبها. وتناسى الجميع خطر العدو الصهيوني الذي بارك هذا التحالف وتمنى له النجاح في حربه الأولى التي شنها ضد الشعب اليمني.
يوضح علي الوردي في كتاباته أن دراسة تاريخ العراق لا يمكن أن تتم من دون دراسة تاريخ إيران، فهو متشابك إلى درجة يصعب فيها فصل عراهما بالمعنى المنهجي. هذه طبيعة منطقتنا وتركيبتها برمتها. ومصير سكان هذه المنطقة التي تحمل ارث الحضارة العربية - الإسلامية، على اختلاف قومياتهم ومذاEWiم، تربطه عروة أبعد من السياسة وأقدم من المذاهب. ومن هنا خطورة أن يتمّ تقديم أي مكون قومي أو مذهبي أو ديني على أنه (الآخر المخالف)، ولذلك يجب أن يعاد بناء وترويج مفهومٍ جديدٍ عن العروبة بعيداً عن المفهوم الديني، وإلا فإننا سنكون أمام شخصية جديدة مبنية على عصبية (قومية - دينية) تقوم بمحاولة إبادة المخالف لهويتها. هذه الشخصية لن تكون مجرّد قطع لأوصال المنطقة بهدف حماية الذات كما يعتقد مروجوها، بل وصفة لحربٍ أهلية دائمة في العالمين العربي والإسلامي نهايتها ستكون الخسارة الحتمية لكل سكانهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة