الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجذور التاريخية للتوظيف السياسوي لمسائل الهوية في الجزائر

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2015 / 4 / 22
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير



إن سيطرة التيار الأيديولوجي القومي العربي وعلى رأسهم البعثيين على الأدوات الأيديولوجية كالمدرسة ووسائل الإعلام دون أن نعلم من أين جاءتهم هذه السيطرة المشبوهة وتحالفهم مع بعض التيارات الدينية في بلادنا المغاربية في الوقت الذي تصارعوا فيها معها في المشرق العربي حماية لأنفسهم لأن الكثير من مؤسسي التيار العروبي من المسيحيين العرب، وهو أمر معقول، ولهذا طرحوا فكرة اللائكية في المشرق في الوقت الذي ربطوا فيه الإسلام بالأيديولوجية العروبية في بلادنا المغاربية، وقد مكنتهم هذه السيطرة وتحالفاتها مع هذه التيارات على نشر عدة أكاذيب حول الوطنيين الحقيقيين وإشاعة أفكار مهددة لوحداتنا الوطنية، ومنها مسألة الظهير البربري في المغرب الأقصى، وكذلك مايطلق عليها البعض في الجزائر ب"الأزمة البربرية عام 1949" وقد أثبتنا في كتابنا "دعاة البربرية في مواجهة السلطة" بأنها أول حادثة تأسيسية لتوظيف سياسوي للهوية عند إشتداد حدة الأزمات والصراعات السياسية في الجزائر، وعادة ماتتكرر بأشكال شتى لكن بنفس الجوهر عند كل أزمة منذ1949 إلى حد اليوم، مما يتطلب فهم ما وقع بالضبط في 1949 لأن ذلك يفتح لنا آفاقا للحل النهائي لأزمة الهوية في الجزائر والكف عن توظيفها لأغراض سياسوية.
ومن الإشاعات التي روجها أيديولوجيي القومية العربية وبعض التيارات الدينية في الجزائر القول بأن فرنسا الإستعمارية كانت وراء هذه الأزمة، وإتهام البعض بأنها قد حركتهم فرنسا، فيبدو أنه ظلم كبير في حق هؤلاء الوطنيين الذين أنخرطوا قلبا وقالبا في الحزب الإستقلالي، والكثير منهم من مؤسسيه، بل الكثير منهم ألتحقوا بالجبل في ماي1945 لإشعال العمل المسلح يوم 23ماي1945 قبل أن تتراجع قيادة الحزب عن ذلك، دون أن ننسى دورهم الكبير اثناء الثورة المسلحة وإستشهاد الكثير منهم في الجبال، أما سلوكهم في 1949 فلم يكن إلا رد فعل طبيعي لمؤامرة جاءت من المشرق العربي ونفذها مصالي الحاج تحت ضغط القوميين العرب هناك حسب مايبدو، فيجب أن نعلم أن مسألة الهوية لم تطرح على الإطلاق داخل نجم شمال أفريقيا وحزب الشعب الجزائري، فقد تأسس النجم ضمن المهاجرين، وأخذ تسمية "نجم شمال أفريقيا"، وليس تسمية "نجم المغرب العربي" فتسمية "المغرب العربي" تسمية جديدة للمنطقة أستوردت من المشرق، وظهرت في الأربعينيات على يد ساطع الحصري أحد منظري أيديولوجية العروبة، والذي سعى لضم الفضاء المغاربي لما يسميه ب"الأمة العربية"بعد ماكان العروبيون يحصرونها فقط في الهلال الخصيب وشبه الجزيرة، ويمكن العودة في ذلك إلى أدبياتهم، ومنها على سبيل المثال لاالحصر كتاب"الأمة العربية"لأحد أبرز منظريهم نجيب عازوري، وكذلك تأكيدات المؤرخ العروبي اللبناني ألبرت حوراني.


وقد كان الكثير جدا من أعضاء نجم شمال أفريقيا من منطقة القبائل لدرجة أن أطلق عليه بعض الإعلاميين آنذاك "النجم القبائلي"، وتم إختيار مصالي ليس لأنه أكثر كفاءة من الآخرين كراجف بلقاسم أو عمارعيماش مثلا الذي كان يشرف على يومية "الأمة" لسان حال النجم، بل لأسباب تكتيكية وهو أن فرنسا الإستعمارية قد مارست سياسة فرق تسد بين الجزائريين، وقسمتهم تزويرا إلى قبايل وعربا، كما خلقت "أسطورة القبائلي" بتشويههم، ولازالت بعض هذه الصور التشويهية عن منطقة القبائل الموروثة عن الأيديولوجية الإستعمارية سائدة إلى حد اليوم لدى البعض بفعل مواصلة عناصر من النظام نفس السياسة الإستعمارية للبقاء في السلطة، فقد كان هؤلاء الوطنيين الإستقلاليين في مجم شمال أفريقيا يخشون تردد بعض المناطق في الإنخراط في النجم بسبب تأثير الدعاية الإستعمارية ضد القبايل عليهم، ففضلوا إختيار مصالي لاأكثر ولا أقل، ويمكن أن تكون إستخدام "النجم القبائلي" كما ذكرنا هي محاولة إستعمارية لإبعاد المتأثرين بتلك الدعاية الإستعمارية ضدمنطقة القبائل، وبدأ مصالي يتراجع عن مباديء الحزب بعد ذهابه إلى المشرق العربي وتأثره بعبدالرحمن عزام الذي طرح عليه فكرة تفضيل العمل السياسي على العنف الثوري، خاصة وأن المنظمة الخاصة قد نشأت وأخذت أشواطا متقدمة جدا، وطلب عزام من مصالي طرح القضية في هيئة الأمم المتحدة، وسيلقى الدعم العربي هناك، كما حاول عزام نشر فكرة القومية العربية في مصالي الحاج، ويبدو في الظاهر أنه قد وقع تحت تأثيره، فهل كان ذلك تكتيكا منه أو إستراتيجية بهدف إيجاد دعم للقضية الجزائرية من العرب في المشرق؟، فطلب تحضير ورقة تبرز الأمة الجزائرية وتاريخها كي يثبت أحقية الجزائر في تقرير مصيرها بصفتها أمة عريقة، وقد طلب من مبروك بلحسين ويحيى حنين وصادق هجريس صياغة هذه الوثيقة ، وبالطبع عادوا إلى التاريخ القديم لإثبات عراقة الأمة الجزائرية، وهو أمر طبيعي لأنه يجب توضيح مسألة هامة، وهي أن فرنسا عندما دخلت الجزائر طرحت فكرة أن الجزائر لم تكن أمة ولم تنشأ دولة عبر تاريخها، فقامت معركة على الصعيد التاريخي بين الأيديولوجيتين الوطنية والإستعمارية، خاصة وأن هذه الأخيرة كانت تقول بأفريقيا اللاتينية التي أسس لها الكولونيالي العنصري لوي برتراند، وبأن فرنسا بنت روما فعادت إلى أرض روما، فرد الوطنيون على هذا الطرح خاصة جمعية العلماء ومنهم مبارك الميلي وأحمد توفيق المدني في كتب وكذلك محند الشرف الساحلي وكذلك عمار عيماش في جريدة الأمة التابعة لنجم شمال أفريقيا وآخرين بالعودة إلى التاريخ القديم للجزائر، وكيف أن روما وجدت مقاومات ضدها قادها يوغرطة وتاكفاريناس وطالات وفرموس ودونات وغيرهم، كما أن الدولة الجزائرية عريقة وتعود إلى نوميديا بقيادة ماسنيسا وسيفاكس وآخرين، وهو ما يدل على عراقة الأمة الجزائرية، وأنها سبقت فرنسا إلى الوجود بقرون.
وقد كانت هذه الوثيقة التي صيغت لمصالي كي يقدمها إلى هيئة الأمم المتحدة، والتي نشرت فيما بعد بتوقيع إيدير الوطني، وهو محند إيدير آيت عمران صاحب نشيد "قم ياأبن مازيغ الذي وضعه عام 1945 ويذكر فيه أبطال الأمة الجزائرية كماسنيسا ويوغرطة والأمير عبدالقادر ويذكر فيه حتى مصالي ذاته كزعيم للحزب الإستقلالي، وكان احد أناشيد حزب الشعب، وعنوان الوثيقة"الجزائر الحرة ستعيش"، واختير العنوان كرد على كتاب فيوليت المعنون ب" هل الجزائر ستعيش؟" اين يطرح فيه ويدافع عن مشروع بلوم فيوليت الداعي لإدماج الجزائر وإلحاقها بفرنسا في 1936، والتي دعمته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة بن باديس آنذاك مع تيارات اخرى كالمنتخبين مثل بن جلول وفرحات عباس، في الوقت الذي رفضه التيار الإستقلالي الممثل في نجم شمال أفريقيا.
لكن مايؤسف له هو بتر مصالي كل الماضي الأمازيغي للجزائر من الوثيقة تحت ضغط وإبتزار القوميون العرب في المشرق ومنهم عبدالرحمن عزام، وكان هذا البتر ثمن يجب دفعه لهؤلاء العروبيين في المشرق لدعم القضية الجزائرية في المحفل الدولي، وبدأ الوثيقة كأن الأمة الجزائرية بدأت مع" الفتح الإسلامي"، وهو ما يناقض كل ما قامت به القراءة التاريخية للأيديولوجية الوطنية ضد الأيديولوجية الإستعمارية، واليوم نتساءل هل فعل مصالي الحاج ذلك تحت تأثير وإبتزاز القوميون العرب في المشرق له، ومنهم عبدالرحمن عزام كي تجد القضية الجزائرية دعمهم في هيئة الأمم المتحدة؟ لكن يبدو أن حتى مصالي ذاته قد أستخدم هذا الإستفزاز الغريب المفتت للحزب الوطني وللأمة الجزائرية، وهدفه من ذلك إبعاد الكثير من الوطنيين الراديكاليين الذين كانوا يطالبونه بالإسراع في العمل المسلح، لكنه كان يتماطل معتقدا أن بإمكان تحقيق ذلك سياسيا متأثرا بعبدالرحمن عزام، وهو ماأدى إلى إستغلاله ماسمي بهتانا ب"ألأزمة البربرية" إبعاد الكثير من هؤلاء الوطنيين المعارضين لتماطله ومنهم لمين دباغين الذي برز بقوة، وقد فقد الحزب الكثير من إطاراته بعد هذه الأزمة،خاصة المنظمة الخاصة التي كانت منظمة شبه عسكرية بقيادة آيت أحمد آنذاك تستعد للعمل الثوري المسلح ضد الإستعمار.
وأشاع آنذاك في صفوف الحزب فكرة تأسيس "حزب الشعب القبائلي"، وهي أكذوبة كبرى وظفها مصالي رغم كل التكذيبات، ومنها التكذيب الذي نشره المناضل والمجاهد الكبير علي فرحات آنذاك في يومية ألجي ريبوبليكان، فقد أستغل مصالي وأنصاره أكذوبة حول جمعية ثقافية معروفة آنذاك تدعى ب"حركة النهظة البربرية" تعمل على الصعيد الثقافي لإحياء الثقافة الجزائرية بكل مكوناتها مثل العديد من الجمعيات التابعة للحزب، وغرابة الأمر أعتقلت السلطات الإستعمارية العديد من أصحاب هذا الطرح فشكوا أنهم قد بيعوا إلى البوليس الإستعماري من أنصار مصالي، وعلى رأسهم عضو المكتب السياسي للحزب وعلي بناي، ومن هنا جاءت إشاعة فكرة التخويف ب"إنفصال منطقة القبائل" لإثارة جزائريين لازالوا متأثرين بالإيديولوجية الإستعمارية ضدها كلما وقعت أزمة في قمة النظام الجزائري.
وقد أنقسم مناضلو الحزب إلى ثلاث أطراف، ومنهم من تأثر بمصالي الذي له كاريزماتية كبيرة على الكثير من مناضلي الحزب والذي أشاع فكرة أنها مؤامرة ضد الحزب، كما أن هناك من رأى عدم طرح وتأجيل هذه النقاشات حول الهوية التي جرها إليهم مصالي كي لا يحدث شقاق ثقافي داخل الحزب الإستقلالي، وهناك طرف آخر وهو أقلية أصر على الطرح السليم للهوية وعدم ترك محاولة مصالي زرع هوية يرونها غريبة على الشعب الجزائري، وتم إستيرادها من المشرق العربي بتأثير عزام.
وهنا نجد أكذوبة أخرى تشاع اليوم ففي حقيقة الأمر من يدعونهم ب"البربريست" لم يطرحو إطلاقا فكرة أن الجزائر أمازيغية أو عربية أو شيء آخر بل قالوا "أن الجزائر لا هي أمازيغية ولا عربية ولا أي شيء آخر، بل هي جزائرية فقط بكل مكوناتها"، وهو نفس ما كان يطرحه مصالي من قبل خاصة في خطابه بالملعب البلدي بالعناصر في 02أوت 1936، ويرون أن الجزائريون هم جزائريون وكفى حتى ولو تحدث بعضهم بالعربية، فهل البرازيلي الذي يتحدث بالبرتغالية هو برتغالي وهل المكسيكسي الذي يتحدث بالإسبانية هو إسباني وهل الأمريكي الذي يتحدث بالأنجليزية هو أنجليزي؟ ونضيف هل السنيغالي الذي يتحدث بالفرنسية هو فرنسي؟، بل كان طرحهم يشبه أحسن ما قيل في الحملة الإنتخابية للرئيس بوتفليقة عندما ردد سلال عدة مرات أن الجزائري هو مسلم أمازيغي يتكلم بالعربية، وهم لم يقولوا حتى بالأمازيغي، لآنهم رفضوا أي طرح عرقي للمسألة، لكن كانوا يرون في الأمازيغية كبعد تاريخي وثقافي للأمة الجزائرية، ولم يطرحوا حتى مسألة اللغة الأمازيغية أنذاك، والصراع اليوم في الجزائر هو بين هذه النزعة الجزائرية المؤمنة بالأمة الجزائرية بكل مكوناتها ونزعة قومية عروبية تتغطى بالإسلام جاءتنا من المشرق العربي، وتهدد الوحدة الوطنية .
وغرابة الأمر فكما ضغط القوميون العرب في المشرق على مصالي الحاج آنذاك فإنهم لازالوا إلى حد اليوم يمارسون دعما لأتباعهم في الجزائر وكذلك ضغطا حتى على النظام الجزائري كي لايعترف بالبعد الأمازيغي الذي هو بعدا جزائريا أصيلا، خاصة وأن الكثير من الجزائريين لم يتخلصوا بعد من الأكاذيب التي روجت طيلة عقود ضد هذا البعد من التيارات الأيديولوجية العروبية وبعض الإسلاميين الذين نقلوا نفس الفكر القومي من المشرق وأعطوه غطاءا دينيا، وهذا يحتاج إلى دراسة أخرى.
وفي الأخير يجب توضيح مسألة هامة سممت عقول البعض منا بسبب الخلط والإلتباس المتعمد في المفاهيم والمصطلحات لأهداف سياسوية بحتة، ونتساءل هل من المعقول أن لايفرق بعض نخبنا بين العربية والعروبة، ومنهم حتى الذين صاغوا الدستور الجزائري؟ فالعربية هي لغة وثقافة يجب الإعتزاز بها بصفتها مكون أساسي من مكونات هويتنا إلى جانب الإسلام والأمازيغية وغيرها، أما العروبة فهي الأيديولوجية القومية التي تتخذ طابع إقصائي وإستعلائي تجاه الثقافات الأخرى، وهي أيديولوجية تتحمل مسؤولية كبرى لما يقع في منطقتنا من تفكك بفعل سلوكها الإقصائي الذي أنتج ردود فعل طبيعية من المقصين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا للعنصرية
الاغواطي ( 2015 / 4 / 23 - 12:00 )
اولا انا من الذين يمقتون اي فكر عنصري شوفيني سواءا اكان عروبيا اوامازيغيا او دينيا ثانيا المقال يحتوي على كثير من الحقائق وايضا الكثير من المغالطات ومن بينها سيطرة التيار العروبي على الادارة في الجزائر والحال اكبر دليل على ما اقول ثانيا قولك ان فرنسا قسمتهم تزويرا والواقع انها ثبتت وكذلك استغلت ما وجدته فليس من اختراعها او انك تنكر وجود احد منهما فهذه هي الكارثة ثالثا ان رجعنا الى التاريخ فالحدود الحالية هي سياسية وليست قومية وهي من وضع الاستعمار ولم تكن للشعوب دخل بها

اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA