الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى سيشرع العراق دستورا دائما؟

عبدالاله البياتي

2005 / 9 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا احد يمكن ان يصدق ان الغرض من ما يسمي العملية السياسية في العراق هو عملية صادقة لبناء دولة ذات دستور دائم فلا استراتيجيات الاطراف المشاركة في هذه العملية ولا الظروف الامنية والاقتصادية والاجتماعية السياسية تسمح بالاعتقاد ان المشاركين راغبين او قادرين على كتابة دستور يوافق ويحترمه كل العراقيين او اغلبيتهم على الاقل .فمنذ الايام الاولى للاحتلال اعلنت الولايات المتحدة بوضوح انها ستصوغ العراق حسب مصالحها النفطية والعسكرية والسياسية

في البدء ،ورغم ان الاحتلال هوعمل عدواني غير شرعي ورغم ان القوانين الدولية لا تعترف بالقوانين التي يجري اقرارها في ظل الاحتلال كقوانين دائمة للبلد المحتل،ارادت الولايات المتحدة ان تجعل من الامر الواقع اساسا للقانون الدولي وللقوانين العراقية بعدم تسمية نفسها قوة احتلال وانما قوة تحرير تفعل ما تشاء باسم شعب العراق ولكن معارضة المجتمع الدولي من جهة ومعارضة اغلبية الشعب العراقي للعدوان وقوانينه من جهة اخرى خلقت وضعا لا يمكن للولايات المتحدة ان تمرر ذلك

فلقد كان احتلال العراق حربا عدوانية ضد دولة مستقلة ذات سيادة وعضو مؤسس للامم المتحدة والجامعة العربية لم تشكل خطرا على الولايات المتحدة وعملا لم يحصل على موافقة مجلس الامن وهو المؤسسة المسؤولة عن حفظ السلام مما يجعل العراق في هذه الحالة بلد محمي بمعاهدة لاهاي 1907 وميثاق الامم المتحدة واتفاقيات جنيف. الامر الذي جعل مشروع الولايات المتحدة تهديدا صارخا لوجود الامم المتحدة وللنظام الدولي السائد .وامام احتجاج الدول الاخرى وقوة المعارضة في داخل العراق وخارجه طلبت الولايات المتحدة من مجلس الامن اصدار القرار 1533 الذي ينظم عملها كقوة احتلال ويقيم الى جانب سلطتها العسكرية سلطة مدنية عراقية محاولة ان تجعل قراراتها وقوانينها قوانين عراقية

ولكن عندما اقرت الولايات المتحدة بالقرار1533 بانها قوة محتلة وانها ستدير العراق كقوة محتلة فانها ربطت نفسها بالمواثيق الدولية التي تقنن الاحتلال والتي تمنع الاحتلال من تغيير التركيب الاجتماعي او الاقتصادي او السياسي للبلد المحتل والتي تمنع الاحتلال من ربط البلد باية اتفاقيات اومعاهدات تتجاوز فترة الاحتلال ويعرف المطلعين على القانون الدولي ان اي قانون في ظل الحتلال هو من الاحتلال ولادارة الاحتلال خلال فترة الاحتلال بما فيه الدستور الدائم التي ارادت الولايات المتحدة ان تضعه للعراق

امام تعمق الورطة العسكرية والاقتصادية والسياسية والقانونية للولايات المتحدة كقوة محتلة وامام مطالبة الاغلبية الساحقة من العراقيين بانهاء الاحتلال وامام تصاعد شدة المعارضة والمقاومة ،تفتقت اذهان الاستراتيجيون الاميركان والاطراف العراقية المتواطئة معهم عن اقرار قانون ادارة الدولة المؤقت المسمى قانون بريمر والذي سماه وولفتز بخارطة الطريق العراقية ليكون وسيلة ليس فقط محاولة لتجاوز العقبات القانونية امام تكريس الاحتلال وتنفيذ المشاريع الامريكية وانما كذلك كسلاح لمجابهة حركة المقاومة المتزايدة والمتسعة.

لقد عارضت اغلبية القوى السياسية والدينية والاجتماعية ،ولو اسباب مختلفة هذا القانون، حتى ان مجلس الامن لم يشر اليه عند اصدار القرار 1546 لمعرفته ان ليس من حق مجلس الامن اصدار دستور الدول الاعضاء ولانه مخالف للصلاحيات التي ينبغي على المحتل ان يلتزم بها وحسب هذا القانون فان العراق سيمر بعدة محطات

كانت الخطوة الاولى هي ما سمي نقل السيادة الى حكومة يعينها مجلس الحكم الذي هو بدوره قد عين من قبل سلطات الاحتلال. في واقع الحال ليس هناك اي نقل للسيادة فحسب قانون بريمر تظل المهمات الاساسية للدولة ،اية دولة، كالامن والدفاع و الاقتصاد والعدل وغيرها بيد سلطات الاحتلال ولم تكن عملية نقل السلطة الا تمريرا لقوانين بريمر واجراءات الاحتلال وكانها قوانين عراقية علما ان الوزارة الانتقالية باعترافها بقانون ادارة الدولة التي تشكلت بموجبه لا تستطيع عمليا تغيير اي قانون او الغاء اية موسسة خلقها الاحتلال لنفسه وللمتواطئين معها اي ان كل اجرااتها هي تنفيذ لقوانين الاحتلال

وكانت الخطوة الثانية هي انتخاب جمعية وطنية.لقد استخدمت فترة الدعوة الى الانتخابات وسيلة لتهميش ومنع الحركات والتيارات السياسية الشعبية من المشاركة في الانتخابات بشن الحملات العسكرية عليها بحجج مختلفة تارة لانها بعثية وتارة لانها ميليشيات مسلحةوتارةلانها منظمات ارهابية اسلامية وتارة لانها تريد منع الانتخابات كما حصل في الهجوم على النجف الاشرف والفلوجة الشهيدة ومدينة الصدر وسامراء.وقد اضاف هذا الارهاب الدموي سببا اخر ،بالاضافة الى مضمون قانون ادارة الدولة والى لاشرعية مفوضية الانتخابات والقانون الانتخابي ومقاطعة نصف السكان لها ،لان تكون الجمعية المنتخبة منتقصة وناقصة الشرعية فهل تستطيع هذه الجمعية كتابة واقرار دستور دائم للعراق؟

فما هو الدستور وماهي شروط ان نطلق عليه دستورا دائما؟ ان الدستور الدائم هو المبادئ والاليات التي يقرها بحرية مواطني البلد ،والذين يشكلون شعب هذاالبلد ، لبناء دولة يعيشون في ظلها ويديرون من خلالها شؤونهم العامة ويعبرون بواسطتها عن سيادتهم على ارضهم وثرواتهم. ان وجود الاحتلال بحد ذاته يجعل القوانين التي تصدر في ظله قوانين مؤقتة لانها قوانين تصدر منه ولخدمته والتلاعب اللفظي باسم قوات الاحتلال على انها قوات متعددة الجنسيات لن يغير من حقيقة ان الاحتلال هو اعلى اشكال الديكتاتورية لانه يريد ان يقرر مستقبل البد المحتل بالقوة العسكرية وبمساعدة المليشيات الحزبية الموالية له والقوةلا تخلق حقا

بالاضافة الى ذلك لقد خلق الاحتلال ظرفا جعل من امكانية اقرار دستور دائم غير قائمة فلا احد يعرف الان بالتحديد من هم مواطني العراق الذين ينبغي ان يقروا الدستور وما هو عددهم وما محل تواجدهم فننتيجة للاحتلال والاجراءات التي اتخذها قد عم الخراب والتخريب والفوضى بحيث ان لا احد يستظيع اثبات كونه مواطنا وبدون احصاء للسكان موثوق به سيكون اي استفتاء على مسودة امر مطعون بشرعيته

بل ان مفهوم المواطنة الذي هو اساس اية دولة حديثة قد اختفي لتحل محله، في محاولة لتقسيم البلد ولالغاء انتمائه العربي الاسلامي الحضاري والجيوبوليتيكي، لتحل محله عمليات المحاصصة الاثنية والطائفية والعشائرية ولم يعد المشاركون في العملية السياسية الامريكية يقبلون ان هناك شعبا واحدا في العراق هو مجموع مواطني الدولة فالاكراد مثلا صوتوا على الاستقلال في نفس اليوم الذي انتخبوا فيه ممثليهم لكتابة الدستور

ونتيجة تدمير البنية التحتية والخدمات الاساسية وغياب الامن واستمرار العمليات الحربية وقوانين الطوارى سيكون الاستفتاء على الدستور عملية لفلفة من وراء ظهر الشعب كما كانت عملية الانتخابات

اما عن توفر الحرية للمشاركة في العملية السياسية الامريكية فان وجود الاحتلال وقواته وسقوط عشرات الاف القتلى بسبب عمليات البطش التي تمارسها وزجها عشرات الاف السجناء السياسييين في السجون وفصلها مئات الاف العاملين في اجهزة الدولة وتسببها في بلوغ العاطلين عن العمل الملايين واستمرارها في العمليات العسكرية ضد المدن والقرى واستمرار اغتيال العلماء ورجال الدين والعسكريين السابقين لهو دليل واضح ان الاحتلال يريد تقرير حاضر ومستقبل العراق بالقوة العسكرية .فهل سيكون الاستفتاء حراوهل سيكون الدستور شرعيا؟

في واقع الحال لقد الغت الولايات المتحدة الدولة العراقية الشرعية ودمرت موجوداتها وتراثها وذاكرتها واستولت على ثرواتها محاولة ان تقيم بدلها دولة خاضعة لها تقوم على المحاصصة الطائفية والاثنية، دولة احزاب وطوائف واثنيات ومراجع دينية، لا دولة مواطنين متساوين احرار،مدعية بانها ستقيم بذلك دولة ديموقراطية دستورية ستكون مثالا للشرق الاوسط ولكن الفوضى والدمار والخراب والتخريب والتمزق الذي خلقته لن يتيح لها ان تقيم دولة يحترمها العراقيون ناهيك عن خلق دولة ديموقراطية دستورية

ان العملية السياسية ليست الا سلاحا لمحاربة شعب العراق المناهض للاحتلال .والمجتمع العراقي، الذي يشكل وحدة اقتصادية اجتماعية حضارية منذ الاف السنين، لن يستطيع تضميد جروحه وتمتين وحدته وتشريع دستور دائم الا بخروج الاحتلال وازالة اثاره .فقط عنذئذ يمكن الشروع بشكل سلمي وحضاري في بناء دولة ديموقراطية وفقط عندئذ يمكن اقرار المركزية او اللامركزية او الفيديرالية فالديموقراطية هي المدخل لذلك وليس العكس ولا ديموقراطية بدون سيادة الشعب

تجربة العراق مع الدساتير المؤقتة

لا يختلف اثنان في ان ثورة تموز التي الغت النظام الملكي الاقطاعي البرلماني الذي كان يستند الى القانون الاساسي لسنة 1925 لم تستطع الانتقال الى بناء دولة ديموقراطية .لقد ضيع العراقيون فرصة كتابة دستور دائم وبناء دولة طيموقراطية دستورية عندما سنحت بعد تموز 1958 ولم تكن جبهة الاتحاد الوطني قد انفرطت بعد.فبدلا من الشروع بانتخابات عامة دعى اليها المرحوم كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديموقراطي لا جراء انتخابات عامة لم يكن في ثقافة الحزبين الشعبيين الرئيسيين ولا في ثقافة الحركة الكردية سوى استخدام ما يسمى العنف الثوري في ذلك الوقت لتحقيق الاهداف .فحزب البعث عندئذ لم يكن يفكر الا بالانقلاب العسكري في تحقيق اهدافه بعد ان سد الحزب الشيوعي كل وسائل النضال الاخرى عليه والحزب الشيوعي كان قد صب اهتمامه على دعم عبدالكريم قاسم ضد خصومه القوميين، باستخدام لا انتخاب جمعية تاسيسيه وانما تحشيد الجماهير في الشارع واخضاع اجهزة الدولة للجان صيانة الجمههوريةالحزبية، املا بقبول قاسم مشاركته في السلطة مستمدا نموذجه السياسي من الديموقراطيات الشعبية .وبحلول 1962 تبنى حزب البعث نظرية الحزب القائد او الواحد مستعيرا من الحزب الشيوعي نموذجه ملغيا خطه البرلماني الذي مثله لبعض الوقت اكرم الحوراني في سوريا

منذذلك الحين يعيش العراق رغم تعاقب الحكومات والانظمة في ظل دساتير مؤقتة تحصر السلطة التنفيذية والتشريعية في قيادة الثورةولا تعترف باية شرعية سوى شرعية قيادة الثورةلم تستطع اي من هذه الحكومات ان تسن دستورا دائميا يوافق ويحترمه كل العراقيين فما الذي يجمع هذه الانظمة وما هو الخلل في الفكر السياسي العراقي الذي منع العراقيين من التوصل الى دستور دائم

لقد بررت الحكومات المتعاقبة عدم الشروع في صياغة دستور دائم بعدم توفر الاستقرار.لاشك ان ظروف الصراعات المسلحة والحروب والمؤامرات الخارجية لا توفر حالة من الاستقرار تتيح التصويت على دستور دائم يساهم في تحقيق السلم الاجتماعي ويضع الاليات لمشاركة المواطنين والقوى السياسية في حل نزاعاتهم وتحقيق مصالحهم ولكن لا شك ايضا ان غياب مثل هذه الاليات في حل النزاعات كان هو السبب في الكثير من الصراعات

لا شك ايضا ان اية دولة تحتاج لان تجابه المخاطر والتحديات كرجل واحد ولكن لا شك ايضا انه كلما شارك المواطنين في تشخيص التحديات والمخاطر وسبل مجابهتها كلما كان بالامكان ان تتصرف الدولة كرجل واحد

نحن لا نشكك في وطنية الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق ولا بالانجازات الهامة التي نفذتها وخصوصا في المجال النفطي والاصلاح الزراعي وتعميم التعليم ولكنها جميعا حصرت الشرعية في سن القوانين وادارة المال العام واقرار طبيعة وتركيب اجهزة الدولة وسياساتها بيدها دون رقيب او حساب وهي جميعا قد تمسكت بمفهوم العنف الثوري في محاربة اعدائها مما خلق الكثير من الصراعات والماسي التي كان يمكن تجنبها ومعالجتها بشكل ديموقراطي

ما يحتاجه العراق هو دولة تستخدم الحكمة والعلم لمجابهة التحديات المتنوعة التي تواجه المجتمع وهذه الدولة لا يمكن ان تكون الا دولة ديموقراطيةو ليست هناك ديموقراطية الا الديموقراطية التي تقوم على مساواة المواطنين رجالا ونساء في حقوقهم السياسية دون تمييز وعلى قيام شرعية كل مؤسسات الدولة التمثيلية والتشريعية على اساس حرية التصويت والترشيح في انتخابات دورية ونزيهة وعلى عدم تدخل الدولة في شؤون الدين والمؤسسات الدينية وكل ما له علاقة بالفكر والضمير والحياة الخاصة. و ما غير هذا هو ترقيع او تجميل او ديكور لانظمة ديكتاتورية .
فالديموقراطية هي تنظيم سياسي وظيفي للدولة ومؤسساتها والية عملها معروف اسسه وخصائصه. واول وظيفة للديموقراطية هي تامين السلام والتماسك الاجتماعي.فاحترام حقوق الانسان واطلاق الحريات العامة والخاصة بما فيها حرية الصحافة والتنظيم السياسي والنقابي والاضراب والتظاهر وتحقيق الانتخاب الدوري الحر للسلطات التشريعية والتنفيذية يؤمن للمواطنين وللقوى الاجتماعية المشاركة في سن القوانين والتشريعات وتقرير السياسات التي تعكس ارادتهم الحرة كما تؤمن لهم القدرة على العمل لتتغيير هذه القوانين والتشريعات والسياسات عن طريق الحوار والاقناع والتصويت في الانتخابات التالية مما يلغي اسباب الهزات والانفجارات و التامر والعنف ويؤمن للدولة احتواء التغيرات الاجتماعية واتاحة المجال لكل القوى ان تعبر عن مصالحها وتصوراتها وحل الخلافات فيما بينها بشكل سلمي وحضاري.
وثاني وظيفة للديموقراطية هي النجاح في توظيف المال العام بشكل كفوء وفعال.فهذا التوظيف يخضع في مراحل الدراسة والاقرار والتنفيذ الى مراقبة اجهزة الدولة المتخصصة كجهاز الرقابة المالية والى مراقبة القضاء المستقل الذي يسهر على تطبيق الدستور والقوانين .كما يخضع الى تصويت البرلمان ومحاسباته والى راي الصحافة الحرة واصحاب الاختصاص والصلة ، الامر الذي يحد من توجيه المال العام لغير الصالح العام
وثالث وظيفة للديموقراطية هي توفير الحكمة والعدل في تسيير الشؤون العامة.فلان القوانين والسياسات تعكس ارادة ووعي المواطنين من خلال المؤسسات التشريعية المنتخبة فانها تعكس مفاهيم العدل السائدة في المجتمع والتي يقبل المجتمع الاحتكام اليها وهو امر يمنع المجاميع المغامرة من فرض رايها وتصوراتها على المجتمع دون موافقة المواطنين ففي الدولة الديموقراطية ليس هناك مجاميع تتمتع بامتيازات سياسية دائمية وانما هناك ممثلين للناخبين منتخبين بشكل مؤقت لتنفيذ سياسة محددة لا تخرق الدستور ولا ضوابط العيش المشترك.
ورابع وظيفة لها هي سيادة القانون والمساواة فالسلطة التنفيذية لا تمثل الا طرفا من اطراف الدولة نتيجة الفصل بين السلطات ولا تستطيع اخضاع اجهزة الدولة او مؤسساتها او اموالها لمصالحها الخاصة ويتوقف شرعيتها و نجاحها وبقائها على عملها من اجل الصالح العام وتنفيذ القوانين بنزاهة وتحقيق المساواة بين المواطنين.
وخامس وظيفة للديموقراطية هي التفتح الحضاري فحرية التفكير والتعبير والتنظيم وتوفر الحوار والنقد وسيادة حقوق الانسان هي عوامل تطور التفاعل والتقدم الحضاري والثقافي وتنمي روح المبادرة والمسؤولية وتخلق اجيالا حرة متفتحة تساهم في صنع عراق المستقبل.

ورغم كل كلامنا عن فوائد وضرورة الديموقراطية وفوائدها سيظل كلامنا حبرا على ورق ان لم نستطع بناء جهاز دولة عسكري ومدني ضامن للمصلحة العامة وللدستور وغير خاضع للسلطة التنفيذية الا بقدر خضوعها هي للمصلحة العامة والدستور.ان جهاز الدولة يمثل استمرارية الدولة وبقدر ما نطالبه بان ينفذ برامج الحكومة بقدر ما يجب ان نحصنه ضد استخدامه من قبل السلطة التنفيذية لخدمة مصالحها الشخصية او الحزبية او الايديولوجية او الفئوية.واول ما ينبغي اقراره في دستور الدولة هو ان التعيين والترفيع والنقل والتقاعد في اجهزة الدولة ينبغي ان يقوم على الكفاءة والنزاهة وخدمة المصلحة العامة بدون اي تمييز وان يتمتع العاملون في اجهزة الدولة بكل الضمانات القانونية والتنظيمية التي تحميهم من سوء استخدام السلطة والتي تمكنهم من منع السلطة التنفيذية من سوء استخدام السلطة

ان شبكة من الاجهزة المتخصصة ينبغي ان تكون في نفس الوقت منفذة لسياسة الحكومة بصفتها ممثلة لارادة الشعب وفي نفس الوقت مصدرا لتزويد الحكومة بالمشورة والمقترحات بصفتها ممثلة لاستمرارية الدولة واهم هذه الاجهزة هي الادارات المحلية المنتخبة والمحكمة الدستورية ومجلس الدولة ومجلس الدفاع ومجلس الامن القومي ومجلس القضاءومجلس الرقابة المالية ومجلس الاعلام ومجلس البيئة ومجلس الخدمة العامة وما غير ذلك

مشاكل الفكر السياسي العراقي السائد

ان الاحتلال من خلال مشاريعه وسلوكه يقدم لنا صورة كاريكاتيرية عن الديموقراطية ويريد ان يسن لنا دستورا ملطخا بدماء شعبنا وعذاباته ولكن من جهتنا ينبغي ان نعترف ان مفهوم الدولة الدستورية ومفهوم العمل السياسي وبالتالي مفهوم الديموقراطية لا زال قاصرا وضبابيا في الفكر السياسي العراقي السائد . ان مظاهر الخلل متعددة فمن الخلل هذه القدرة العجيبة للفكر السياسي العراقي و العربي على تحويل كل قضية واقعية الى تجريد ثم الى ايمان وتقديس.انه فكر يبحث عن تبريره لا في التاريخ الواقعي وانما في تاريخ الافكار والنصوص .وطريقته في التحليل والطرح تحوٌل كل المقولات الى مقولات تجريدية مقدسة.لا شك ان سبب ذلك هو عصر الظلمة والتعاويذ الذي قطعنا عن الفكر المدني العربي والاسلامي ولا شك ان سبب ذلك هو عدم تفاعلنا الحي مع الفكر العالمي المعاصر وانما تبنينا لنتائجه فحسب .ولذلك لا عجب ان يعالج الفكر عندنا كل النظريات وكأنها تعاويذ وطلاسم ومجموعة من النصوص المقدسة ولا عجب ان يتحول ما يخص البشر الواقعيين ،الاحتلال ،الىوصفة سحرية لنشر الديموقراطية.ولاعجب ان يمارس الفكر السياسي الديني السياسة كمجموعة من الفتاوي وهكذا حتى الديموقراطية اصبحت مجموعة من الاخلاقيات الفردية بدل ان تكون مشروع عمل وفعل سياسي.
ينبغي ان ننزع عن الفكر السياسي ،كل فكر سياسي ،صفة القدسية والا لن نستطيع ابدا بناء دولة ديموقراطية فالدولة الديموقراطية هي دولة تقوم على المساواة بين المواطنين رجالا ونساء بدون تمييز وعلى ادارتهم لشؤون الدولة والمجتمع وحياتهم الخاصة بانفسهم وبحرية عن طريق التصويت والترشيح والانتخاب .هي ليست احلاما لمثقفين متنورين ولا بؤر ثورية لابطال منزهين وانما تنظيما وظيفيا للجانب السياسي من حياة المجتمع.ولكي نبتعد عن الفكر الطلسمي،علينا ان نناقش مسائل الديموقراطية لا كاخلاق وذاتيات وسلوك شخصي وانما كمؤسسات ومشاريع قوانين لتنظيم الدولة والحياة في المجتمع وخدمة الصالح العام.
وبعض الخلل هذا الخلط المضلل في تحديد موضوع السياسة. ان موضوع السياسة هو الامر العام ولذلك فان بحثه الاساسي هو الدولة ومهماتها الاساسية التي هي ادارة المال العام وتشريع القوانين وتنفيذها لخدمة الصالح العام .ان موضوعها ليس ما هو ذاتي او شخصي اوخاص لذلك فلا علاقة لها بشكل مباشر بضمير البشر واخلاقهم الفردية وحياتهم الخاصة فهي تترك ذلك لرجال الدين والفنانين والادباء والفلاسفة وكل المهتمين بقيم الانسان وضميره الداخلي اما ما هو سياسي فانه يعلن عن نفسه ويتحقق عن طريق مشاريع القوانين والبرامج والاجراءات التي تبني مؤسسات وتنظيمات الدولة وقوانينها وسياساتها.فالدولة هي الوعاء الذي يمارس فيه البشر حياتهم السياسية العامة المشتركة.وهي ليست سلطنة سواء كانت سلطنة فرد او مجموعة او طبقة.والسلطة ليست تفويضا شخصيا وانما تكليفا لمدة محددة لتنفيذ سياسة محددة. فاذا استطاع الفكر السياسي العربي ان يعالج موضوع السياسة بوضوح فانه سيتخلص من كل هذه الضبابية والقصور والعموميات والنزعات الذاتية وضيق الافق التي تحوله الى اطروحات لا تقبل الجدل والبحث العقلاني والى قضية اخلاق فردية وايمان ومرجعيات مقدسة لا تستطيع التعايش مع الاخر ناهيك عن النقيض.
ولكي يتطور الفكر الديموقراطي الدستوري ينبغي نقد فكرة الطليعة التي حملت لبلداننا اعمق الماسي .الكل عندنا طليعة لامر ما.هذه العصبة طليعة للامة وتلك طليعة للطبقة والاخرى طليعة للاسلام بل وان هناك طليعة للديموقراطية الامريكية تريد سحق القوميين والاسلاميين واليساريين بالقوة العسكرية.لا ننكر ان من حق اية مجموعة ان تطلق على نفسها صفة الطليعة بل واعتقد ان العمل السياسي يتطلب دائما اناسا يقومون ببلورة الراي العام سواء اكانوا افرادا او تنظيمات .ولكن خطورة فكرة الطليعة هي ان الطليعة لا تستمد شرعيتها الا من نفسها .اما في الدولة الديوقراطية ،فمع ضمان تكافل الاجيال وتضامن مناطق البلد وتسامح الاديان والطوائف واحترام الاكثرية لحقوق الاقلية في التفكير والتعبير والتنظيم والتمثيل في مؤسسات الدولة ،فان مصدر الشرعية الوحيدة هي ارادة المواطنين،رجالا ونساء ، المعبر عنها عن طريق التصويت والترشيح والانتخاب الدوري .و لا يمكن ان تكون هناك طليعة تتمتع بامتيازات سياسية دائمية لان ذلك يتنافى مع المساواة بين المواطنين ويتناقض مع الشرعية الديموقراطية.
ان فكرة الطليعة السائدة في بلداننا تغني اصحابها عن التحقق من ارادة المواطنين فالطلائع تعتقد انها تعرف مصلحة الناس اكثر من الناس وتدعي انها تمثل ارادة الشعب دون ان تكلف نفسها عناء البحث عن كيفية سؤال المواطنين عن ارادتهم وكيفية منع التسلط على هذه الارادة وكيفية تغيير الحكومة او اجراءاتها ان يرفضها الناس .وهي تختصر ارادة المواطنين في المجموعة الطليعية وتختصر المجموعة الطليعية في بعض القادة. وبعض الطلائع تدعي انها تحمل تفويضا مقدسا لا دليل لنا عليه والبعض الاخر يستند الى وسائل قمع ومليشيات لا نستطيع ردها وكلاهما يعتقد ان الشرعية تستمد من الوصول الى السلطة مهما كانت وسيلة الوصول .وهي ان وصلت الى السلطة فانها تعلن،لقطع الطريق على الاخرين، انها لن تخضع الا لارادتها وان بقائها في السلطة هو امر خالد وان شرعية قراراتها واجراءاتها وقوانينها ينبع من هذا البقاء.ولا عجب بعد ذلك ان يتم الطلاق بين الدولة والمجتمع وان تتحول السلطة الى متعة ذاتية لا تراثا سياسيا للمجتمع .
واهم ما يفوت هذه الطلائع هو ان المجتمع جسم حي تنمو فيه القوى وتتغير سواء كانت هذه القوى ثقافية اواجتماعية اواقتصادية اوسياسية واي سد للطريق امام تطور هذه القوى في داخل الدولة هو اقفال للطريق امام السلطة ذاتها ولذلك ينتهي حكم الطليعة اللاديموقراطي على الدوام الى حكم عصبة من الافراد ينتظر الجميع رحيلهم فعملها السياسي لم يكن سوى عنف وتسلط ، وفي بعض الاحيان لصوصية

ليس في الدولة امرا مقدسا.انها مجموع المؤسسات والاجراءات والقوانين والنشاطات التي تنظم العيش المشترك لبشر واقعيين وهي من صنع بشر واقعيين.انها مسائل دنيوية حتى وان تعامل الناس معها انطلاقا من قيمهم الدينية والروحية. ولا ينبغي ان نضفي على مسائل الدولة والسياسة طابعا مقدسا لان المقدس لا يمكن نقده او معارضته او المطالبة بتغييره ولا ينبغي ان تتدخل الدولة في المسائل المقدسة والمؤسسات الدينية لان مجال نشاطها يتعلق بالحياة العامة للناس وليس مسائل الضمير والمعتقد والفكر والحياة الخاصة

ليس في الدولة امرا مقدسا ولكن دستور الدولة ينبغي ان ينص على الثوابت التي تنبع من اوتتفق مع انتمائنا العربي الاسلامي الحضاري والجيوبوليتيكي والتي اهمها في رايي هو

الثروات الطبيعية والثقافية والحضارية هي ملك لكل شعب العراق باجياله المتعاقبة ولاتنقل ملكية هذه الثروات او اي جزء منها الى اية جهة اخرى عامة او خاصة

الخدمة العامة والصالح العام والعمل الصالح هي اساس عمل الدولة العراقية ولا يجوز استخدام اجهزة الدولة ومؤسساتها لخدمة مسالح شخصية او فئوية ويسهر البرلمان المنتخب بحرية والحكومة والاجهزة القضائية على ضمان ذلك

السيادة والامن والدفاع والصحة والتعليم والعدل والمواصلات والطاقة والمياه وادارة المال العام والخدمات الاساسية هي مهمات الدولة الاساسية

شعب العراق هو مجموع مواطني الدولة العراقية وهو مصدر السيادة والشرعية الدستورية والسياسية والقانونية ويتمتع مواطني الدولة ،رجالا ونساء،بحقوق وواجبات متساوية

السلطة التشريعية الممثلة للشعب هي التي تمنح الثقة للحكومة او تحجبها عنها وهي الجهة التي تقر او ترفض جميع نشاطات الدولة وقوانينها حسب الدستور

تنتخب السلطة التشريعية انتخابا دوريا حرا ونزيها دونما تدخل او تحيز من اجهزة الدولة ولكل عراقي الحق دون تمييز في التصويت والترشيح

الديموقراطية قد اصبحت اليوم ضرورة اجتماعية وسياسية وبرنامجا قابلا للتطبيق ولم تعد كما كانت في الخمسينيات حلما بعيد المنال.وشباب الامة المنخرط اليوم في مناهضة الاحتلال هو الذي سيبني هذه الدولة الديموقراطية بعد اجباره الاحتلال على مغادرة البلد فمع شباب الامة المناضل ضد الاحتلال والمتعطش للحرية هناك ميلاد نهوض ديموقراطي لن يتوقف فقد خرج الشباب عن قيود الانظمة والايديولوجيات والمنظمات ليمارسوا الفعل في الواقع بانفسهم وهم يعبرون عن ابناء ما نسميه الطبقة المتوسطة والفقراء .والطبقة المتوسطة المتعلمة في بلداننا اصبحت من السعة والثقل الاجتماعي بحيث ان لا احد يستطيع تسيير شؤون الدولة بدونها والطبقة المتوسطة لم تعد تطيق ابعادها عن تسيير شؤون الدولة والمجتمع من قبل مراكز القوة والمال ،ولم تعد تطيق،وهي التي تحمل التراث والتكنيك والحداثة وفصل الدين عن الدولة ومساواة الرجل والمراة، كل هذه القيود الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تتحكم بكل حياتها ،حتى الخاصة منها ،والتي لم تعد تشتري ما يباع لها من قرارات وخطابات وسياسات فارغة فكيف تقبل التفريط بحقوق الوطن والامة

عبدالاله البياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ