الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوى الناصرية : مستلزمات البناء و مهام عاجلة

رضا لاغة

2015 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


هناك في أمتنا العربية من يميل إلى المجادلة فينصّب نفسه ، و بتهوّر، وصيّا على الناصرية ، فيفرض قيودا ملازمة للانتماء؛ من يخرج عنها لا يعدّ ناصريا . و يقرر بشكل كلّي لا رجعة فيه أن هذه الشروط الغير قابلة للتنازل أو التعديل أو التغيير لا تتجزأ ، لذلك تجده بمقتضى هذا التصور يخوّن من يشاء و يستثني من يشاء، متوهّما بذلك أنه يدافع عن الناصرية . كيف لا وهو الذي يجزم أن من لا يمتثل لقيوده التي لا تقبل التنازل يلحق أذى بالناصرية . غير أن منطق الاستحواذ من قبل معتنقي الناصرية موغل في التنوّع و التعارض . و نعرف ذلك من خلال الصراعات الحامية بين الناصريين التي تترجم الضرر العميق المهدد للناصرية ذاتها. و السبب هيجان المجادلة و الذهنية الأسطورية التي تمزّق وحدتهم تمجيدا لشخص عبد الناصر أحيانا و تمثّلا للناصرية وفق تلك القيود التي ضبطوها أحيانا أخرى. و ليس هناك حاجة لأن نقول إنه من الصعب إقناع الناصريين بضرورة تصحيح العيوب الأكيدة في تمثلاتهم لسلامة الإطار السياسي الذي لم يبنى لحد الساعة كمنطلق لقيام التنظيم القومي . تحريضهم على وحدتهم لأن كل من يناصب العداء للناصرية لن يفوّت كل مناسبة لينتهزها قصد تنشيط هذا الهيجان الذي يعصف بالقوى الناصرية. نقول ذلك من منطلق إيماننا أن كل تأخير لوحدتهم يعني أن يتصرّفوا ضد رسالتهم الخالدة كناصريين.
هكذا كان أداء الناصريين ، لا ترى بداية و لا نهاية حوار بينهم حول مصير أمتنا إلا و تكون مليئة بالصخب و الهيجان . كانت هذه سمة بارزة لتجربتنا في تونس ، و هو ذات المشهد في مصر و سوريا و لبنان ...هل اعترفوا؟ هل انكبّوا على دراسة روح الناصرية بعيدا عن الشخصنة و التأليه؟ هل بحثوا في مضمونها المثمر؟
إن من يتابع الانحطاط المخزي الذي تردت فيه أمتنا العربية يستعجب من أولئك الذين يتكلّمون عن الناصرية بما تحمله من أهداف و التزامات مستقبلية تجاه الأمة ، و بجمل حساسة ، يتفنّنون في إنزال و إلحاق الضرر ببعضهم البعض. افتحوا أعينكم ، هل ترون وطنا ؟ هل تأمركم الناصرية على بذر الصراع و الانقسام و تنشق حبور الفردية القاتلة و الزعامة التي تسقط في قلاع الانجرار الضار ضد مصلحة أمتكم؟
هذا ليس إعلان حرب ضد الناصريين و لا لمهاجمتهم و لكنه في الوقت نفسه تعبير عن الأزمة العامة الناتجة عن الخلط الخطير بين ناصرية الماضي و ناصرية المستقبل . الماضي الذي تحقق و ليس له من قابلية للإلغاء و المستقبل الذي لا يمكن أن يتحقق إلا وفق إرادة الإنسان الذي يخطط و يأخذ بالأسباب و يطبق منهج الجدل.
هل خطط الناصريون لأوضاع أمتهم السياسية التي اتخذت وجها تاريخيا جديدا؟
هل أعدّ الناصريون الاتجاهات المستوعبة للمستقبل؟
لعله من الأحوط و نحن نتحدث عن الناصريين في مختلف أرجاء أمتنا العربية أن نثابر على تجنب نزعة التنظير التي تمدّ نطاق الأزمة لتضعنا ضمن ما هو مفارق و متعال فلا ندري كيف نعزز ناتج الفعل في الواقع بدل تأمله ؛ فقد اعتدنا و للأسف أن نمارس التنظير ضمن قاعات المؤتمرات و كيان الأمة ينزف و يقطر دما.
لنعمل إذن على تعديل مسار هذه المطارحة عن غيرها من المطارحات السابقة لتتخذ اتجاهات مفيدة لإرشادنا في إنتاج معرفة نريدها أن تكون عملية . عطفا على هذا . أجدني معنيا بالإشارة إلى أن الصفة التساؤلية التي نسبت للمطارحة الجارية لا تبطل الأسس النظرية التي بدونها يستحيل التطبيق العملي إلى خبط عشواء.
عند حديثنا عن الناصرية أو الفكر القومي التقدمي، من منا يستطيع إنكار الاقتناع الساطع بأن التجربة الناصرية لا تزال تجربة نابضة لصنع مستقبل أفضل لامتنا العربية . لنسأل أنفسنا: هل نحن بهكذا إحساس نتجوّل في الناصرية كحديقة زاهية تنعش الفكر أم نجابه التزاما لمستقبل أمتنا العربية وفق المبادئ التي ارتكزت عليها الناصرية ؟
أين هم الناصريين اليوم مما يحدث في الأمة من انقسام مذهبي و طائفي؟ أين هم من الاهتزازات الكبرى التي شقّت طريقها في أقطارنا العربية ؟ هل صغنا مواقف متماثلة؟ بم نفسّر السلبية الطاحنة التي تزخر بمحمولاتنا الإيديولوجية؟
هل نحن مزهوّون بتجاربنا القومية ( المؤتمــر الناصري العام ، المؤتمر القومي الإسلامي ...)؟ و تجاربنا المحلية ( الأحزاب الناصرية القطرية بمختلف مسمّياتها مع بعض التنسيب لبعض التجارب)؟
إن التقييم النظري للتجارب التاريخية يبيّن أنها ظلت إطارا ظاهريا لا يمكن أن يباشر إدارة الأزمة ، بسبب نوعية تمثيليتها و احتشام مستوى اندماجها في البناء المؤسساتي القائم على صنوف سخيفة من الولاء للفرد أو الدولة فضلا عن مظاهر البيروقراطية التي حوّلت هذا العمل المناسباتي ، على صدق مناضليه، إلى محافل للتوادد الشكلي و ربما السياحة و الترفيه لإفراغ الشحنات العصبية داخل كل قطر.
و لو أردنا تشخيص طبيعة الأزمة البنيوية للقوى الناصرية فإننا نجملها فيما يلي:
ـــ أزمة الشرعية : من هي القوى الناصرية الحقيقة لحمل راية المشروع الناصري قصد استكماله و الوفاء له؟
ـــ تفاقم أزمة الدولة الإقليمية و تداعيها في ظل غياب المشروع الوطني الجامع كمنطلق لتعبئة الجماهير و حثها على التنظّم النضالي خدمة للمشروع القومي: هل ما زلنا نقدّر أن الدولة الإقليمية تقع على طرفي نقيض من المشروع القومي؟ألا يمكن للدولة الوطنية بوصفها دولة إقليمية أن تمثّل سندامرحليا للقوى الوحدوية؟ هل الوحدة مشروع يلقى على عاتق الناصريين وحدهم أم يتشاركون فيه مع قوى تقدمية أخرى؟ كيف نميّز بين الدولة الإقليمية و الدولة الوطنية ؟ و طنية بالمعنى الحداثوي: تكريس المواطنة الدستورية ، الذود عن الحريات العامة و الفردية ، الدفاع عن استقلالية القرار الوطني ، الاعتراف بالعمق الإستراتيجي لجغرافيتها السياسية كجغرافيا مغاربية مثلا أو قومية...
ــــ أزمة الهوية التي طالت بنية المجتمع العربي مقابل تغلغل الفكر المتطرف و اشتباكه في صراعات مذهبية و طائفية و قبلية تهدد وحدة النسيج المجتمعي.
ـــ الفجوة بين الالتزام بالمسئولية القطرية و الالتزام القومي في بناء وحدة تنظيمية تنشط في كل الساحات و لها مرجعية متماثلة في قراءة الواقع و تفسيره و صياغة مواقف موحدة مما يجري فيه ، باعتبار أن العمل المؤسسي للناصريين لم يعد قضية نظرية بقدر ما تحوّل إلى مطلب حيوي يلامس الأبعاد الوجودية لمصير الأمة.
نريد إذن أن نهيّأ أسباب المشاركة التنظيمية الفاعلة للقوى الناصرية على نحو يتوافق مع التحوّل المرتقب للأوضاع الجيوسياسية التي تمر بها أمتنا العربية. وهو ما يستدعي أولا التحرر من كل الصراعات الظاهرة و الخفية بين الناصريين.
لأجل ذلك لنبدأ من حوار مؤسس" ماذا تعني الناصرية؟ إذا كان عبد الناصر نفسه حذّر من هكذا تسمية لإيهام الشعب بأن الناصرية هي عبد الناصر و متى رحل ، رحلت معه. لا شك أن رمزية هذا الاختزال يخفي خشية من كل عمل جماعي مؤسس على إرادة جماعية و هو ما يسميه عصمت سيف الدولة : التنظيم القومي. إلا أن عبد الناصر يستدرك فيشير أن هذه المكيدة انقلبت على أصحابها لأن هناك من نخب هذه الأمة من أدرك أن الناصرية تتجاوز مؤسسها ، إنها المشروع الذي كان يجول بخلد الزعيم عبد الناصر. و لكن السؤال الذي ينبه إليه عصمت سيف الدولة : و هل تحقق المشروع؟
كلنا يعلم أن وفاة عبد الناصر كان إيذانا لردة مفزعة قادت مصر إلى التطبيع (معاهدة كامب ديفيد) و بالتالي كلّنا يعلم أن الغايات التي قامت عليها التجربة الناصرية لم تتحقق. كان يمكن أن تتحقق لو أمدّ الله في عمر عبد الناصر الإنسان . و لكن كانت تلك مشيئته.و رغم موت الإنسان ، الغايات ظلت قائمة . لنسأل : هل هي صحيحة ؟ هل ما زالت تناسب لحظتنا؟ للإجابة عن السؤال نحتاج أن نعرفها و بضرب من الاختزال ماذا لو قلنا : وحدة هذه الأمة ، كرامة الإنسان العربي و حريته ، عدالة اجتماعية و اشتراكية منصفة في امتلاك الثروة بين أبناء الشعب الواحد...؟ هل تفسد الحرية و تفقد صلاحيتها بالتقادم ؟ هل سيأتي حين من الدهر تصبح فيه الكرامة سبّة و نقيصة ؟ هل زالت الحاجة لوحدتنا ؟ ....
من يجرؤ على قول كهذا ؟ إذا صح أن مثل هذه الفضائل لم تنطمر ، فهذا يعني أن الناصرية ما زالت تهزّها الحياة و يمكنها أن تتيح إحداث تحوّل حيوي يؤثر إيجابا على مصير أمتنا. غير أن البعض قد يجيد التعصب للناصرية ، وفق هذا التقدير ، فيركن إلى تقديس الميثاق، ليغدو السؤال: إذا كان الميثاق هو ترجمة لفكر عبد الناصر ، فالناصرية إذن هي كل كلمة تضمنها الميثاق و من يتنكر للميثاق ، إذن هو ليس ناصريا.
هنا تتجلى أسطورة التحكم. هل يصلح الميثاق لكل زمان و لكل مكان؟ هل يتضمن نظرية؟ ألم يصغه عبد الناصر بإستراتيجيا تضبط طبيعة المرحلة السياسية التي لا تمتد لأكثر من سبع أو عشر سنوات؟
القول بأنه لخمس أو لسبع أو لعشر سنوات ، يعني أن يكون في متناول الناصريين تطويره و ابتكار خارطة عمل جديدة تنسجم مع مقتضيات اللحظة الراهنة ، إلا أنها تظل وفية للغايات التي ناضل لأجلها عبد الناصر.
أزمة الناصريين ، بدأت في الظهور حين غاب الزعيم القائد. في الوقت الذي آمنت جماهير الأمة العربية بعدالة رسالته. لم يكن في حسبانهم أن يرحل بهذه السرعة . فالتوقيت مفرط في الصدمة و المباغتة ، فالغايات لم تكتمل بعد و الواقع يحمل لمسات متقلبة و متضادة . فما عسانا نفعل؟
من السهل أن نقول : نظل أوفياء للغايات، و لكن من الصعب أن نفعّل جهدنا لتصل لطورها المتحوّل. فعبد الناصر كان يجرّب بشخصية القائد الملهم . فهل سنجرّب نحن أيضا أم سنحتكم إلى نظرية ومنهج؟
من السهل أيضا القول : هناك نظرية الثورة العربية، و لكن وجودها لا يعفينا من طرح السؤال: وهل أن صلابتها تحرمنا من الاجتهاد فيما طرحته؟ هل الحرية أولا أم الهوية أولا؟ هل الحزبية كساحة عمل نشطة داخل الدولة القطرية أمر مباح أم انحراف ؟ هل أن احتمالات حدوث التنظيم القومي هي مجرد فكرة زوبعية أم ممارسة نتكهّن بتوقيتها في سياق البحث عن الطليعة كخلايا جذعية في بنية المجتمع المدني ؟
و إذا كان من غير المحتمل لشخوص ناصرية متناحرة تاريخيا لأسباب قد تكون تافهة حتى ، فهل سيظل مصير الحركة القومية الواحدة حكرا على تآلفها المستحيل؟
هل هناك استعداد لمصالحة حقيقية تدوس على الماضي و تطوي صفحته إلى حين تتشكل قيادة قومية ترتّب البيت من الداخل فتنصف المظلوم و تبعد الخائن و المندس؟
هل ستفيدنا المكتبة الناصرية في صنع المستقبل؟ هل علمنا ما المفيد و ما الضار فيها؟
هل حددنا ما الذي ينقصنا و لماذا تأخرنا لنكون ذوات فاعلة في هذا الحراك العاصف و المزلزل لوجودنا العربي؟
فهل جاءت لحظتنا الحوارية التي تجد أساسها في انبعاث رؤية مستقبلية تحقق غايات التجربة الناصرية المعطلة ؟
أظن أنها جاءت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه