الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمات الانهيار .. ومقومات النهوض

بدر الدين شنن

2015 / 4 / 24
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


تصاعدت في الآونة الأخيرة ، ارتدادات حرب الإرهاب الدولي ، في الأوساط السياسية والإعلامية والثقافية بشكل لافت . وذلك مع تصاعد وتوسع هذه الحرب القذرة مؤخراً ، بالعدوان السعودي الهمجي على الشعب اليمني ، الفقير في معاشه ، وقدراته ، وسلاحه . وتتجلى هذه الارتدادات المتصاعدة ، في الإجابة على سؤال : ماهي مقدمات ما جرى ويجري في البلدان العربية .. من انهيار .. ودمار .. وضياع قيادات وقيم ,, وفشل تحقيق مشاريع ، سياسية ، وأيديولوجية ، احتلت مساحات في الوعي العربي سنوات تقارب المئة ؟ ..

وقد انقسم الذين تصدوا للإجابة على السؤال ، إلى أربعة أقسام .. قسم يرد ما جرى ويجري في البلدان العربية إلى " المؤامرة الخارجية " الطامعة بالأرض العربية وثرواتها . وقسم ثان يرده إلى الأنظمة العربية المزمنة ، في استبدادها ، ورجعيتها ، وتخلفها . وقسم ثالث يجمع بين الإجابتين السابقتين .. المؤامرة .. والاستبداد والرجعية والتخلف .. ، وعند مقاربة إجابة القسم الرابع ، نرى أنه لا ينكر أن هناك مؤامرة ، كما لا ينكر دور الاستبداد والرجعية والتخلف ، لكنه يركز على ما يعتبره أدهى وأمر ، وهو صراعات كافة المشاريع السياسية والأيديولوجية ، بين بعضها البعض ، حول بناء المجتمعات والدولة القطرية . وهناك على هامش الأقسام الأربعة ، إجابات انفعالية تنم عن اليأس وفقدان الرجاء بالواقع العربي .

بيد أن مختلف هذه الأوساط لم تقدم البديل المطابق وآلياته ، لتغيير وضعنا المذري . فهي لم تدخل بالعمق في مضامين وأهداف المؤامرة . ولم تكشف الأسباب والعوامل ، التي أدت إلى الاستبداد ، وإلى تجذر واستدامة الرجعية والتخلف . ولماذا كان الصراع بين المشاريع السياسية والأيديولوجية بهذه الاستدامة والشراسة . هل لأن هذه المشاريع لم تأت في وقتها المناسب ، بمعنى أنها جاءت متقدمة .. غريبة .. عن عصرنا . أم أنها جاءت متأخرة عن زماننا الراهن ، أم أنها مشاريع خيالية منفصلة عن متطلبات الواقع ، أم أن حملتها لم يكونوا مؤهلين ، من حيث القناعة ، ومن حيث الانتماء الموضوعي للقوى الاجتماعية الحاضنة لهذه المشاريع ؟ .. الأمر الذي يدل على تفاقم الأزمة في أوساط صناعة السياسة ، والقرار ، والفكر ، في وقت يتطلب منها ، أن تساعد على فهم ما يجري ، وطرح البدائل المناسبة .

* * *

المعطى التاريخي يشير إلى أن بداية أزمتنا الكبرى ، في البلدان التي تتعرض لعدوان الإرهاب الدولي ، تعود إلى مرحلة بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال ، التي تولت الحكم فيها قوى سياسية ، تعبر عن طبقات إقطاعية نافذة ، وبرجوازية ناشئة ، وفئات تجارية وحرفية عريقة . وقد حاولت هذه القوى ، إلى حد ما ، تقليد النمط الرأسمالي الغربي ، ضمن ظروف محكومة بالتبعية للبلدان الرأسمالية المهيمنة على العالم . بمعنى أنها لم تكن تملك اقتصاداً مستقلاً ، ولا تحمل مشروعاً سياسياً تنموياً ، وليس لها خلفية أيديولوجية تسترشد بها ، في بناء مجتمع متحرر من هيمنة النمط الغربي . وكانت السلطة " الحكومة " تدار حسب مصالح هذه القوى ، مع هامش سياسي وإعلامي لحركة الآخر ، يضيق ويتسع ، حسب مراعاة هذا الآخر لمصالها واستمرار حكمها .

وقد عرفت البلدان المذكورة ، في الحقبة الزمنية ، التي تقع بين الاستقلال ووقتنا الراهن ، ثلاث تيارات سياسية وأيديولوجية ، هي : التيار الإسلامي .. والتيار القومي .. والتيار الشيوعي " اليسار " وقد كانت هذه التيارات في حرب أيديولوجية عدائية متواصلة ، وحرب سياسية في معظم الأحيان ، وحرب دموية أحياناً . مبتعدة بذلك عن إيجاد صيغة تحالف .. ووحدة وطنية .. تحافظ على البلاد المحاطة بالمطامع والمخاطر الأجنبية ، لتوفر مجالات .. الحرية .. والبناء .. والإبداع . وتمترست خلف .. الدين .. والقومية .. والطبقية . متجاهلة القاسم الحضاري المشترك للمعتقد الإنساني .. والانتماء القومي .. والخيار الاجتماعي .

المحصلة الإجمالية للصراع المستديم بين التيارات الثلاث ، أنه أضعف بنية وقدرات الطبقة السياسية بعامة . تؤكد على ذلك حقيقة مآ آلت إليه هذه التيارات . فهي ، إما فشلت في الوصول إلى السلطة وفي تحقيق مشروعها ، وإما وصلت إلى السلطة لكنها فشلت في امتحان مصداقية مشروعها ،
ما ينبغي ذكره في هذا السياق ، أن القاسم المشترك بين التيارات الثلاث ، هو غياب الديمقراطية .. كمنهج ، وفكر ، ومضمون رئيس في برنامج سياسي متكامل .
موجز نتائج العداوات والصراعات بين التيارات المذكورة ، سواء بطبعة دينية ، أو قومية ، أو طبقية ، أنها أعاقت إلى حد كبير النهوض المتكامل في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية قطرياً ، وأنها كرست الحدود القطرية التي رسمتها الدول الاستعمارية حسب مصالها ، في القرنين التاسع عشر والعشرين الماضيين . ما أدى إلى استضعاف الوطن العربي ، من المحيط إلى الخليج " ، واستباحة أرضه ووجوده وثرواته ، وإلى إخضاع البلدان العربية المتفرقة ، والمتنافرة ، لانعكاسات صراعات وتموجات التوازنات الدولية السلبية . بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي . وكان من الطبيعي والمنطقي نتيجة لذلك ، أن يؤدي انهيار المعسكر الاشتراكي ، إلى الخلل والانهيار في العلاقات الدولية ، وفي بنى المجتمعات المختلفة . وكان انعكاس ذلك على الواقع العربي أكثر إيلاماً .

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن ، هو : ما معنى انهيار التوازن الدولي ، الذي حدث بعد عام 1991 ، وجعل للعالم خريطة واحدة وقطب رأسمالي سيد عليه ، وما معنى تأثيره على دولنا ومجتمعاتنا العربية القطرية الهشة ، وعلى عقولنا ، وتفكيرنا ، وعلى نسيج الأيديولوجيات ، التي اشتغلت في حياتنا ، على مدى قرن ، واعدة عبر صراعاتها ، بمشاريع ، إن صدق حملتها ، سوف تبني البلاد بشكل مغاير ؟ .

* * *
إ
إن الوقائع الجارية ، منذ أول القرن الحالي أجابت بوضوح على هذا السؤال . وذلك انطلاقاً من عملية تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك 2001 . واستخدام ذلك ذريعة للهجوم الأميركي على ما تبقى من بؤر ومصالح سياسية واقتصادية وأيديولوجية لها صلة بالمعسكر الاشتراكي المنهار ، ولتدمير أسوار الحدود الوطنية والقومية ، وفرض عالم رأسمالي تحت هيمنة أميركا المطلقة .
ثم كانت الحروب الأميركية والأطلسية والإسرائيلية ، بذرائع كاذبة . لقد جرى تفكيك الاتحاد اليوغسلافي ، وشنت أكثر من حرب على العراق ولبنان وغزة . ثم تحولت إلى حروب بالوكالة ، بواسطة منظومة الإرهاب الدولي ، ، التي توزع الأدوار فيما بينها ، التي تضم التنظيمات الإرهابية ، وأميركا ، وحلف الأطلسي ، وإسرائيل ، ودول الخليج العربية ، وتركيا ، و طالت حتى الآن : الصومال ، والسودان ، ومصر ، وليبيا ، ولبنان ، واليمن ، وسوريا ، والعراق وتونس .

ما مفاده من طرف آخر بإيجاز ، الإجهاز في البلدان المذكورة على التيارين القومي التحرري واليساري بشكل عام ومعهما كل الحركات الديمقراطية والعمالية والنقابية والإنسانية .. وكل دعاة الحرية والعدالة الاجتماعية . إذ أن كلا التيارين وما حولهما في حالة تعارض جذري مع مشروع الهيمنة الرأسمالية على العالم ، بقيادة أحادية قطبية أميركية . أما ما يتعلق بالتيار " الإسلامي ، فهو ينسجم تماماً مع المشروع الأميركي الغربي الإسرائيلي ، إن فيما يتعلق بنمط الاقتصاد الرأسمالي ، أو بعالم بلا حدود ، أو بحق إسرائيل بالوجود المتميز ، في منظومة شرق أوسطية واحدة .

ومنذ أن تجسد الإرهاب الدولي ، مضموناً وغاية " للربيع العربي " والتحاق التيار الإسلامي ، وبعض اليسار والمثقفين بركابه ، بات يصح القول ، أن ضرورات الواقع ، قد وضعت التيار اليساري بكل فئاته ، والتيار القومي التحرري ، في خندق واحد، محكوم بالتحالف والعمل المشترك . وشرط قوة ونجاعة هذا التحالف ، بعد تجربة الماضي المريرة ، وبعد دروس حرب الإرهاب الدولي المدمرة ، هو التزامه بالحرية وببرنامج وطني ديمقراطي متكامل . وهذ يتطلب ، إعادة النظر بالمضامين الأيديولوجية ، لحسم التعارضات غير الواقعية ، بين التحرر القومي ، والتحرر الاجتماعي . وبلورة فكر وثقافة جديدين ، تساعد على توفير مقومات النهوض ، وتعيد الحيوية للوعي العربي ، وتحصينه من طروحات تزيف التاريخ ، وتحرف استحقاقات الحاضر العربي ومستقبله .
لقد انطوت مرحلة تلك القوى السياسية وتياراتها وصراعاتها ، التي ظهرت في القرن العشرين وما بعده بقليل . وبدأت في العشرية الثانية من القرن الحالي ، مرحلة جديدة تتطلب قوى سياسية ، وتيارات، وتحالفات مختلفة . تواجه واقع انقسام العالم إلى قطبين متعارضين متناحرين ، هما :
1 - قطب القوى الإمبريالية بقيادة أميركا ، وأتباعه من الدول والقوى الرجعية ، وأدواته من أحزاب إسلامية وليبرالية ، وتنظيمات إرهابية ، يعمل على تدمير الكيانات الدولية ، والفكرية ، والقيمية ، القائمة ، للسيطرة على الجغرافيا والثروات العربية .
2 - قطب القوة القومية التحررية الديمقراطية ، واليسارية بمختلف فصائلها القديمة الجديدة ن والشرائح الثقافية ، والحركات العمالية والنقابية ، والشخصيات الدينية المستنيرة ، الملتزمة بالدفاع عن الوطن ، ضد الإرهاب الدولي والهيمنة الإمبريالية ، وإعادة بناء البلاد على أسس الحرية والديمقراطية والعدالة السياسية الاقتصادية والاجتماعية ، وعلى نهج مبدئي جاد من أجل بناء دولة قومية حضارية مزدهرة . تضاف إليها القوى الدولية والشعبية المقاومة للقطب الأميركي الغربي وأتباعه وأدواته .

إن توازن القوى بين هذين القطبين غامض . إلاّ أن حركة القطب الثاني .. القطب الدولي والشعبي المقاوم ، ومشروعيته ومصداقيته ، تستطيع أن تظهره ، وتجعله يميل لصالها .
وعلى ذلك ، فإن تصاعد وتوسع حرب الإرهاب الدولي ، وارتداداتها ، ينبغي أن تؤخذ بحجومها ، وأبعادها الحقيقية .. دون مبالغات ، أو انفعالات ، ودون ضياع السمت الرئيس .. من أجل النهوض الوطني والقومي ، من أجل التحرر والديمقراطية وبناء دولة متعددة الأقطار .. موحدة القدرات والإرادة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحرك مفاجئ من المتظاهرين يهدد بحل حكومة نتنياهو.. ماذا سيحدث


.. اليمين المتطرف.. لن نرسل قوات إلى أوكرانيا | #غرفة_الأخبار




.. ماكرون يحذر من حرب أهلية في فرنسا بسبب برامج أقصى اليمين وال


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: اليمين المتطرف يتصدر الاستطلا




.. فرنسا: هل يمنع حزب التجمع الوطني مزدوجي الجنسيات من الولوج إ