الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط دكتاتور*.. بين همجية النظام ومرتزقة الثقافة والإعلام

جاسم العايف

2005 / 9 / 27
الصحافة والاعلام


الدكتور أحمد ابو مطر درَّس اللغة العربيَّة وآدابها في جامعة البصرة أواخر السبعينيات حتى العام 1982, وخبر بنفسه خروقات النظام البعثي _ الصدامي اللاانسانية في تعامله مع العراقيين ولمس عن قرب وتجربة ومعرفة حزب البعث وشخوصه وعرف همجيتهم ووحشيتهم اليوميَّة وتخريبهم كل ما هو مضيء في العراق من الثقافة الى الفن ومن الأخلاق الى التاريخ، ولكل ما يمت للإنسان العراقي بصلة، ولقد عاين كيف عاث حزب البعث والنظام البعثي في العراق فساداً وقتلاً واغتيالا و تبديداً للثروة الوطنيَّة طوال ثلاثة عقود ونيف، ولقد كشف بعد سقوطه المهين عن حجم الفظاعات التي مارسهاالنظام البعثي – الفاشي بحق العراق والعراقيين والتي ذهب ضحيتها ما لا يقل عن مليوني مواطن عراقي معظمهم لازال مجهول المصيروان هذا كاف لوحده ان يكون سببا اساسيا لاسقاط هذا النظام الذي شرعن العنف والقساوة والوحشية في المنطقة محاولا فرضها من خلال حروبه العبثية اللامجدية .
بدأت معركة د.احمد ابو مطر العلنية ضد نظام صدام عام 1991 وتحديدا عقب غزو الكويت واحتلاله ولم يستطع وهو الفلسطيني التفريق بين احتلال صدام للكويت والمطالبة في الوقت ذاته بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين((فالاحتلال واحد..ولا يوجد احتلال قبيح واحتلال جميل. ومن خلال السنوات التي عشتها في العراق ومن خلال تفاصيل الحرب مع إيران وفي مدينة البصرة بالذات أدركت ان هذا النظام مهنته الوحيدة هي القتل و الموت )) .
يتألف كتاب د.احمد ابو مطر من ثلاثة فصول احتوى الأول منها على مقالات ودراسات نشرت منذ بداية العام 1991 في صحف المعارضة العراقية ، وفي صحف ودوريات عربية و عالمية، وبذا يكون المؤلف احد الكتّاب والصحفيين الذين رفضوا إغراءات النظام الفاشي وشعاراته (( القومانية والعنصرية)) ودولاراته المغموسة بدم وجوع العراقيين وكوبونات النفط الملوثة المشبوهة ، ويكون في ذلك بعد ان أوضح انه ((فلسطيني من العراق)) ، قد اصطف مع (( تلك الكتيبة الشجاعة من الكتَّاب والصحفيين والمثقفين العراقيين الذي شردهم الدكتاتور في كل بقاع العالم )) وفي بحثه لملف صدام حسين السياسي يراقب الأحداث التي أعقبت سقوط الشاه في إيران مباشرة، ودور صدام (الجديد) في تلك المنطقة ((لأن ما تعيشه المنطقه ليس مقطوع الجذور عما سبقه )) وهو ليس بعيدا عن ان يكون نتيجه حتمية مباشره لحيثيات وممارسات السنوات السابقة مستنداً في هذه النظرة على قناعاته بالتفسير((المؤامراتي)) للتأريخ وأحداثه وكذلك الكيفية التي يرتقي بها الأشخاص مناصب القرار العليا ، حيث ان كل تحرك للأفراد والجماعات إنما يهدف لخدمة أهداف محددة.. ص 9ـ .
وحول علاقة نظام صدام بالمقاومة الفلسطينية ، يلاحظ ان المخابرات العراقية غذت ومولت عدة انشقاقات في الساحة الفلسطينية وانها نفذت أوسع وأبشع حملة اغتيالات لمسؤولين فلسطينين مستغلة أيادي فلسطينية ، فتم اغتيال نعيم خضر في بروكسل و وائل زعيتر في روما و زهير محسن في فرنسا و عصام السرطاوي في لشبونة وكذلك اغتالت وديع حداد /عراب خطف الطائرات المدنية /، وكان اغتياله عربونا اوليا للتعاون مع أجهزة المخابرات الغربية والرسالة التي مهدت للدعم المخابراتي الذي لقيه النظام في حربه مع ايران. ص 82 ـ 88 .
لقد ساهمت المخابرات العراقيه من خلال (جبهة التحرير العربية) وهو التنظيم البعثي في الساحة الفلسطينية رعاية اغلب الانشقاقات الفلسطينية من خلال الدعم المالي والإعلامي وقد استجاب بعض المنشقين لتكليف المخابرات العراقية في مطاردة واغتيال المعارضين العراقيين في بيروت وفي أماكن أخرى كما في حادثة اغتيال المعارض العراقي والكادر الشيوعي توفيق رشدي ، ودأب نظام صدام حسين على استغلال القضية الفلسطينية لأغراض دعائية مساهمة في ((إشعال العواطف حينما أطلق عدة صواريخ على إسرائيل لم تحدث خسائر تذكر)) ولقد قام صندوق التعويضات في الأمم المتحدة بدفع مئات الملايين من الدولارات من أموال مشروع النفط مقابل الغذاء و الدواء وهي أموال تعود الى الشعب العراقي وبذا يكون النظام البعثي هو أول الأنظمة العربية التي ساهمت في تعويض إسرائيل عن خسائر لا قيمة لها ،وبعد انتهاء حرب تحرير الكويت عاد أكثر من أربعمائة ألف مواطن فلسطيني و أردني, وبانقطاع أرزاقهم والملايين التي يدخرونها ويحولونها لأهلهم وللاقتصاد الأردني والفلسطيني تلاشت (صورة صدام ) وأدرك الجميع حجم الكارثة التي وضعهم فيها، ويؤكد الدكتور ابو مطر في مقالاته السياسية على المطالب الديمقراطية التي لا تتجزأ في زمن الحرب والسلم ردا على (المستفيدين العرب من نظام صدام ) ويفضح دور منظمات حزب البعث القومية في استغلال الزمالات الدراسية للطلبة الذين عليهم ان ينتموا للحزب كشرط للحصول على هذه (المكرمة القومية) وتعامل الطلبة العرب مع هذا الشرط على وفق شعار ((بعثي حتى التخرج)) حيث يعملون على قطع صلاتهم مع حزب(الإكراه) هذا بعد تخرجهم ،وبطريقة تهكمية يروي كيفية الحصول على مسكن في الأقسام الداخلية حينما حرمت من ذلك طالبة فلسطينية قادمة من غزة ،ويسأل الدكتور احد الطلبة (الحبشيين) عن كيفية حصوله على السكن المريح في القسم الداخلي ، فيجيبه ذلك الطالب بأنه (بعصي)!! أي بعثي .
في الفصل الثاني يتابع يوميات حرب إسقاط الدكتاتور منذ 20 آذار لغاية الأول من آيار بعد ان أعلن الرئيس بوش نهاية العمليات العسكرية الكبرى في العراق ،وفي الفصل الثالث يوثق ما نشر من تحقيقات ووثائق وجرائم النظام البائد وهي عموما قد نشرت في صحف عالمية وعربية وعراقية تم الكشف فيها عن الوجه القبيح للنظام البعثي المنهار وما ارتكبه بحق العراقيين والعرب طيلة 34 عاما .ويتناول د.احمد ابو مطر قضية تعامل ((المثقفين العرب والدكتاتور)) ويعتبر صفحة تعامل العديد منهم ـ وما أكثرهم ـ من أسوأ الصفحات في تاريخ الثقافة العربية حينما التف عشرات و مئات الأدباء والكتاب والمثقفين حول حاكم جاهل وحشي في وقت تم فيه تشريد عشرات الآلاف من الخبرات العلمية والأدبية والثقافية والأكاديمية العراقية ، ويبدي دهشته على صعيد الثقافة العربية من قلة الأصوات والأقلام التي تجرأت ـ في الأقل ـ في السنوات العشرين الماضية للتصدي للدكتاتور ونظامه ومنهجه الإجرامي ، لا بل ما هو مثير للرثاء والبكاء هو تصفيق العديد منهم لهذا الطاغية وتمجيده حد التأليه وبذا يكون هؤلاء قد أسهموا في صناعة هذا ((الوحش)) وديمومة نظامه ،ممارسين ازدواجية أخلاقية دفاعا عن مصالح ومكاسب شخصية لا تليق بمن يوصف بكونه (كاتبا) وان هذه الصفة لها علاقة وثيقة بالضمير ونقاوته وان صفحة تعامل المئات من هؤلاء ((حينما اشترى صدام حسين بكرم يذكر له )) نسبة كبيرة من العاملين في الحقول الثقافية العربية والإعلام العربي ، ((حتى انفرد الشعب العراقي بالعداوة وحده )) وتحت ظلال التعمية الإعلامية ـ الثقافية بما هو قومي وأممي وإنساني ،وسوف تظل تلك الصفحات اسود الصفحات في تاريخ الثقافة العربية ،ولن يصبح الكتاب والمثقفون العرب فاعلين في نسيج مجتمعاتهم ،الا بعد ان يقرروا الانحياز فقط للحقيقة وللحرية والإنسان ...ولكل ذلك ومن اجله يهدي د.احمد ابو مطر كتابه هذا مشفوعا بالحزن الى كل (( المثقفين والكتاب والصحفيين و السياسيين العرب )) الذين تخصصوا في تمجيد هذا الدكتاتور ، وشمروا عن أقلامهم وقدراتهم للمساهمة في صنع هذا (البطل) المزيف .. علّ هؤلاء الذين يشاركونه حقيقة كل جرائمه ، يعتذرون للشعب العراقي ويتعهدون أن لا يسهموا مستقبلا في صناعة أي دكتاتور قادم آخر .. تحت أي شعار و في أي مكان وزمان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سقوط دكتاتور
دراسات ـ تقارير ـ وثائق
الدكتور احمد ابو مطر
بيروت ـ لبنان










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم تحصل على أي مؤهل علمي.. تعرف إلى نائبة رئيس وزراء بريطاني


.. حماس تقبل بمقترح أمريكي لبدء محادثات بشأن إطلاق سراح الرهائن




.. فوز الإصلاحي بيزشكيان بانتخابات الرئاسة الإيرانية


.. حرب وإهمال.. مياه الصرف الصحي تغمر أحد شوارع خان يونس في غزة




.. الاستيطان الإسرائيلي يتسارع بشكل محموم في الضفة الغربية