الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعود الجماعات الارهابية في المنطقة

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2015 / 4 / 25
الارهاب, الحرب والسلام



شهد مطلع القرن الواحد والعشرين أكبر المعارك المفتوحة ضد الارهاب، وتنظيمه المحوري آنذاك القاعدة، عبر تحالف دولي واسع غير محدد الأطر والأطراف، كل دولة كان لها دور ونصيب في مواجهته ومكافحته على طريقتها، وبما يخدم استراتيجياتها، ومدى تأثرها بالتطرف الاسلامي، وانعكاسات سياساتها المحلية والاقليمية في ذلك. وطوال مايزيد على خمسة عشر عاماً، تضاعف انتشار قوى التطرف، من حيث أنشطتها و تنظيماتها المختلفة في المنطقة، دون أن تحقق الحرب على الإرهاب، أية نتائج فعّالة في تحجيمها، وتجفيف منابعها.
كثير من الدول سنّت قوانين جديدة، لتشريع تعاطيها مع التطرف الذي انتشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، لكن تلك الأنظمة كرّست جهودها، في اتجاهين أساسيين، هما احتواء الجماعات الإسلامية بقصد تجنب مخاطرها، والاستفادة منها أمنياً في الوقت ذاته، بمعنى توظيف إشكالياتها ومعلوماتها في دوائر العلاقات الاقليمية والدولية، خاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. أما الاتجاه الآخر فقد تمحور في مصادرة الحريات العامة، وتقويض مساعي التغيير الديمقراطي، بدعوى محاربة الإرهاب، واستهدفت في ذلك شرائح العمل الفكري والسياسي، التي لا تتوافق مع أهواء الأنظمة، من اليمين واليسار على حدّ سواء. وكان من نتائجه انتهاكات واسعة للحقوق والحريات.
شكلت تلك السياسات مناخات ملائمة، لنمو جماعات الإسلام السياسي، استناداً الى تناقضها مع الأنظمة الحاكمة، مستغلة ذلك في إعادة بنيتها التنظيمية على الرغم من الحظر والملاحقة، مع الإبقاء على ثوابتها الفكرية، والتزامها العمل السري المنظم، والعلني لاحقاً، بغطاء دولي تأسيساً على الحق في تكوين الجمعيات والعمل السياسي، الذي لقيت دعماً بشأنه في مواجهة حرمانها من تلك الحقوق، في الوقت الذي كان فيه الغرب، يستخدمها أوراقاً ضاغطة على أنظمة الاستبداد في دول الربيع العربي، ليبيا و سوريا، بصورة خاصة.
كانت حركة الاخوان المسلمين تقود حركة الاسلام السياسي، لأكثر من نصف قرن، قبل أن تعتبر المنبت الأساسي لحركات ومنظمات الارهاب في المنطقة، وتصنّف كتنظيم إرهابي، بعد سلسلة من الصراعات على السطلة، وانتشار السلاح والفوضى، والجنوح المريب نحو ترجيح كفّة العنف المسلح، في كل من ليبيا وسوريا واليمن، مع ملاحظة تجربتها في كل من تونس ( على خصوصيتها) ومصر بما آلت إليه.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، طوّرت تنظيمات التطرف المسلحة، من آليات انشطارها، وانتشارها الجغرافي بشكل متلاحق، وسريع، مستفيدة من ظروف الفوضى وانتشار السلاح، واستطاع تنظيم القاعدة في العراق والشام، أن يجدد نفسه، كقوة جاذبة، وأن يرسم استراتيجية لنشر الإرهاب تشمل كامل المنطقة الممتدة من العراق وسورية باتجاه ليبيا وتونس.
لاشك في أن سياسات الاستبداد هي عامل جذبٍ ومنتجٍ لقوى الإرهاب، مضافاً إليها موقف الغرب من قضايا المنطقة، وتالياً ضعف و ترهل الاستراتيجية الدولية في مكافحة الإرهاب، منحت تنظيمات التطرف والعنف المسلح، بمسمياتها المختلفة ( القاعدة – داعش- أنصار الشريعة - جبهة النصرة) قوة أساسية لبناء ( العامل المشترك ) لهذه الجماعات. ولكن ماهي عوامل القوة الأخرى التي مكنتها من هذا التطور الحاصل اليوم؟
يشكل وجود أنظمة حاضنة ومولّدة، مصدر قوة أساسي لها، داعمة من حيث التكامل الوظيفي ، كالنظامين السوري والعراقي، وحليفتيهما إيران. وذلك بصورة مباشرة، عبر تبادل المنافع المتأتية من طبيعة التناقضات والصراعات القائمة في سوريا والعراق، وكذلك في ليبيا، حيث تشكل " فجر ليبيا " حاضناً لقوى التطرف الاسلامية المسلحة، ووليداً شرعياً لها. وتتمتع جميعها بغطاء سياسي من الجذور المكونة للإسلام السياسي في المنطقة، بما في ذلك الدعم المتعدد الذي تحظى به، مباشرة، أو مواربة من قوى إقليمية ( تركيا وقطرعلى سبيل المثال) تؤمّن لها المساندة اللوجستية و التدفق المالي.
والواقع، فإن العامل الجغرافي يلعب دوراً كبيراً في تمكينها من السيطرة على مناطق حيوية واسعة، في سورية والعراق، تمنحها حرية في العمل والتطور، وحكم الجماعات المحلية، عبر قوانين تفرض سلطتها، تستوفي مكونات "الدولة"، وتستثمر ذلك في تأكيد دورها وفاعليتها سياسياً واجتماعياً. وكذلك اقتصادياً من حيث إدارة موارد المنطقة، وتحصيل الضرائب، و بيع النفط والمنتجات الزراعية الاستراتيجية، الأمر الذي وفر لها مصادر تمويل مهمة، إضافة لما يعرف اليوم بأموال " الفدى " وتجارة السلاح، وتهريب الآثار والاتجار بها، ومصادر التمويل المختلفة التي تنتشر عبر شبكات استثمارات تجارية وخيرية إسلامية، عبر العالم، كانت تقارير أمريكية وبريطانية أشارت الى مصادرها بوضوح، والى دور كل من تركيا وقطر وإيرن في ذلك، كما تلعب شركات دولية، دوراً مهماً في تذليل الصعاب أمام حركة الأموال وتبييضها.
لكن الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة، لديها أسباباً ذاتية، عملت على انتاج القوة من خلالها، يتمثل ذلك بإدارة الترويع وبث الخوف والرعب وتوجيه الرسائل، عبر أعمال القتل، الأكثر دموية وبشاعة، مثال ذلك قطع الرؤوس في سوريا والعراق وليبيا، والعمليات الارهابية في مصر وتونس، ونشر ذلك بوسائط إعلامية متطورة ومعاصرة، كما تفعل داعش. أما جبهة النصرة، فقد شكل حضورها المسلح، وقدرتها المالية والتنظيمية، عامل حسم للمعارك التي تخوضها ضد النظام من جهة، وضد كتائب المعارضة السورية، لفرض السيطرة على الأرض، وبالتالي سلطتها ومنهجها القاعدي.
بكل الأحوال، تمتلك جماعات الاسلام السياسي، والتنظيمات المتطرفة، علاقات تشبيك واسعة ومتينة فيما بينها، حتى في ظل الاختلاف العام في أساليب العمل، والصراعات الناجمه عن كسر الإرادات، تسمح لها بمواجهة التحديات، واستيعاب كل التطورات الجارية في المنطقة، بل أنها اصبحت هي القوى التي تصنع التغيرات، في ظل تخبط دولي، ومواقف غير حاسمة في مواجهة حقيقية للإرهاب المتنامي في المنطقة، وهذا يتطلب مواقف دولية صريحة، ترتبط بخطط عمل واضحة لمعالجة البؤر المنتجة للتطرف، في سوريا والعراق وليبيا، بصورة جذرية.
الولايات المتحدة، وأوروبا، مع حلفائهما الأساسيين في المنطقة خاصة السعودية، يمتلكون المقدرة على القيام بذلك.
__________________
كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة