الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحولات استراتيجية خطيرة

منذر خدام

2015 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



وانطلقت " عاصفة حزم " أخيراً من السعودية لتدك " معاقل الحوثيين" في اليمن، بمشاركة عدد من الدول العربية والإسلامية لتدشن، وبصورة رسمية، بداية حقبة جديدة في تاريخ المنطقة عنوانها العريض الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، لكن ليس من أجل إعلاء كلمة الله كما يراها كل طرف، بل من أجل الهيمنة السياسية على المنطقة، أو بحسب ما سماه الأمريكيون صراع من أجل "إعادة التموضع" بين الدول الإقليمية. ما حصل في اليمن لم يكن مفاجئا تماماً، فقد أشارت إلى تزايد احتمال حصوله جملة من المؤشرات الدالة عليه بدت على شكل تحولات سياسية ودبلوماسية وعسكرية كنا قد أشرنا إلى بعضها في مقالة لنا نشرتها جريدة النهار بتاريخ 17/3/2015. بداية التحول الجدي لإحياء واستخدام " حصان طروادة" المذهبي من قبل بعض دول المنطقة، وبصورة خاصة من قبل إيران والسعودية يمكن تلمسها منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، والذي كان من نتيجته فتح ما كان يسمى "البوابة الشرقية" للوطن العربي على مصراعيها لإيران. لم يكن من السهل على القيادة الإيرانية أن تنسى دعم دول الخليج لصدام حسين في حربه عليها التي استمرت نحو ثمانية سنوات، وتسببت بخسائر بشرية ومادية كبيرة جداً لها. لذلك ما إن تم إسقاط صدام حسين حتى بدأت إيران تضع يدها على العراق بتواطؤ واضح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
من جهة أخرى فإن نجاح إيران في مشروعها الوطني لإزالة أثار الحرب مع العراق، وتجاوزها نحو تنمية متمحورة على الداخل، خصوصا في المجالات المرتبطة بالقوة بمعناه المباشر، حولها من جديد إلى دولة إقليمية مركزية. ومن الطبيعي والحالة هذه أن تبحث هذه الدولة المركزية عن مجال حيوي لتصريف فائض القوة الذي صار لديها هذا من جهة، ومن جهة ثانية لتأمين مجال حيوي لنفوذها السياسي يكون أكثر استقراراً، فكان تدخلها في شؤون بعض الدول العربية تحت عناوين دعم المقاومة ومحورها ضد إسرائيل بداية، ولاحقا تحت عناوين محاربة الإرهاب التكفيري المتطرف، دون أن تخفي المرتكزات المذهبية لهذا التدخل.
في المقلب الأخر كانت المملكة العربية السعودية، وأغلب دول الخليج العربي تراقب هذه التحولات في الجانب الإيراني بتوجس كبير، مطمئنة إلى أن حلفاءها الغربيين لن يتساهلوا مع إيران في حال تهديدها لأمنها. غير أن الكشف عن المفاوضات السرية التي كانت تجري منذ وقت طويل نسبياً في سلطنة عمان بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي لهذه الأخيرة، واقتراب هذه المفاوضات التي صارت علنية ورسمية بمشاركة (5+1) من خاتمة ناجحة، بدون علم السعودية بداية، وبدون أخذ هواجسها تجاه إيران بعين الحسبان تالياً، قد جعل حكام السعودية، ولأول مرة في تاريخ العلاقات الأمريكية السعودية يعلنون عن انزعاج شديد من السلوك الأمريكي، الذي عبر عنه بصورة مكثفة وفجة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما قال: " ليعذرنا أصدقاؤنا السنة.." في إشارة إلى دول الخليج، "..فإيران دولة قوية، ولديها رؤية إستراتيجية، وقد قبلت التعامل معنا وفق منطق الربح والخسارة".
وازدادت خيبة السعوديين من الإدارة الأمريكية أكثر، وصار الانزعاج منهم تعبيراً عن خلافات سياسية كبيرة ومعلنة، عندما تجاهلت إدارة أوباما، مرة أخرى، السياسة السعودية المعلنة تجاه سورية، فامتنعت عن توجيه ضربات عسكرية للقوات السورية، تقوض حكم الأسد، الأمر الذي كانت تراهن عليه السعودية كرد قوي على إيران.
لقد أخطأت السعودية عندما دعمت أمريكا في غزوها للعراق في عام 2003، وأخطأت عندما أخذت تدعم الميليشيات السنية المتطرفة، وأخطأت أيضا في سورية عندما دعمت عسكرة الانتفاضة السورية وسيطرة المتطرفين عليها، بحيث كانت مساهمتها واضحة في دعم تكوين معارضة مذهبية إرهابية أخذت تشكل خطراً جدياً على دول المنطقة، وعلى المصالح الأمريكية الأمر الذي استدعى تشكيل حلف دولي من نحو ستين بلدا لمحاربة داعش تقوده الولايات المتحدة. بكلمات أخرى فإن السلوك السعودي والخليجي عموما، بالتعاون مع تركيا قد خلق الظروف المناسبة لمزيد من التدخل الإيراني في شؤون بعض الدول العربية وخصوصا في سورية والعراق، بذريعة محاربة القوى التكفيرية الإرهابية. في هذا الصراع لا خيار أمام الولايات المتحدة الأمريكية غير التعاون مع إيران فيه، بل وقد تعمل على إعادة تعويم النظام السورية إذا أرادت فعلاً القضاء على داعش في سورية. هذه الأخطاء السياسية السعودية تسببت في انزعاج الولايات المتحدة الأمريكية، ليصير الانزعاج غضبا بعد أن دعمت السعودية انقلاب السيسي في مصر، وهذا ما عبر عنه علنا نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما اتهم حكام السعودية وبعض دول الخليج العربي إلى جانب تركيا بدعم الإرهاب في المنطقة.
اللافت هو سلوك السعودية السياسي المختلف والصائب في اليمن، إذ دعمت الحوار في هذا البلد منذ البداية، ومارست ضغوطا على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لكي يتنحى. غير أن إيران المتورطة بصورة واسعة في العراق وسورية، تحت يافطة الذرائع التي خلقتها لها السعودية وغيرها من دول الخليج والتي عنوانها محاربة الإرهاب، في حين هي فعليا تدافع عن حلفائها، عملت على إفشال مساعي السعودية ودورها في اليمن، فعمدت إلى تشجيع حلفائها من الحوثيين وتيار علي عبد الله صالح على نقض نتائج الحوار الوطني بين الفرقاء اليمنيين، والعمل على السيطرة على اليمن بكامله، وهذا ما لم يكن بمقدور السعودية القبول به فجاء ردها في صيغة " عاصفة الحزم". وهكذا فكما نجحت السعودية بصورة موضوعية على الأقل، في توريط إيران في صراع مكلف وطويل في سورية والعراق، فقد نجحت إيران لكن بصورة واعية ومقصودة في توريط السعودية في صراع مفتوح على كل الاحتمالات في اليمن، ولا شك بأنه سوف يكون طويلا ومكلفاً.
أمام هذا المشهد العربي المذري بدأ الحكام العرب يتحدثون عن "الأمن القومي العربي"، الذي هم أكثر من أساء إليه في فلسطين، وفي ليبيا، وفي سورية، وفي العراق وعلى امتداد الوطن العربي بأشكال مختلفة. أغلب الظن فإن ما يقصدونه من حديثهم عن " الأمن القومي العربي" لا يتجاوز حدود أمن دول الخليج فقط، وهو على كل حال صار بعيد التحقق بعد "عاصفة الحزم" السعودية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتيجة خسارة التحدي.. قمر الطائي تعاقب بطريقة قاسية ??????


.. بعد رحيل -رئيسي- .. إيران أمام أخطر 50 يوما في تاريخها




.. فتح تحقيق بأسباب تحطم طائرة رئيسي.. ووفد رفيع يصل مكان الحاد


.. شبكات | انتقادات لمخرج مصري بعد مباراة الزمالك ونهضة بركان




.. شبكات | احتفاء بأمانة طفل يمني