الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الترابط بين اليمن وسائر الإقليم

معتز حيسو

2015 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


من الواضح أن المجتمعات العربية: شعوباً وحكومات، تمرّ في مرحلة من التعثّر والتراجع. وهذا يجعلها تقف على عتبة الانهيار الشامل والعميق. ويُزيد من أزمتها العامة والمركّبة، ارتهان حكوماتها للخارج. وهذا يساهم في إدخالها في صراعات بينية، وأخرى إقليمية. من نتائجها تعميق التناقضات الداخلية التي وصلت إلى درجة بات الخروج منها مستعصياً. ذلك نتيجة تركب وتداخل الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. إضافة إلى تنابذ وتشتت القوى السياسية والمدنية، وإغلاق الحكومات آفاق التطور الموضوعي لمجتمعاتها.
والأوضاع في اليمن لا تشذُّ عن أوضاع باقي المجتمعات العربية المتأزمة. ويمكننا القول إن ترابط وتداخل وتشابك حلقات الصراع في المنطقة العربية يدلّل على إن تداعيات الصراع في العراق وسوريا تنعكس على الأوضاع اليمنية. أيضاً فإنّ تطور المعارك في اليمن ونتائجها سيكون له انعكاسات مباشرة وملموسة على مجريات الصراع والتحولات السياسية في العراق وسوريا. ومن الواضح أن الأسباب الحقيقية لانطلاق عمليات« عاصفة الحزم» التي تسعى من خلالها الرياض إلى تمكين تحالف عربي وإسلامي. تعود إلى عوامل متعددة منها:أولاً: دوافع إقليمية ودولية محمولة على جذور دينية «مذهبية وطائفية» مغلّفة بأهداف سياسية. ثانياً: التمدد الإيراني في العراق وسوريا واليمن. وهذا أثار مخاوف الرياض من الهيمنة الإيرانية على المنافذ البحرية« باب المندب، هرمز». إضافة إلى أن زيادة النفوذ الإيراني الذي يرتبط بشكل مباشر بسيطرة الحوثيين على مقاليد السلطة، وبالتالي السيطرة على الحدود مع العربية السعودية، يُثير مخاوف المملكة من انتقال تداعيات الصراع إلى داخل أراضيها. وهذا يتنافى مع التصريحات الأمريكية التي أشارت إلى أن الخطر على السعودية ليس من خارج حدودها، لكنه يكمن في تفاقم حدة التناقضات الاجتماعية والسياسية الداخلية. ثالثاً: التوافق الإيراني مع دول 5+1 على الملف النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران. وهذا بالنسبة إلى الرياض سوف يعزز مكانة إيران العسكرية والسياسية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي. وهنا تتقاطع مصالح الرياض مع المصالح الإسرائيلية وبعض الدول الغربية والإقليمية في تحجيم القوة الإيرانية وإعادتها إلى حدودها الطبيعية الجغرافية والسياسية. وهذا يتزامن مع اشتغال الإدارة الأمريكية على إشاعة مخاوف الحكومات العربية وتحديداً الخليجية من برنامج إيران النووي. ويتجلى ذلك في اللحظة الراهنة من خلال الصراع الذي تقوده الرياض ودول أخرى لمواجهة إيران عبر أشكال مباشرة وغير مباشرة في اليمن وسوريا والعراق. من جانب آخر تكشف عاصفة الحزم بشكل واضح، عن حجم الاستقطاب والارتهان العربي إلى مشاريع إقليمية ودولية كبرى. إذ ترى بعض الأطراف أن التحالف الذي تقوده الرياض يُعبّر عن صحوة عربية. وسوف يؤدي إلى تعظيم قوة عرب ويعيد إليهم «مجدهم الغابر ووحدتهم المفقودة» وسوف يساهم في إنهاء سياسات إيران التوسعية. وفي ذات السياق، تطالب الأطراف ذاتها بتوسيع عمليات التحالف السعودي إلى سوريا. دون أن يُدركوا أن ما تقوم به الرياض. يمكن أن يزيد من تشتت المجتمعات العربية، وتناحر حكوماتها. ومن الممكن أن يساهم في تقسيم المنطقة العربية وتفتيت بنيتها الاجتماعية نتيجة تعميق حدة الصراع المحمول على أهداف مذهبية وطائفية وجهوية، وأخرى سياسية محمولة على أبعاد إقليمية ودولية. وهذا بالتحديد يُعبّر عن جوهر مشروع شرق الأوسط الجديد الذي تُشكل الفوضى الخلّاقة مدخله المباشر. وتجليات ذلك واضحة في العراق. ورغم اختلاف الأسباب والتجليات، فإن ما يجري في سوريا وليبيا واليمن يصبُّ في ذات السياق. ومن المعلوم أن الدول الكبرى في سياق تحقيق مصالحها، تشتغل على توظيف أمراض البنية الشمولية للنظام العربي، ووهم بعض الفصائل المعارضة التي ترى أن العامل الخارجي سوف يضع المجتمعات العربية على عتبة التغيير الديمقراطي. فكان ذلك بمثابة مقدمات موضوعية إلى تهديم كيانية الدولة، وتفتيت المجتمعات وإدخالها في صراعات لن تنتهي مفاعيلها وأسبابها في المدى المنظور. وهذا يستدعي دراسة الأوضاع العربية حتى يُصار إلى وضعها في سياق تطورها الموضوعي انطلاقاً من المحافظة على المصالح الاجتماعية العليا، ومبدأ السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني الذي يندرج موضوعياً في سياق الإنفتاح على العالمية من منظور التكامل. وهذا يتناقض بشكل ملموس مع سعي دول كبرى وأخرى إقليمية إضافة إلى مؤسسات مالية عالمية إلى إحلال آليات عمل اقتصادية نيو ليبرالية، وميول سياسية تناقض مصالح وأهداف المواطن العربي: السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن استمرار الأوضاع العربية الراهنة سوف يؤدي إلى إعادة إنتاج أمراض الاستبداد والتخلف. لكن هذه المرة من منظور أكثر خطورة ودمار. وهذا يتعدّى حدود رحيل الأنظمة الراهنة أو بقاءها، كونه نتاج تسويات دولية وإقليمية بالدرجة الأولى، ومفاعيل داخلية بالدرجة الثانية. لكن الأخطر هو أننا حكومات وشعوب ومعارضات نقف على عتبة السقوط في مستنقع صراعات دينية ومذهبية وجهوية وعشائرية ستقود إلى نشوء كيانات وظيفية تعمل على اقتلاع جذور الحضارة، والقضاء على تجلياتها المشرقة. إضافة إلى ذلك فإنها ستقضي على إمكانية التعايش السلمي بين مكونات المجتمعات العربية. وهذا لن يتوقف على شكل ومستوى العلاقة بين الدول العربية الذاهبة كما يبدوا إلى مزيد من الصراع والتبعية. بل ستطال تركيبة مجتمعاتنا، فتزيدها تفتيتاً وتقسيماً وتناحراً. أما من سيدفع ثمن ذلك، فإنه المواطن المُفقّر والمهمّش.
ختاماً نرى أن الأوضاع في اليمن وكذلك في سوريا والعراق و«ليبيا» محكومة بالترابط والتداخل الإقليمي والدولي. وبقدر ما نحتاج للخروج من أوضاعنا الراهنة إلى المناعة والقوة الذاتية. فإننا نعاني من تداعيات «خضوعنا ـ إخضاعنا» إلى مفاعيل خارجية، إقليمية ودولية. وهذا يوضّح إشكالية تحوّلنا إلى أدوات وحلقات وظيفية ضمن مشاريع خارجية. أما نتائج وتداعيات الحرب السعودية على اليمن، فإنها لن تكون محصورة في اليمن. ومن المُرجّح أنها ستحمل ملامح «تحولات» عربية وإقليمية جديدة. والغرب ليس بعيداً عن ذلك. فهو ما زال يمسك بخيوط التحولات العربية والإقليمية. أما إسرائيل، فإن أوضاع العرب الراهنة، وآفاق تحولاتها المحتملة، تخدم تفوقها الإستراتيجي. وفيما يخصُّ الموقف التركي والباكستاني من عاصفة الحزم. فإن كلا الحكومتين تنظران إلى الموضوع من منظار مصالحهما الاقتصادية، فكان تقاربهما مع إيران أكثر جدوى وفائدة لهما. وهذا لا ينفي خلافهما السياسي وبشكل خاص تركيا، مع إيران الطموحة إلى تجاوز حدودها الجيو سياسية.
************************************************************************








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا