الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفارماكوس - pharmacos - أو الفيروس البشري

تفروت لحسن

2015 / 4 / 26
كتابات ساخرة


يشهد الموروث الفلسفي المتواتر عن اليونان القديمة أن الإغريق كانوا يعتقدون أن أسباب شرور المدينة ومصائبها لها علاقة بالعنصر البشري. فكانوا يسندون هذه الآفات إلى شخص له منزلة نذير الشؤم. انه الجالب للنحس في اعتقادهم، إن لم يكن هو نفسه المسؤول عن ما يحل بالمدينة. وللتخلص من هذا " المنحوس " كان أهل أثينا ينظمون احتفالا سنويا لمدة ستة أيام، يسمونه " التراجليا ". حيث كانوا يبحثون عن بعض الأشخاص المفترض مسؤولياتهم عن مصائب المدينة، فيقتلوهم بعد أن يحرقوهم ليرمى رمادهم خارج المدينة. أو في بعض الحالات يطردونهم جارح أسوار المدينة. هذا الشخص الجالب للنحس يسمى " الفارماكوس "" pharmacos " ، وله نفس المعنى في الثقافة الشرقية، التي تصنف الفارماكوس في مرتبة الأبله أو المجنون، مع ما يتطلبه ذلك من أساليب النبذ والإبعاد.
الفارماكوس إذن، هو المسؤول عن تردي الأوضاع، عن الجفاف، عن الفقر، عن البؤس، عن الأمراض، عن ... فكلما ابتليت مدينة بالانحطاط والقحط والشر الا وكان هناك " فارماكوس ". هذا الكائن البشري يشبه فيروسا بشريا ينخر المجتمع، ويسبب له المزيد من المعاناة. لهذا فكلما اتصفت جماعة بالسقم والاعتلال الا وكان سبب ذلك هو " الفارماكوس ". ولتخليصها من هذا الشؤم، لابد من تحريرها من هذا الشرير، المصدر للشر، أو على الأقل نبذه وابعاده خارج أسوار المدينة.
المناداة برحيل بعض المسؤولين، أو ما يعرف بفعل الأمر " ارحل " هي إعادة إنتاج للصراع القديم مع الفارماكوس. وإذا كانت السنوات الأخيرة تشهد على هذه الواقعة، كإبعاد " ابن علي" خارج المدينة، أو سجن " حسني مبارك "، او القضاء على " القدافي " أو ...، فان التاريخ يبين أن هذه الحالات ما هي إلا أمثلة للاستذكار، تذكرنا بقصة " الفارماكوس ". هذا الأخير قد يكون ذكرا أو أنتي، كما أنه ليس واحدا ولا ينحصر في مجال، فهو يتواجد في واجهات عدة؛ كما أن الفارماكوس أنواع وأشكال، منها الصغير والمتوسط والكبير.
المعلوم أن الإغريق، ومنهم أفلاطون، قد تحدثوا عن الفارماكوس، بل ومنهم من ارتبط ميلاه بعيد الفارماكوس، كما هو الأمر بالنسبة لسقراط، الذي رفض أن يهرب خارج المدينة خوفا من أن يصنف في فلك الفارماكوس. لكن يمكن بمقتضى التأويل الرجوع بحكاية الفارماكوس الى عهد بعيد، إلى الجنة. فالفارماكوس يكافئ الشيطان، هذا الذي يعتبر بحق هو المسؤول عن مصائب ابن آدم. لذلك آمره الله بالرحيل، بالمغادرة، بدون رجعة، إلى الخارج، إلى العالم السفلي. ولهذا مازال المسلم يضع ضمن واجباته الدينية القصوى رمي هذا الفارماكوس لحظة الحج.
يمكن للهرمينوطيقا أن توفر لنا الأدوات اللازمة لإعادة النظر في طاهرة الفارماكوس معاصرا، ولذلك نجد أن هذا اللقب يحظى بصفة " المفهوم الرحال "، فله صفات التجوال في عدة مناحي حياتية يومية، فنجد الفارماكوس في الأسرة والعائلة، في المدرسة والجامعة، في الإدارة والجماعة الترابية، في السلطة والمالية، في الحكومة، في القضاء... المهم ينتشر الفارماكوس في مجالات عدة، ويبقى في جوهره واحدا رغم اختلاف مظاهره. لكن المشكل هو أننا، في الوقت الحالي، لا نبحث عن الفارماكوس الحقيقي، لمحاسبته ومعاقبته، بل نبحث عن شبه فارماكوس. فعند حدوث شر في المدينة ؛ فيضان، حوادث، سرقات، نهب ... نبحث عن كبش فداء لنلصق له درجة الفارماكوس، علما ان الفارماكوس الحقيقي يبقى في منأى عن المراقبة والمحاسبة. بالعامية المغربية : " طاحت الصمعة، علقوا الحجام ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنانة الراحلة ذكرى تعود من جديد بتقنية -اله


.. مواجهة وتلاسن بكلمات نابية بين الممثل روبرتو دي نيرو وأنصار




.. المختصة في علم النفس جيهان مرابط: العنف في الأفلام والدراما


.. منزل فيلم home alone الشهير معروض للبيع بـ 5.25 مليون دولار




.. إقبال كبير على تعلم اللغة العربية في الجامعات الصينية | #مرا