الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة الأسماء الماكرة

عبدالله مهتدي

2015 / 4 / 27
الادب والفن



لعبة الأسماء الماكرة


وأنا أقرأ قصيدة العزيزة حليمة زين العابدين،"مرثية العم عامر"،ذكرتني بشيء لم أتبينه حينها،مأخوذا بالدفق الشعري الجميل الكامن في طيات القصيدة.بعدها ستصلني رواية"الحلم لي"للأخت حليمة،بطريقة لا تخلو من حس أخوي راقي ورفيع،ومن نبل دافئ أثر في كثيرا.
انهمكت الليل في قراءة عاشقة للرواية،وأنا مأخوذ بلهفة حارقة لسماع أصوات حليمة زين العابدين المتعددة،كي أدخل عوالم حكيها الذي يجعلك تعيش خدرا جميلا دون أن تفقد العلاقة بما يجري،حكي-والأخت حليمة تستعمل كلمة سرد-مثقل بالشجن والحلم،مفتون بالغوايات،متألق في لغته الصاحية ،الشاعرية،المستفزة والمستنفرة للحواس كي تقرأ علامات الصمت مثلما تقرأ الكلمة المترنحة وهي تحمل أكثر من معنى.
ثم أوقفني اسم"عامر"، كان هو ذاك الشيء الذي أحسسته سابقا وأنا أقرأ القصيدة، ولم أتبينه،مثلما أوقفتني تيمة "الحلم".
أخيرا تذكرت،في مرحلة تجربتي الجمعوية المتواضعة بدار الشباب بوشنتوف،كنت قد كتبت نصا مسرحيا بعنوان"مرثية الجسد الحالم"،وهو نص بسيط كانت شخصيته المحورية تسمى "عامر"،هذا الإنسان الحالم في عالم يضجرمن الحلم ويخاف، في زمن كان صعبا فيه أن تحلم،دون أن يرتجف جسدك،وترتعش روحك، "عامر"هذا سيعيش صراعا بين العطاء والنكران،بين التضحية والنسيان،بين البدل والجحود،يومها قمنا صحبة أخي محمد حياء منير بالتدريب على النص مستعملين مقر"الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"الفارغ،وهو المقر الذي كان متواجدا فوق مقهى" الجزائر"بساحة السراغنة،والمعروف بالأحداث التاريخية الكبرى،إلا أن ظروفا حالت دون إتمام هذا المشروع المسرحي.لم أسأل نفسي حينذاك لماذا اخترت اسم "عامر" رغم أنه لم يكن اسما متداولا.
أما اليوم ،وأنا ألتقي "عامر" حليمة زين العابدين،هذا الذي تبدأ الرواية شيئا فشيئا بنحث عوالمه الخاصة،وجدت نفسي أمام سؤال كان يجب أن أطرحه منذ "مرثية الجسد الحالم"،عن اسم "عامر"،وأطرحه اليوم بصيغة الآتي:كيف يختار المبدعون أسماء شخصياتهم في أعمالهم الإبداعية،سواء كانت في عمل كبير مثل "الحلم لي" ،أو في عمل متواضع ك"مرثية الجسد الحالم"؟
أعرف أن هناك مبدعون يمارسون عملية احتيال جميلة، في اختيار أسماء شخصيات أعمالهم الإبداعية، وأن اختيار الأسماء من الأسرار الصغيرة /الكبيرة في كل عمل إبداعي، لكن أعرف أيضا أن هناك أسماء تختار نفسها، أو تختارها الصد ف الماكرة.شكرا العزيزة حليمة، ذاكرة الاسم، وعبق الرواية، جعلاني أعود إلى "الزمن الجميل"، ربما مثلما أعدتك ب"عن البوح الذي يملك أجنحة طائرة ويمنحنا الحق في الحلم"إلى نفس ذاك الزمن، حيث الأجنحة ترفرف عاليا في سماء الروح.
(هذه مقاطع من ما تبقى من مسرحية"مرثية الجسد الحالم"، التي ضاعت مثلما ضاعت أشياء كثيرة. :

الرجل :–انهض يا عامر، انهض،......وليحملك الوقت على كف سؤاله،لاتقل سلام ،فالسلام بلا ثمن.

(عامر يرفع رأسه باحثا عن مصدر الصوت،يرى الرجل فيتبع تنقلاته على الخشبة بعينيه.)
الرجل :- تعترف الآن أنك أحببت،تعترف أنك احترفت العزف على أوتار الحلم،وتعلمت القفز على نبض القلب والكلمات،إذن،اكتب ، اكتب ما تبقى منك على صفحة الوجع الساكن فيك،واحمل نصفك المائي فوق مشرحة الجرح......حسنا لا عليك ،اقرأ إذن في حلمك كما يقرأ في الكف الجريحة،
(................................)
الرجل :- هل تنكر أن حلمك كان بحجم الشمس،بسعة الأفق،موج هادر يملأ زمنك شغبا وعشقا؟
عامر :-حلمي أنا !؟ حلمي كان بحجم زهرة، عيناها كوجه القمر، كان يأتيها كل صباح، بأخبار المدن المتعبة، طائر مائي يدعى نورس الغسق، ثم يحكي لها الحكايات ويمضي،
الرجل : –وما تقول عن الصمت ؟
عامر :-الصمت !؟
الرجل :-نعم، الصمت؟
عامر : -الصمت لغتي المستعارة،حنيني إلى التيه،سفر يعبر بي نحو دواخلي المتوجعة،الصمت منفاي
الرجل :-أيعقل أن يكون الصمت منفى !؟
عامر :-الصمت منفاي الذي لا منفى سواه.
(.......................................)
الرجل :-وجرحك؟
عامر :-جرحي عرق ودم وذاكرة.
الرجل :-والناس؟
عامر :-الناس طبقات وأجناس وطبائع، الناس في كل مكان وزمان هم الناس، الناس بالناس، والناس مع الناس، والناس ضد الناس، الناس جسدي الذي لا يموت، ذاكرتي التي لا يقتلها الصمت.
الرجل : -وأحبابك الذين أدرت معهم دفة الزمن الرمادي؟
عامر :-قاسمتهم كل شيء، إلا الجرح، أحسست أنه لي وحدي...فكرت..لو تشركهم إياه يا عامر، وجدتهم بلا ذاكرة.
الرجل :-والآن؟
عامر :الآن، أعيش داخل الذاكرة، لأني أنا الذاكرة.
الآن، أعيش داخل الصمت، لأني أنا الصمت.
الآن، أعيش داخل الحلم، لآني أنا الحلم.
الرجل :-الذاكرة......الصمت.....الحلم........،أخيرا تعترف.
(...........................................)
عامر.........تساقط نزيفي عبر الجسد والذاكرة،ضاع بين ثنايا الوجع النازح من حفريات التيه،سقط جسدي بين حواشي المدينة بعد أن أدمن الفاجعة،فتشت حينها عن أسمائي بين نتوءات الصمت،....مشيت بين شوارع المدينة أبحث عن أشكالها الأولى، أفتش عن سماء أخرى أزفها للبحر...
(...................................................................)
الدار البيضاء 10/10/1990








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي