الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كَيْفَ تُؤسّسُ أجهزة إعلام حرة في مثل هذا الخوفِ والفوضويةِ؟

كهلان القيسي

2005 / 9 / 28
الصحافة والاعلام


في الأسبوع الماضي أصبحَ الصحفي العراقي فاخر حيدر التميمي القتيل الرقم السادس والثلاثون من قتلى الصحافة العراقية منذ بدايةِ الحربِ. صديقُه غياث عبد الأحد يشرح القصة، في مجزرةِ ما بعد الحربِ، زملائنا أَصْبَحوا الأهدافَ الأسهل.
كُنْتُ أَخَافُ هذه اللحظةِ منذ أسابيعِ، لَكنِّي عَرفتُ بأنّها ستأتي حتماً. الليلة الماضية قبل أن أتوجه إلى بغداد؛ استعددت لسفرةِ أخرى إلى تلك المدينةِ المنكوبةِ لكي أتابع العنفِ المتصاعد لحد الآن. لأسابيع كاملة، عِشتُ في النكرانِ. قلت في نفسي، لا، لا يَحْدثُ شيء؛ لا، سوف لا أَعُودُ إلى هناك. لقد َتحمّلتُ الكثير، لا سوف لن أَعُودُ إلى العراق. لكنني أخيرا استسلمت بَدأتُ بطمأنة أصدقائِي القلقينِ بأنَّني ساكنون في أمان هناك - مع ذلك، فهي لَيسَت بتلك الخطورة.
ليلة الإثنين الماضية جَلستُ، بشكل خجول، في غرفةِ نومي، احْزمُ حقائبَي. كُنْتُ أَغْارقاُ في الكآبةِ - خَلِيْط إحتِراق فيه القلقِ والخوفِ في أحشائِي. أردتُ صَرْف إنتباه نفسي، لذا بَدأتُ بالمُرور بروتينِ وقتِ نومي المفضّلِ: التَدقيق لآخر الصورِ مِنْ العراق. ماذا غاب عني في هذا اليومِ وأنا مختبئ في لندن؟
وفجأة وقعت عيني على صورةِ شرطي يرْفعُ غطاء ليكشف عن جثّة في مشرحة مستشفى. كَانَت الصورة من النوعَ الذي شاهدته مئات المرات قبل ذلك. ثمّ قَرأتُ التعليقَ الذي قاله الشرطي. . إنها جثة فاخر حيدر التميمي...
قلبي تَوقّفَ ودموعي بَدأتْ تنهمل. وقلت في نفسي هذا لا يُمكنُ أَنْ يَكُونَ فاخر، وبَدأَ باهتياج أفتش في مواقع الانترنت بحثاً عن تفاصيلِ أكثر. رُأيت مقالا بخطّه في النيويورك تايمزِ مِنْ اليوم سابق، أنا طُمأنتُ سريعاً. لكن ثمّ قَرأتُ قصّةَ موتِه على نفس موقعِ الصحيفة.
قَرأَت التقريرَ.
"صحفي ومصور عراقي يَعْمل للنيويورك تايمزِ في البصرة وُجِد ميتا في وقت مبكّر من يوم الأثنين بَعْد أنْ إختطفَ مِنْ بيتِه مِن قِبل مجموعة من الرجال المسلَّحين الذين يَلْبسونَ الأقنعةَ والادعاء بانهم ربما َيَكُونونِ ضبّاط شرطة، "
"الصحفي، فاخر حيدر، 38 عاما، وُجِدَ وأيديه رَبطَت على رأسهِ في منطقة مَهْجُورة على أطرافِ البصرة، في جنوب العراق، ساعات بَعْد أنْ اقتيد مِنْ بيتِه في تلك المدينةِ. احد أقربائه الذي نَظرَ إلى جثته في مشرحةِ المدينةَ قالَ بأنّه كَانَ مصاب على الأقل برصاصةِ واحدة في رأسهِ والكدماتِ على ظهرِه كما لو أنَّ هو كَانَ قَدْ عذب."
أنهيتُ المقالةَ وبَدأتُ البَحْث ثانيةً. وَجدتُ صورةَ أخرى له على الشبكة: فاخر يقف بجانب مصوّر في البصرة بطلته المُتميّزةِ و- إبتسامته الكبيرة -. فاخر كان بتسمَ دائماً ودائماً يصافحَكَ بِحرارة, ودفتر ملاحظات صغير في يَدِّه الأخرى. هو كَانَ السلطةَ الوحيدةَ على أيّ شئِ كان يحَدثَ في البصرة. صحفيون مِنْ جميع أنحاء العالم يُبحثون عن فاخر طلباَ للمساعدةَ لمعرفة الواسعة عن جنوب البلادِ. كان يعَرفَ كُلّ شخصَ وكُلّ شيءَ.
لان إبتسامتِه الكبيرةِ، ظلّلَت بشارب كثيف ضخم بعنف غير متناسب بوجهِه النحيفِ، عندما كنت معه في البصرة شَعرَت بالأمان دائماً مَعه. رَأيتُه لآخر مَرّة قبل شهرين. نحن كُنّا في بغداد، في شارع مُظلم خارج القلاعِ المُحَصَّنةِ للصُحُفِ الغربيةِ. بَدا حذراً، لكن ما زالَ إجبارياَ يُخفّفهُ بابتسامته.
إحدى الأشياءِ التي جَعلتْه صحفي جيّد جداً كَانَ مهووسا بالتفاصيلِ الدقيقة. عندما سألته عن بَعْض الإشاعاتِ المنتشرة عن الإشتباكاتِ بين القبائلِ المتنافسةِ في البصرة. أخبرَني القصّةَ، أعداد الناسِ المتُحاربُين، الأسلحة، الوقت. أنا كنت لا بُدَّ أنْ أُذكّرَه، باعتذاري، لأنّني اهتممت بكتابة بضعة كلمات حول المعركةِ، و لَيسَ كتاب.

فاخر أحد الصحفيين الـ56 الّذين ُقْتَلواَ في العراق منذ أن بَدأتْ الحربَ. هو أيضاً الصحفي العراقيُ السادس والثلاثونُ الّذي قتل، طبقاً إلى لجنة حماية الصحفيين التي مقرّها نيويوركِ. وفي الأربعاءُ الماضي أصبحت أحلام يوسف مهندسه تعْملُ لشبكة تلفزيونيةِ عراقيةِ الرقم37. ، قُتِلتْ في الموصل مَع زوجِها.
"الصحافة الأجنبيةِ غير قادرة على التَحَرُّك بسهولة وبحرية لخوفِهم من القتل لذا أَصْبَح الصحفيون العراقيون عيونَ وآذانَ العالمِ في هذا النزاعِ، " كما جاء في بيان مِن قِبل آن كوبير مدير منظمة حماية الصحفيين على موقعِهم في الانترنت. "العنف الأخير يُهدّدُ بقطع مصدرِ المعلومات الحرجِ."
عمل التقارير الصحفية مِنْ العراق يُصبحُ شبه مستحيلَ حيث وضعت قوانين إجرائيةَ جديدةَ لأغلب أجهزةِ الإعلام الأجنبيةِ. ما عَدا حفنة من الصحفيين، كُلّ شخصَ يَخْرجُ يجب أن يكون ضمن القوافلِ المُسلَّحةِ، إذا خرجوا من ألاماكن المحمية. إذا كان طولك ستة أقدام وشعرك مسترسل, ستكون غبيا بما فيه الكفاية للمَجيء إلى بغداد، ثمّ أنت من المفضّل لك أن تلازم مسبحِ الفندقَ أَو القلعةَ أو وكالتِكَ، والسفرة الاستعراضية مضمونة لك مع الجيشِ الأمريكيِ. بدلاً مِن ذلك بأَنْك يُمْكِنُ أَنْ تَعتمدَ على مستخدميكَ العراقيينِ للخُرُوج وجلب القصة إليك.
خَلِيْط من الذنبِ والمسؤوليةِ والطموحِ يَستمرّانِ بتعجيل إيصاْل الصحفيين العراقيينِ إلى نهايتهم كُلَّ مَرَّةٍ. إنّ المرارة الذي تَحْصلُ عليها مِنْ تَقديم تقريرك عن الحقائقِ بعد العديد من عقودِ الأكاذيبِ متعذرة وصفهاُ. تَشْعرُ بأنّك يُمْكِنُ أَنْ تُخبرَ العالمَ ما الذي يَحْدثُ حقاً، لَكنَّك تَشْعرُ أيضاً بأنّك آمن الطريقِ بسبب مظهرك، بسبب لحيتِكَ القذرةِ أَو شاربِكَ. لكن أبعد ما يكون عن ألحصانه، الصحفيون العراقيون هم الذين يقتلون ألان.
الصحفيون العراقيون، حالهم كحال الصحفيين المحليّينِ في جميع أنحاء العالم، غير مترفين لتَرْك البلادِ كُلّ بِضْعَة أسابيعِ في نهايةِ مهمّتِهم. بِضْعَة منهم الذي غادر البلادِ ينتهي بهم المطاف كلاجئين، يَشْربُ بشدّة في حاناتِ لندن قبل أن يُجْرّواَ إلى الجحيمِ.

فكرة الصحافةِ العراقيةِ المستقلةِ قتلت بعد أن ولدَت منذ سنتانَ فقط، القليل منهم استشهدوا بكُلّ بشرف ويَتحدّى كهؤلاء أل 37 شخصَ. الصحفيون العراقيون يُقْتَلونَ مِن قِبل الأمريكان، المسلحين، المليشيات والشرطة. هم يُخوفونَ وفي أغلب الأحيان ويُهدّدونَ مِن قِبل أي واحد لا تروق له تغطيتَهم الإخبارية. ليس هناك قواعد حماية لهم؛ ولَنْ يُسْمَح لهم بسيارات فارهة سريعةِ وحراسِ، معظم عائلاتهم وبيوتُهم تقع في أغلب الأحيان المناطق الشعبية. ويُمْكِنُ أَنْ يُكتشف مكان وجودهم بسهولة، لهذا السبب هم في أغلب الأحيان في خطِ النار.
وكالات الأنباء معتمدة على الصحفيين المحليينِ الذين يَغطّونَ الأحداثَ في بلداتِهم المحليّةِ، حيث حتى العراقيون مِنْ المدينةِ الأخرى لا يستطيعُون الذِهاب. أولئك الناسِ يَتْركونَ هناك بالاعتِماد على أنفسهم، ضعفاء في وسطِ المسلحين. الأمريكان يَعتبرونَهم في أغلب الأحيان متعاونين مع المسلحين أَوانهم كمسلحين أنفسهم، خصوصاً إذا يَعْملونَ لقناةِ أخبارِ عربيةِ. إذا هم لَمْ يُقْتَلوا رمياً بالرصاص في قتال، هم يُمْكِنُ أَنْ يَنتهوا في الرعايةِ الأمريكيةِ.
هذه لَيستْ ظاهرة فريد إلى العراق. الصحفيون المحليّون يقتلون في جميع أنحاء العالم، مِنْ كولومبيا والفلبين إلى لبنان. إنّ الاختلاف هو إن حربِ العراق" القصّةُ الأكبرُ( الخبر المهم) في العالمِ الآن، والمصورون العراقيون وحاملي الكاميرات والمراسلون كُلّهم تحت ضغط من رؤسائِهم – عوضا عن أنفسهم – لتقديم أخبار وتقارير الشّيء الذي أصبح مستحيل جداً تقديمه ألان.
كَيْفَ تُؤسّسُ أجهزة إعلام حرة في مثل هذا الخوفِ والفوضويةِ؟ كَيْفَ نتوقع مجرمين ببنادقِ الكلاشينكوف في احترام أجهزةِ الإعلام؟
عندما، قُتِل الصحفي الأمريكي ستيفن فنسينت في البصرة في آب، غطيت حادثة مقتله بشكل واسع الإنتشارَ، وصُحُف حول العالمِ إستعملتْ المناسبةَ لمُنَاقَشَة جريمة القتل المروّعةِ من قبل المليشيات في الجنوبِ. لكن عندما قُتِلَ فاخر، ما عَدا جزء من قصّةِ النيويورك تايمزِ، إستحقَّ موتَه بالكاد إشارة.

سبتمبر/أيلول الإثنينِ 26, 2005
الغارديان
ترجمة: كهلان القيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله: الأحزاب السياسية في لبنان تواصل إصدار بيا


.. صفارات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وشوارع خالية من السكان




.. كيف يبدو المشهد في المنطقة بعد مقتل حسن نصر الله؟


.. هل تنفذ إسرائيل اجتياحا بريا في جنوب لبنان؟ • فرانس 24




.. دخان يتصاعد إثر غارة إسرائيلية بينما تصف مراسلة CNN الوضع في