الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين بيان نساء سورية و أغاليط عمار ديوب هدى أبو عسلي وجرائم الشرف

باسل ديوب

2005 / 9 / 28
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


أثارت جريمة قتل السيدة هدى ابو عسلي على خلفية زواجها المتجاوز للهيمنة الذكورية الأسرية وللبنية الطائفية التي يتمسك بها هذا الوعي ، جملة من ردود الفعل المستنكرة والرافضة ، وهذا مؤشر إيجابي جداً لاستقطاب علماني مدني وطني يشهر نفسه بقوة في وجه البنى الطائفية و الذكورية ،
وجدت إشباعاً كبيراً لهذه القضية في وسائل الإعلام الانترنيتية، وكان لموقع نساء سورية فضل كبير في تسليط الضوء على هذه الجرائم لكن هنالك ما عاب مقاربتهم في بيان الرفض فهو ينطلق من فهم قاصر لمفهوم الجريمة والعقاب في القانون السوري ، وجاءت مطالبتهم مشوبة بنكهة انتقامية متشددة (( لا لتبرئة المجرمين القتلة! نعم للقصاص العادل دون أي تخفيف أو عذر! )) ولغة البيان لغة "حربجية" تحريضية (( لكل مثقف أيا كان مجال عمله: ضع سيفك على رقبة هذا التخلف! )) -من بيان موقع نساء سورية-

في حين أن القضية معقدة ومتعلقة بوعي دارج وثقافة مهيمنة، وقياساً بلهجة البيان فإننا نتوقع من هذه العقلية أن تتشدد في موضوع عقوبة الإعدام و ترفض إلغاءها علماً أنها أسوء وأكثر العقوبات بربرية ولا عقلانية ، لا بل ان احد المتعاطفين مع الضحية طالب بإعدام هذا النوع من المجرمين (( أحمد الخليل: صحفي 17/09/2005
لقد أصبح ملحا تغيير القوانين وخاصة قانون الأحوال الشخصية والقوانين المذهبية.. واعتبار ما يسمى جرائم الشرف قتلا عمدا تستوجب الإعدام. )) كلنا شركاء 2592005
*********
لكن في الجوهر فإن المطالبة بإلغاء تلك المواد من القانون مطالبة محقة تماماً كما ان التشديد في عقاب تلك الجرائم مطلوب أيضاً ، و لكن في نفس الوقت هي جرائم من نوع خاص ومرتكبوها ليسوا مجرمين عاديين، و العقوبة كإجراء اجتماعي إصلاحي لا بد منه لكن الأهم هو النضال المجتمعي لمحاصرة وإضعاف هذه الظاهرة الرهيبة حتى إنهاءها ،و التي من ضحاياها أيضاً مرتكبوها ، ونشر الفكر المتسامح وثقافة حقوق الإنسان وحرية الاختيار الجنسي والتضييق على الزواج اللحمي* الذي يحفظ للجماعات الإثنية والمذهبية والطائفية ديمومة لوجودها المعيق لوحدة المجتمع والاندماج الوطني ، وقد كان لافتاً رأي أحد المفكرين الإسلاميين وهو الدكتور محمد حبش الذي أدان الجرائم هذه بشدة ولم يوارب ويبدي حيادية وبرود جليدي غير مقبول دينياً وإنسانيا كالذي أبداه شيخ العقل الثاني لدى الطائفة الدرزية التي تنحدر منها السيدة هدى، الذي جاء كلامه الحيادي حول الجريمة ككلام القوى الكبرى في العالم التي تساوي الجلاد بالضحية وتقف ضد العنف من الطرفين !! ومما قاله انه لا يشجع على القتل بسبب الزواج من غير المذهب ،وكأن القتل هواية أو رياضة يشجع عليها أو ينصح بالابتعاد عنها !! وأن قتلها مشكلة عائلية !!! في حين يتدخل رجل الدين في الشاردة والواردة ، وقدم الدكتور حبش رؤيته الشرعية للموضوع وتبنى المطالب الحقوقية لنساء سورية بحذافيرها ، مقابل هذا يسهب السيد عمار ديوب في عرض القضية فيقع في مغالطات كثيرة مفتقداً المعلومات الدقيقة ومحيلاً الجرائم هذه إلى سيطرة شريعة طائفة بعينها على الطوائف الأخرى ، ولا نعرف من أين استقى معلوماته (اغاليطه ) وهل هي تبرير ضمني عقلي لنزوع ذكور طوائف بعينها ( الأقليات ) لقتل نساء منها يتزوجن من شباب من الطائفة المهيمنة، أم تبرم من أغلبية تتخذ منحى أصولياً ، و برغم الأصولية المنتشرة فإن المنتمين إلى طائفة الأغلبية هم أكثر الفئات تقبلاً للآخر وانفتاحاً ، هنالك نقاط مهمة يجب دراستها منهجياً وإحصائياً قبل كل شيء وإذا كانت الإحصاءات غائبة لا ما نع من المقاربة
فجرائم الشرف لا ترتبط بطوائف بقدر ما ترتبط بريف ومدينة فهي تقل جداً في المدن وبالأخص الكبرى وتكثر في الأرياف كما ان الطوائف متفاوتة في انتشار هذه الجرائم في صفوفها فالريف الساحلي لا تنتشر فيه كريف حلب والفرات ، كذلك لدى الطوائف المسيحية تندر جداً هذه الجرائم في حين ترتفع في أوساطهم في الجزيرة السورية حيث البنية العشائرية الريفية ، وهي موجودة بقوة لدى الأقليات الأكثر انغلاقاً تبعاً لبنية مذهبية خاصة ( الدروز ) على عكس الأغلبية السنية بالمعطى المذهبي ، و هي تكاد تنعدم في الأسر التي مر ذكورها الفاعلون بإحدى التجارب اليسارية والماركسية
يقول السيد عمار ديوب ** :
(((تتعلق مشكلة التجييش الطائفي والقتل أيضاً ،بمسألة وجود شريعة مهيمنة على بقية شرائع المجتمع، وارتباط الزواج في مجتمعاتنا بالعقائد الدينية ، وعدم وجود زواج مدني خارج إطار الطوائف ،حتى ولوكان من نفس الدين ، ففي سوريا كل من يتزوج من خارج الطائفة السنيّة ،فتاة أو شاب سني،سواء أكان علوياً، اسماعيلياً ،درزياً ، مسيحياً، سيصير مسلماً سنياً لا محالة، وسيعلن تخليه عن مذهبه القديم ،وإتباع مذهب السنة الحنبلي
وهو ما يمنع جرائم القتل بالطائفة السنيّة ويسبب وجودها بغيرها، وتتضاعف المشكلة عندما يتم تسجيل الزواج والأولاد حتماً وجبراً وفرضاً واكراهاً وغصباً على المذهب السني الحنبلي")))
في سورية لا يوجد شيء في الأحوال الشخصية اسمه سنة أو سني حنبلي !!! فالقانون بنسبة ما هو قانون مدني لا علاقة له برجال الدين ولا دور لهم في تطبيقه ، و قد اعتمد في مسوداته ومواده على المذاهب الخمسة السنية الأربعة والمذهب الجعفري خامساً وأخذ منها كلها بتفاوت ، وخرج عن كثير من اجتهاداتها وما استقرت عليه ، و كنت أتوقع من مغالطات السيد عمار ان يتهم بسيطرة المذهب السني الحنفي المنتشر بكثرة في سورية والذي يرجع قانون الأحوال الشخصية السوري إلى ما غلب منه في حال عدم وجود نص ، الحنفي لا الحنبلي !!!! وهذا يدل على جهل فظيع بالقانون السوري وبالمكون المذهبي الأول للسوريين يذكرنا بما قاله احد أبطال مسرحية فيلم أمريكي طويل لزياد الرحباني في وصفه للآخرين المسلمين "" كلهن محمودات ""
، وبالنسبة للذكور والإناث من غير اليهود والمسيحيين ، لا يحتاجون إلى أية شكليات مذهبية ،ولا لتغيير مذهب على الإطلاق وهذا ما اتفق عليه الفقهاء حسب السنة المحمدية التي أخذت بها كل الطوائف الإسلامية ، كما عرفت الشريعة عقد الزواج على انه عقد مدني رضائي يعني غير ديني ولا يتطلب وجود شيخ أو رجل دين ، هذا هو الزواج في الإسلام تبادل الإيجاب والقبول بين الرجل و المرأة وبه ينعقد زواج يستلزم شروط صحة و تفصيلات ليس هنا مكانها لكنها لا تتعلق بطوائف أو غيره ، والمشرع السوري اشترط التسجيل في المحكمة الشرعية كإجراء مدني إداري فحسب ، فالمسلم من كل الطوائف يتزوج المسلمة من كل الطوائف من دون أي مشكلة ولا يتطلب ذلك في القانون السوري أية مطالب مذهبية
أي شاب مسلم لا يحتاج للزواج من فتاة من طائفة أخرى سوى الاتكال على الله ، وتبادل الإيجاب والقبول معها وتوثيق ذلك في مكتب محامي مسيحي مثلاً مع شهود عدل، وبهذا يكون الزواج اسمه زواج عرفي وهو صحيح شرعياً يستكمل فيما بعد بإجراءات ( مشينة!!!! ) للتسجيل في المحكمة الشرعية على يد موظف قد يطالب بموافقة ولي أمر الفتاة الذي قد يكون شقيقها الأصغر ويمكن تجاوز ذلك بدعوى تثبيت زواج ترفعها الزوجة على زوجها بعيداً عن رأي ولي الأمر ، كل هذا عند موظف لا رجل دين و من دون ان يصبح غير السني الحنبلي سنيا حنبلياً !!!!
جرائم الشرف يختلط فيها الاجتماعي بالطائفي فليس الزواج من طائفة أخرى ما يدفع للقتل فقط ، الدافع موجود عند الخروج على السيطرة الذكورية في الأسرة بغض النظر عن انتماء الزوج المرفوض لطائفة أخرى، و الذي قد يشدد الغضب على هذا الخروج لا أكثر ، واستفراد الأنثى بقرارها المشروع تماماً هو الأساس في رد الفعل الذكوري ضدها ،
لكن ما يسوقه السيد عمار ليس هو ما يمنع جرائم القتل لدى السنة ، فالجرائم موجودة عندهم كما عند غيرهم وهي واقعة لموضوع يتعلق فعلاً بالشرف والسمعة والمفاهيم التقليدية الشائعة علينا ألا نستخف بهذه الدوافع وقوتها في مجتمع أبوي كمجتمعنا ، وهي جرائم تتعلق بالبنية الأبوية الذكورية للمجتمع العربي والمجتمعات الشرقية عموماً ، لكن فكرته تصبح وجيهة إذا ما عرفنا أن الوعي الأمّي ( من امة ) عند الأغلبية السنية تجعلهم بعد إبعاد العوامل غير المذهبية من ذكورية وعلاقات ريفية وعشائرية وغيرها ، تجعلهم أكثر المجموعات تقبلاً للزواج من الآخرين وبالاتجاهين للذكور والإناث ،
لا توجد هيمنة طائفية بالمعنى الذي طرحه السيد عمار ويجب أن نركز نضالنا من أجل قانون مدني للأحوال الشخصية يخضع له كل المواطنون السوريون ، فحالياً يخضع له جميع المسلمين بمن فيهم أبناء الطائفة الدرزية التي خصها القانون ببعض الاستثناءات مثل تعدد الزوجات والنفقة وغير ذلك وفيما عداها ينطبق عليهم ما ينطبق على البقية، أما غير المسلمين من يهود ومسيحيين لا زالت محاكمهم خاصة ،
إن الإصلاح القانوني يقتضي خطوات متدرجة تجعل النص القانوني على الدوام متجاوزاً للبنية الأهلية والاجتماعية للمجتمع بدرجات ، ليساعد في تقدمه أكثر ولذلك فإن إلغاء عدة مواد وتعديل أخريات أصبح ملحاً بشدة لتستقيم العدالة أكثر و لكي تقوم العقوبة بدورها الرادع والمخفف من ارتكاب " جرائم الشرف " ، فلا يخفى أن الكثيرين من المرتكبين ما كانوا ليقوموا بأفعالهم لولا التسامح القانوني الذي يزيد طينه بلة ، نسبة عالية من القضاة المحافظين اجتماعيا و الرثين حقوقياً وقانونياً تتعاطف مع القاتل ، وتزيد من أعذاره ما يجعل هذه الجرائم تمر دون عقوبة حقيقية ، الموضوع خاص جداً ويجب العمل قانونياً لتشديد العقوبة ودفع النضال المجتمعي أكثر للتنديد والتشهير بهذه الأفعال وما يشتق منها ، دون ان ننسى أن علة القتل فيها قضية تتعلق بوجدان ونفسية وغير ذلك من عوامل خاصة يجب الوقوف عندها ملياً عند التجريم وعند التشديد كما نطالب اليوم ..
* الزواج اللحمي هو الزواج من ضمن الجماعة بهدف المحافظة على بقاء واستمرار الجماعة وعدم اختلاطها الصميم بغيرها و الذي يحمل خطر الاندماج أو الذوبان في جماعات أخرى .لذلك نقترح ان تقوم وزارة الشوؤن الاجتماعية بمنح قروض ومساعدات وتسهيلات خاصة كالأفضلية في الجمعيات السكنية في حال الزواج المختلط ، والقيام بحملات إعلامية تظهر المحتوى الإنساني والوطني لزيجات من هذا النوع
** جريمة هدى أبو عسلي بين العلمانية والطائفية
عمار ديوب
الحوار المتمدن - العدد: 1329 - 2005 / 9 / 26








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحفيات في غزة تحت النار في ظل سياسات القمع والتمييز


.. الصحفية غدير بدر




.. كيف تؤثر وسائل التواصل على نظرة الشباب لتكاليف الزواج؟


.. الصحفية غدير الشرعبي




.. لوحة كوزيت