الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية -وجع- الجزء السابع

سيف كريبي

2015 / 4 / 29
الادب والفن


أنا اليوم بين يدي الفردوس .. ما عدت اليوم كئيب ما عدت اليوم غريب .. صقيع نفس لا صقيع شتاء .. عانقت عرش مجدها قبل الرحيل وكم تمنيت المكوث لكن عهر الدنيا إبتلاء .. أنا بين ثنايا ظلمات النهاية أبحث عين نور طيفها .. أين أنت يا غزال أين أنت هجرنا الدنيا بعهرها فهل سيمكث معنا المحال .. بحثت يمينا ويسارا لا يوجد غير الظلام ..
يا رب العرش المجيد هل تركت الدنيا لكثرت أسوارها لتتوه مني حبيبتي في غياهيب ظلماتك .. لم النحس رفيق دربي هل كتب علي الشقاء ..؟
عم الضجيج المكان صوت الباعة وأبواب تفتح صقيع لفح جسدي صرت أرتعش من شدة البرد إنتفضت والدموع تملأ مقلتي .. صارخا أين أنت حبيبتي أين أنت يا غزال .. لأجد نفسي أسقط عن فراشي مرتطما بالأرض ..
إنه كابوس لعين.. تحكمني الهذيان بفقدان الحبيب .. وصار الموت ببقائي بين جدران هذا البيت قريب ..كان كابوسا مريعا مات فيه بين ناظري الغزال وصار المكوث في هذا المكان محال .. لا ملجأ لي من وقع طيفك الغائب الحاضر حبيبتي ..
لكن أتعلمين أنه كابوس جميل عانقت فيه رحيق شفتيك وإحتسيت ترياقي وما عدت اليوم أحتضر .. عذرا حبيبتي إكتفيت اليوم من العذاب وقررت الإندثار .. في ليلة إشتد فيها عويل الذئاب لا قمر فيها و لا مستجاب في ليلة مظلمة ، دحساء كلون كحل عيونك قررت الرحيل إلى مكان لا لغو فيه و لا كلام .. مكان تبدأ فيه جروح القلب في الإلتآم ..
حملت ماتيسر من أمتعتي ومعها أحرفي وكل ما كتب فيك من قصائد آن الأوان لكي نرحل جميعا فأنا في عيني الغزال ذاك السكير الذي يقتنص فرصة لنهش لحمها .. ماعدت حارسك .. كوني كما عهدتك نقية تراقصين القمر من أعلى قصر عذريتك العاجي بعيدة عن قاع إزدحم بالمسوخ ..
نزلت درج العمارة حاملا أمتعتي ودمع العين ينهمر ..
أهجرك اليوم حبيبتي لعل الجرح يلتئم .. غادرت العمارة متجها إلى آخر الزقاق أين باب بيتها الخشبي العتيق .. لامسته بأناملي ودموعي تلطخ عتبته .. تلوت عليه كل حروف العاشقين قبل رحيلي .. يا بابا لم تجف عليه قطرات دم نقي من آثار جروح غزالي لطخت بدموع جفائها في أول لقاء .. لا وصال بيننا منذ الآن يا عتبة إرتميت فيها بين أحضان غزال وعدت أدراجي رحيلا إلى اللاوطن فقد كانت هي الوطن .. رحيلا إلا اللامكان واللازمان فقد كانت هي عقارب ساعتي ورموشها ترسم إحداثيات المكان ..
كل خطوة نحو الرحيل يرافقها جرح يتسع كيف للقلب الفراق بعد ما ألفه وبعد ما ذاق .. وصوت يزعزع الكيان بصراخه ينادي الغزال
أخذت المسافات تتباعد يا من أسرت القلب والكيان ساعة أو بضع ساعة كنت خارج المدينة وعلى إمتداد البصر أفق مسدود لا زال القلب في الزقاق وحبل الوصال لم يقطع بعد لازال في غياهيب القلب ممدود ..
تراءى أمامي بيت عتيق جدرانه متهاوية من كثرة الهموم على سقفه ينعق غراب مشؤوم يناديني لأغازل وحدته ليبث في جسدي ماتبقى من نعيقه ويزرع ماتبقى من سموم .. حاكيته في زمن صار فيه البشر صم بكم عمي لا يفقهون .. لعل الغراب يفهم ما أسدل على سمائي من غيوم .. يا غراب أنا الغريب في طيات هذه الدنيا .. أنا ساكن الجحيم أنا من جعل كيانه مقبرة للعاشقين .. أنا صوت الأنين أنا الحزين أنا المسكين .. أنا طيف الوحدة المنحور في عهر تلك المدينة خلفي .. لا ملجأ لي من جرحها يا صديقي أنا من أحببت فصار الحب شفقة .. أنا من عشقت فصار العشق شفقة .. أنا لست سكير ولا زير نساء .. أنا عاشق طبوي نقي لطخ نقائي بمسخ قلوبهم .. أنا مشتاق لطيفها ونزلت دموعي .. لا زال حبل الوصال ممدود .. ألم يمزق أوصالي لا زال ذاك الباب الخشبي موصد أمامي أحلامي الهامدة ..
أطلقت تنهيدة طويلة رافقها نعيق حزين خفق الغراب بجناحيه مغادرا البيت المهجور تاركني لوحدتي حيث جثوت أصارع طيفها كل ليلة بين ظهور وغياب .. أجهل ما حل بها بعد رحيلي .. هل إفتقدتني .. هل شعرت بغيابي .. ترى هل تشتاق لي كما أشتاق .. هل كان هينا عليها الفراق .. أم أنها لم تشعر بغياب ذاك المتطفل ثقيل الظل .. الأسئلة تمزقني وذاك الكابوس العذب لا يفارقني وأنا بين يديها أعانق شفتي الغزال ليته كان حقيقة دامت لوقت طويل حينها لا عذاب بعدها.. سيحل للقلب الرحيل .. نعيق غراب وعويل وليل عناء طويل
جثوت في ذلك البيت العتيق أحاكي وحدتي عساها تكون مرسول يطمئن غزالي عن غياب حارسها .. جثوت أصارع مايختلجني من ألم أصرخ فتتصدع السماء خشوعا لصراخي .. ياملكة عريني أنا اليوم وحيد حتى الغربان هجرتني .. لم تحتمل ترنيمة حزني فنفرتني .. لاتلوميني يا غزالي فلم يبق لي ملاذ سوى الرحيل .. وليل حزن طويل .. وضوءأمل ضئيل .. وجدران بيت عتيق متشققة من جور السنين كانت هي الخليل .. عويل
عجزت اليوم عن كسر قيود إشتياقي إليك عجزت عن قطع وريد ينساب ريحك فيه ونبض قلبك لا يستجيب .. عجزت عن البكاء جف نهر دمعي وأصابني الخرس أنا اليوم عاجز عن النحيب .. أنا اليوم غريب
لم تزل المدينة على مرما بصري كما تركتها .. لم يحدث رحيلي فرقا كبيرا .. لا زالت الغيوم تخيم على سمائها .. لا زالت ضوضاءها تبلغني في مخدعي .. لم لم تهوي البنيان عند رحيلي .. لم لم تدك الأرض بسكان هذه المدينة العاهرة عند رحيلي .. أم أنها لن تشعر بوجودي ولن تشعر برحيلي .. حتى أنت يا حبيبتي أنزلت كل أحكامك المسبقة على حارسك وما عدت اليوم مطمحك .. حتى أنت حبيبتي لم تشعري بغيابي .. لا تقلقي لقد زال عنك ذاك الضيف الثقيل وماعاد يتطفل على خلوتك من النافذة فحتى الجدران رفضتني..
الكل وهم ..
جدران تلك العمارة وهم ..
درج العمارة وهم ..
الزقاق الضيق وهم ..
ذاك الباب الخشبي العتيق وهم ..
ذاك الريم المستلقي على الأريكة وهم ..
أول كوب خمر وهم ..
نافذة تلك الغرفة وهم ..
مانبض به القلب وهم ..
دموع الريم وهم ..
ودموعي أنا وهم ..
الجفاء وهم ..
حتى الحب وهم
عهر المدينة وهم ..
ظلام الليل وهم ..
بزوغ فجر حبنا وهم ..
حتى وصالنا حبيبتي كان كابوسا لذيذا .. كان وهم
لا زال الطيف يداعبني .. يمزقني .. يأسرني ويحررني .. لا زال الريم وسط ربوع القلب يستأصل أوصالي ينحرني
حتى برحيلي لا زال حبل الوصال ممدود .. لما كل هذه الترهصات فالأفق مسدود .. صار المحراب قفرا لقد رحل المعبود .. لا حب يبلغ برزخها لن يكون هناك سجود
بينما كنت أسير وحدتي وجدران ذاك الكوخ المتهاوي ..
سمعت دوي إنفجار هز كياني وكاد يسقط جدران البيت المتهاوية ..
دوي الإنفجار آتي من المدينة ..
إنتفضت مسرعا ألقيت بصري .. هناك دخان يتصاعد بكثرة ..
إنفجار ثاني إهتز له قلبي .. المدينة تدك بالراجمات .. المدينة العاهرة تنهار ..
حبيبتي في المدينة .. المدينة تنهار .. غزالي في المدينة .. هرعت مسرعا .. كان القلب مقبوضا .. واصلت مسيري بين سقوط وقيام .. أدميت قدماي من الجروح .. لا زلت أجري .. حبيبتي في المدينة .. المدينة تنهار ..
لم أعلم كيف مرة ساعاتي وأنا أجري دون توقف .. بالكاد ألتقط أنفاسي .. لا مكان للتعب .. حبيبتي في المدينة .. المدينة تنهار .. بدأ يبلغ مسمعي صراخ النساء والأطفال ..
دخان عم ضواحي المدينة يكاد يخنقني .. لا زال دوي الراجمات رافقته طلقات نارية كان دويها يمزقني .. حبيبتي في المدينة .. المدينة تنهار ..
بلغت المدينة كنت لا زلت أجري دون توقف .. ما كل هذه العساكر ماذا حل بالمدينة .. كنت لا زلت أجري لوهلة شعرت بضربة على رأسي كان آخر مشهد رأته عيناي بداية الزقاق ..
دخلت في ظلام رهيب .. فقدت الوعي بضربة من أحد العساكر .. إستيقظت بعدها لأجد نفسي مرميا بين أربعة جدران لا تتجاوز مساحة الغرفة مترا أو بضع متر ظلام حالك وبرد قارص يراقص عظامي ..
أنا في مغاوير الداخلية أنا مجسون أنا أسير في زنازينك العاهرة يا مدينتي .. ما مصير غزالي ؟
ماذا حل بهذا تحت وطأة الراجمات والقضف العنيف ؟
أطلق سراحي يا سجان لي غزال دون حراسة أريد بلوغ ربوعه .. أرجوكم إرأفوا بحال عاشق خان غزاله وتركه دون حراسة ..
أرجوكم ..
كان صدى صوتي يرتد علي وكأني في كابوس رهيب .. الهدوء مريب .. ليجبني أحدكم .. سالت دموعي على جدران الزنزانة الإنفرادية التي جعلت ليكون بين جدرانها مجرم خطير قاتل أو مغتصب .. صار الذهن مضطرب ..
عذرا ملكة عريني ففي عصرنا يسجن من عشق ربوعك ظلما .. يقمع من كان مبتغاه محراب حبك ظلما .. يا سجاني إكسر أقفال الزنزانة عساني أراها قبل الهلاك ..
يا غزالي يا ملاك كوني بخير حتى أفك أسري .. أنا اليوم مكبل أنا اليوم سجين .. ضجيج الراجمات يمزقني ..
أنا اليوم أسير .. المدينة تنهار .. أرج أن يكون كابوس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة