الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لدي ما يكفي من الحزن

عبد الرحمن جاسم

2005 / 9 / 28
الادب والفن


لدي ما يكفي من الحزن لأراقب بصمت، صمت الأشياء حولي، وتحركها البسيط حامله كل صباح ألوانها الخاصة. أراقب صمت الوجوه الحزينة المتجهة إلى عملها صباحاً، تحمل حزن الدنيا كلها، فتزيدني حزناً على حزن، فأتوقف قليلاً لأوازن نفسي أكثر. أتأمل وأنا أجلس فوق شرفتي نفس الوجوه، وبكل الحزن الموجود في الدنيا، لكأنها تذهب للموت. وأستغرب لِمَ كل هذا الحزن، أين ذهب الخروج إلى الحقل، وأغاني الفلاحين، وزقزقة الطيور. أساتذة المدارس وجوههم كالحة الألوان، العمال تعتيلهم كآبة قديمة، ينفضونها عنهم، يجاهدون، وأنا أرتشف قهوتي، صباحاً، وأزيد على حزني درجةً جديد، كما لو أن حزني لا يكفيني.
لدي ما يكفي من الحزن، لأتابع باستسلام، اعتقال صحفي لوجهة نظر، لاعتقال محطة تلفزة لنشر خبر، لاعتقال وطن بتهمة الحرية. ما الذي يزيد حزنكم أكثر، أحبتي، هل الخبر بحد ذاته يؤلمكم، أم شعوركم بالعجز عن القيام بشيء؟ شعوركم بأن كل ما تفعلونه قد يكون بلا قيمة أم هو معرفتكم بالخبر الحزين لذاك الاعتقال – ولا يهم أي اعتقال أقصد- فأنتم أحبتي بإمكانكم تحديد أي اعتقال أقصد.
لدي ما يكفي من الحزن، لافرح بأبسط الأشياء، فالفرح صار قليلاً إلى حد السراب. ما هي حاجات البشر المفقودة؟ ما هي الحاجات التي يحتاجها الانسان لكي يكون سعيداً، قد يظن الكثيرون بأنها أشياء متعددة، لكن الأمر ليس كذلك، فما نحتاجه هو حاجتين: الحاجة للضم، والثانية الحاجة للكلام. يا أحبتي، نحن بحاجة لأن يضمنا أحد، أن نبكي على ذراعه، أن يضمنا، ويشعرنا بالأمان، والراحة، والطمأنينة، كلها أشياء نفتقدها، كلها أشياء تزيد من حزننا لأنها غير موجودة، ونظل نبحث عنها بلا فائدة، وبلا هدف. الحاجة الأخرى، حاجتنا للكلام، الحاجة الأساسية المؤثرة، أن نتكلم ويسمعنا أحد، أن نقول ما بداخلنا دون حواجز، دون حدود، دون مخاوف، أن يسمعنا أحد ولا يشنقنا، أو يعلق رأسنا على رمح على باب عاصمة من عواصمنا. يا أحبتي حاجاتنا تقتلنا، وتزيد من حزننا، وأنا لدي ما يكفي من الحزن، وكالعادة لا يمكنني تحمل المزيد، ومع هذا آخذ المزيد، لربما بحكم العادة.
لدي ما يكفي من الحزن، لكي أكتب أكثر، لكي أبحث عن حل يعيدني لأحلامي، لكي أستطيع أن أخطو للأمام رغم كل السلاسل التي تدفعني للخلف، رغم كل الرياح التي تهوى تحطيمي، حتى رغم ألامي الكثيرة، يا أحبتي، لا تجعلوا حزنكم يعطلكم عن الحلم، فالحلم يتغذى بالأحزان، شأنه شأن أي موهبة أو قدرةٍ عظيمة، أجل لدي ما يكفي من الحزن، ولست متضايقاً لأجل ذلك، بل إنني أقبل الأمر وأضمه إلى قلبي بشدة.
لدي ما يكفي من الحزن، ويمكنني العيش مع ذلك، ويمكنني الفرح رغم ذلك، لأنني اعتدت وجوده في صدري، اعتدت أن أعيش معه، ويعيش معي، حتى بات جزءٌ مني، وأفهم أنني لا أكون بلاه، ولا يكون بلاي، هي اذن نوع من الاتفاق الشفهي غير المكتوب، يا أحبتي، أسألكم أليس لديكم حزنٌ مثلي، تشعرون بنبضه كلما تحركتم، كلما ندهتم، كلما هتف شيء فيكم، ألا تشعرون به؟
لدي ما يكفي من الحزن، ولديكم حزنٌ يكفيكم أنتم أيضاً، فلا ترفضوه، بل اقبلوا به، فإنه أنتم، وتستطيعون الحياة معه.
أترككم كالعادة، وأعرف أن الأمر كله، في النهاية لكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب