الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين تركيا وإسرائيل

جوزيف بشارة

2015 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يرى الكثيرون حول العالم تركيا بعيون مليئة بالإعجاب والتقدير، فتجدهم يَنْظُمون الأشعار في حبها، ويضربون بها المثل كنموذج للإسلام المعتدل وكمنارة للديمقراطية والحريّة في العالم الإسلامي. لكن هل هذه هي الصورة الحقيقية لتركيا؟ هل تستحق تركيا أن تكون محط انبهار العالم؟ الإجابة على هذين السؤالين ليست عسيرة على الإطلاق، فتركيا لا تستحق الإشادة أو الإعجاب أو الإطراء، تركيا في الواقع لا تستحق إلا الإدانة والعزلة والمقاطعة. لا تاريخ تركيا العثماني ولا حاضرها الذي لا يقل خزياً يؤهلانها لأن تكون محط أي إعجاب. تركيا كانت وتظل دولة معتدية ومغتصبة لحقوق الغير وترفض الاعتراف بمسئولياتها عن الكثير من المآسي التي عانت وتعاني منها الإنسانية.

ولعل ما يدعو للدهشة أن من يُنْشِدون أشعار الثناء للإشادة بتركيا، متغاضين عن كل شرورها، تجدهم يرفضون ويكرهون ويلعنون دولة إسرائيل التي يعتبرونها رمزاً للإمبريالية والاستعمارية والاحتلال والقمع واغتصاب حقوق الغير. سبب الدهشة هو أن تركيا تجمعها بإسرائيل عوامل مشتركة كثيرة ليس أقلها احتلال أراضي الغير. إزدواجية محبي تركيا تجعلني في حيرة من أمري لتفسيرها ومعرفة أهدافها ودوافعها. وحتى يدرك القارىء مدى التشابه بين تركيا وإسرائيل أو الاختلاف الذي ربما يَصْب في مصلحة الثانية وضد الأولى سأقوم في السطور القليلة التالية بعمل مقارنة بين بعض المواقف السياسية للمحبوبة، نخبوياً وشعبياً، تركيا وبعض المواقف السياسية للمبغوضة، نخبوياً وشعبياً، أيضاً إسرائيل.

هذه هي نقاط المقارنة:

أولاً: إسرائيل: تحتل أراض فلسطينية استولت عليها بعد حروب عديدة مع الدول العربية
تركيا: تحتل النصف الشمالي من دولة قبرص منذ عام 1974 وقامت من طرف واحد بإعلان دولة قبرص التركية التي لم يعترف بها أحد سوى أنقرة

ثانياً: إسرائيل: قامت بتهجير يهود من حول العالم إلى إسرائيل لضخ موارد سكانية في الدولة اليهودية ولمواجهة الزيادة السكانية لدى الفلسطينيين.
تركيا: قامت بتهجير أتراك إلى شمال قبرص لفرض أمر واقع وإجبار الحكومة الوطنية القبرصية على القبول بالوجود التركي في قبرص

ثالثاً: إسرائيل: كانت حتى وقت قريب ترفض حل الدولتين الذي يمنح الفلسطينيين حقهم في الاستقلال وبناء وطنهم المستقل في غزة والضفة
تركيا: ترفض الاعتراف بالحقوق السياسية للأقلية الكردية في شرق تركيا وتشن عليها حرباً ضروساً بغرض محو حضارتها الخاصة وثقافتها المميزة ومجتمعاتها المختلفة عن المجتمع التركي

رابعاً: اسرائيل: راح الألاف ضحية جبروت آلتها العسكرية في حروب كثيرة خاضتها لفرض نفوذها أو للدفاع عن وجودها أو للمحافظة على تفوقها العسكري. لكن إسرائيل التزمت في معظم الأوقات باتفاقيات جنيف التي تحمي الحقوق الأساسية للإنسان فحالة الحرب
تركيا: ارتكبت أول جرائم إبادة وتطهير عرقي وديني في القرن العشرين عندما ازالت الوجود المسيحي (الأرمني والسرياني) من الأراضي التركية، وهي الجرائم التي راح ضحيتها ما يزيد على مليونين، وهي من الجرائم التي يقل مثيلها في التاريخ المعاصر. فضلاً عن هذا فقد ارتكبت تركيا مذابح أخرى ضد الأكراد المطالبين بحقوقهم السياسية

خامساً: إسرائيل: شكل العرب نسبة 20٪-;- من إجمالي السكان عند تأسيس الدولة عام 1948، ولا يزال العرب يشكلون نفس النسبة، ومن المنتظر أن تصل إلى 25٪-;- عام 2025
تركيا: شكل المسيحيون نحو 20٪-;- من إجمالي السكان عام 1914. اليوم لا تزيد نسبتهم عن 0.02٪-;-

سادساً: إسرائيل: احترمت دور العبادة الخاصة بالفلسطينيين المسلمين والمسيحيين، وسمحت للأقليات الدينية بممارسة شعائرها بحرية
تركيا: قامت بتحويل دور العبادة الخاصة بالمسيحيين الموجودة بأراضيها إلى مساجد إسلامية

سابعاً: إسرائيل: تربطها علاقات استراتيجية بالغرب والولايات المتحدة، لكن التصاعد المستمر في العداء للسامية في الدول الأوروبية يُضْعِفُ تدريجياً من مدى التحالف والدعم الذي تتلقاه. التحالف الاستراتيجي الإسرائيلي مع الغرب مفهومة دوافعه لأن إسرائيل تعيش وسط بحار من الأعداء الذين يتربصون بها ويسعون لنزعها من خريطة العالم
تركيا: تربطها أيضاً علاقات استراتيجية بالغرب والولايات المتحدة، لكنها فشلت في الانضمام للاتحاد الأوروبي بسبب سجلها السيء في مجال حقوق الإنسان. تحالف تركيا مع الغرب لا يمكن فهم دوافعه بعيداً عن تحقيق مصالح الغرب والسعي لتحقيق المكاسب السهلة، فلا تركيا تواجه أعداءً في المنطقة ولا هي بحاجة للقواعد الأمريكية بها لحمايتها

تركيا المسالمة والتي تحترم حقوق الإنسان إذن ليست إلا وهما صنعه البعض في مخيلاتهم. ليت النقاط السبع المذكورة تنزع عن تركيا ورقة التوت الأخيرة التي تستر بها عورتها. وليت المقارنة تزيل الغشاوة عن عيون البعض فيرون تركيا في موضعها الحقيقي كدولة مرتكبة لجرائم حرب وعمليات إبادة وتطهير عرقي وديني وكدولة محتلة وظالمة ومتغطرسة وقامعة للحريات. وأخيراً ليت هذه السطور تفضح ازدواجية محبي وريثة الدولة العثمانية سيئة السمعة الذين يملأون الدنيا صراخاً وعويلاً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، لكنهم يهللون ويمجدون تركيا غاضين الطرف عن جرائمها بحق الأرمن واحتلالها لشمال قبرص وانتهاكها لحقوق الأكراد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا