الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقسيم ... وبعد ؟ الجزء الأول

علي عبد الرضا

2015 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


في ظل ما يشهده العالم العربي من موجات عنف و صراعات دموية من جهة، وحروب طائفية قائمة على أسس دينية و عرقية من جهة أخرى . و مع تردد أصوات كثيرة في الآونة الأخيرة لخبراء حول وجود مخططات استعمارية جديدة تحاك خلف الستار تستهدف المنطقة العربية و التي ستتضح بصورتها الكاملة في العام 2018، أي بعد مائة عام من اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت الدول العربية بحدودها الحالية. حسب هذه المخططات فإن المشروع المستهدف يرمي إلى تقسيم و تفتيت الدول العربية بتحويلها إلى دويلات صغيرة وممزقة على أساس طائفي و مذهبي ، بالمقابل ستظهر فدرالية تقودها إسرائيل باعتبارها الدولة المركزية الوحيدة التي ستحكم المنطقة سعيا منها لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات بعدما تضعف دول الجوار
كل هذا و بعيدا عن نظريات المؤامرة، سنتوقف اليوم عند أهم وأشهر مخطط هادف إلى تقسيم العالم العربي وذلك بإعادة ترتيبه من جديد وفقا لأهداف مدروسة و دقيقة أو في إطار ما بات يعرف اصطلاحا ب الفوضى الخلاقة. نتحدث هنا عن وثيقة برنارد هنري لويس ليفي التي أقرها الكونغرس الأمريكي سنة 1983.
برنارد لويس ليفي هو صاحب أخطر مشروع في هذا القرن لتفتيت العالم العربي والإسلامي من باكستان الي المغرب والذي نشرته مجلة وزارة الدفاع الامريكية. ولد ليفي في لندن عام 1916 وهو مستشرق بريطاني الأصل يهودي الديانة صهيوني الانتماء امريكي الجنسية . تخرج في جامعة لندن 1936 وعمل فيها مدرس في قسم التاريخ – الدراسات الشرقية الافريقية كتب كثيرا وتداخل في تاريخ الإسلام والمسلمين حيث اعتبر مرجعا فيه فكتب عن كل ما يسيء للتاريخ الإسلامي متعمدا فكتب عن الحشاشين واصول الإسماعيلية والناطقة والقرامطة وكتب في التاريخ الحديث نازعا النزعة الصهيونية التي يصرح بها ويؤكدها .
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالا قالت فيه : ان ليفي ذو 90 عاما المؤرخ البارز للشرق الأوسط وقد وفر الكثير من الذخيرة الايدلوجية لإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط والحرب علي الإرهاب حتي انه يعتبر بحق منظرا لسياسة التدخل والهيمنة الامريكية في المنطقة . قالت نفس الصحيفة : ان ليفي قدم تأييدا واضحا للحملات الصليبية الفاشلة وأوضح ان الحملات الصليبية علي بشاعتها كانت رغم ذلك ردا مفهوما علي الهجوم الإسلامي خلال القرون السابقة وانه من السخف الاعتذار عنها . رغم ان مصطلح صدام الحضارات يرتبط بالمفكر المحافظ صموئيل هنتينجتون فإن ليفي هو من قدم التعبير أولا الي الخطاب العام ففي كتاب هنتينجتون الصادر في 1996 يشير المؤلف الي فقرة رئيسية في مقال كتبه ليفي عام 1990 بعنوان جذور الغضب الإسلامي قال فيها : هذا ليس اقل من صراع بين الحضارات ربما تكون غير منطقية لكنها بالتأكيد رد فعل تاريخي منافس قديم لتراثنا اليهودي والمسيحي وحاضرنا العلماني والتوسع العالمي لكليهما .
طور ليفي روابطه الوثيقة بالمعسكر السياسي للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة منذ سبعينيات القرن العشرين حيث يشير جريشت من معهد العمل الأمريكي الي ان ليفي ظل طوال سنوات رجل الشئون العامة كما كان مستشارا لإدارتي بوش الاب والابن . في 1 /5 /2006 القي ديك تشيني نائب الرئيس بوش الابن خطابا يكرم فيه ليفي في مجلس الشئون العالمية في فيلادلفيا حيث ذكر تشيني ان لويس قد جاء الي واشنطن ليكون مستشارا لوزير الدفاع لشئون الشرق الأوسط . لويس الأستاذ المتقاعد بجامعة برنستون ألف عشرين كتابا عن الشرق الأوسط من بينها العرب في التاريخ و الصدام بين الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط الحديث و ازمة الإسلام و حرب مندسة وإرهاب غير مقدس .
لم يقف دور ليفي عند استنفار القيادة في القارتين الامريكية والاوربية وانما تعداه الي القيام بدور العراب الصهيوني الذي صاغ للمحافظين الجدد في إدارة الرئيس بوش الابن استراتيجيتهم في العداء الشديد للإسلام والمسلمين وقد شارك ليفي في وضع استراتيجية الغزو الأمريكي للعراق حيث ذكرت الصحيفة الامريكية ان ليفي كان مع الرئيس بوش الان ونائبه تشيني خلال اختفاء الاثنين علي اثر حادثة ارتطام الطائرة بالمركز الاقتصادي العالمي وخلال هذه الاجتماعات ابتدع ليفي للغزو مبرراته وأهدافه التي ضمنه في مقولات صراع الحضارات و الإرهاب الإسلامي
في مقابلة أجرتها وكالة الاعلام مع ليفي في 20/5/2005 قال الاتي بالنص : ان العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم واذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات ولذلك فان الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فان عليها ان تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان , انه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية الي وحدات عشائرية وطائفية ولا داعي لمراعاة خواطرهم او التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم ويجب ان يكون شعار أمريكا في ذلك اما ان نضعهم تحت سيادتنا او ندعهم ليدمروا حضارتنا ولا مانع عند إعادة احتلالهم ان تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة علي الحياة الديمقراطية , وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع ان تقدم أمريكا بالضغط علي قيادتهم الإسلامية – دون مجاملة ولا لين ولا هوادة - ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة , ولذلك يجب تضييق الخناق علي هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها قبل ان تغزوا أمريكا و أوربا لتدمر الحضارة فيها .
انتقد ليفي محاولات الحل السلمي وانتقد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان واصفا هذا الانسحاب بانه عمل متسرع ولا مبرر له فإسرائيل تمثل الخطوط الامامية للحضارة الغربية وهي تقف امام الحقد الإسلامي الزائف نحو الغرب الأوربي والامريكي ولذلك فان علي الأمم الغربية ان تقف في وجه هذا الخطر البربري دون تلكؤ او قصور ولا داعي لاعتبارات الراي العام العالمي وعندما دعت أمريكا عام 2007 الي مؤتمر انابوليس للسلام كتب لويس في صحيفة – وول ستريت - يقول : يجب الا ننظر الي هذا المؤتمر ونتائجه الا باعتباره مجرد تكتيك مؤقت غايته تعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية ودفع الاتراك والاكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضا كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر من قبل .
في عام 1980 والحرب العراقية الإيرانية مستعرة صرح مستشار الامن القومي الأمريكي بريجنسكي بقوله : ان المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الان ( 1980) هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم علي هامش الخليجية الاولي – التي حدثت بين العراق وايران – تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس- بيكو عقب اطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الامريكية البنتاجون بدأ المؤرخ الصهيوني ليفي بوضع مشروعه مشروع ليفي لتقسيم الدول العربية والإسلامية والذي اعتمدته الولايات المتحدة لسياستها المستقبلية الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعا كلا علي حدة ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وايران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الافريقي … الخ , وتفتيت كل منها الي مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية … وقد ارفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت اشرافه تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت بوحي من مضمون تصريح بريجنسكي مستشار الامن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر الخاص بتسعير حرب خليجية ثانية تستطيع الولايات المتحدة من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو بحيث يكون هذا التصحيح متسقا مع الصالح الصهيو - امريكي . في عام 1983 وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية علي مشروع الدكتور برنارد لويس ليفي وبذلك تم تقنين هذا المشروع واعتماده وادراجه في ملفات السياسة الامريكية الاستراتيجية لسنوات مقبلة .
صوت مجلس الشيوخ الأمريكي كشرط انسحاب القوات الأمريكية من العراق في 29/9/2007 على تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات المذكورة أعلاه وطالب مسعود برزاني بعمل استفتاء لتقرير مصير إقليم كردستان العراق واعتبار عاصمته محافظة ( كركوك ) الغنية بالنفط محافظة كردية ونال مباركة عراقية وأمريكية في أكتوبر 2010
الحديث عن هذه المخططات بات واضحا في العديد من الدوريات و المجلات الغربية . اخر الخرائط نشرتها كل من صحيفة نيويورك تايمز ومجلة تايم الأمريكيتان توضح هذه المخططات التي شملت تقسيم كل من المملكة العربية السعودية و العراق و سوريا و ليبيا إلى 14 دولة .
من جهة أخرى ، يذهب بعض الخبراء و المحللون أبعد من ذلك، حيث يعتبرون أن ما بات يعرف بتنظيم داعش ما هو إلا صناعة أمريكية و حجر أساس ل بداية تنفيذ هذه المخططات التي تلعب على الوتر الطائفي الديني. و بعيدا عن كل التكهنات ، لعل كل متتبع للوقائع والأحداث الجارية بالعالم العربي أن يلاحظ أن الأمر قد خرج عن السيطرة بعد التمدد السريع و الخاطف لتنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق و سوريا و القائم على أسس طائفية مذهبية هو الآخر.
ما يرتكبه هذا التنظيم في العراق على الأخص أو ما يقع في ليبيا و اليمن من تمزقات داخلية توصلنا جميعا إلى قناعة واحدة ، قناعة تثبت أن الدول العربية تقع على فالق زلزالي، فأصعب الحروب على مر التاريخ و أشدها فتكا هي الحروب الأهلية و التي تسببها اليوم انتشار مجموعات مسلحة كداعش وغيرها و التي تعلن صراحة أنها تريد أن تقيم دويلات و تعيد تقسيم المنطقة من جديد . وهنا يجب أن نعود إلى خريطة دولة الخلافة لتقسيم المنطقة العربية و التي أخرجها هذا التنظيم للعالم في يوليو الماضي و القائم على نفس الأسس و المعايير الدينية .
يبقى مشروع برنارد لويس مشروعا قائما بذاته، ونظرية مطروحة بقوة خاصة مع ظروف عربية متاحة و مناسبة تثمن هذا المخطط و تشرذم واضح ، واقتتال وتناحر داخلي يطفو يوما بعد يوم على السطح … كل هذا يقدم خدمة جليلة لطغاة الرأسمال العالمي والمجمعات المالية والصناعية والعسكرية ويمهد لمشروع سايكس بيكو جديد يحرق المنطقة و يحفظ أمن إسرائيل.
يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز