الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصف فم

صالح جبار خلفاوي

2015 / 5 / 1
الادب والفن


نصف فم – نصوص – صالح جبار خلفاوي

تسيطر حركاته اللاأرادية على مفاصله المرتعشة , يكتشف حين دقت الساعة الجدارية أن الوقت متأخر جداً ,ربما لأنه انشغل بأمور جعلته لايهتم لبقاءه ساهراً حتى هذه الساعة ..

عند الاستدارة اتضحت له المعالم .. الشاشة العملاقة تبث صورا متعددة .. أعلانات عن بضائع .. مسلسلات مدبلجة .. الوضع يوحي بالطمأنينة .. ابواق السيارات القادمة من الجهة المقابلة تملأ الاجواء : ربما حدث شيء معين .. حدّث نفسه ..

مازالت أوراق الشجر ندية .. في هذا الصباح الندي ممكن ان تغتال الالوان لتنبئ عن وجع مفزع ..السيارة تسير بهدوء , سخونة المحرك تبعث الدفء في جسده ,يتطلع بعينين شبه مغمضتين في الشوارع المكتظة , رهان خاسر , أو لحظة يترقبها لم تحن بعد ..

صوتها الناعم يناديه : سيدي هل لك أن تتصدق عليّ ..

أنكماش يغطي جسده البارد .. تستمر حرائق افكاره المحمومة .. حيثما توقف تطالعه نفس السحن .. لاشيء يغطيها .. أنها مكشوفة , بلا ملامح محددة ..سيذهب الى عمله .. يصافح ذات الوجوه .. تحمل في مساماتها أهتزازات متكررة ..

البناية الرابضة وسط هذا الكم الهائل من الابنية المختلفة .. تبقى مطلة نحو الشارع العتيد بانسحاق تأريخها العائم وسط أحداث متشظية رسخت معالم الاشكال المتباينة .. يراها باشكال هندسية , مربعة , مستطيلة , مثلثة ..

أراد أن يفزع نحو أعماقها .. لكنه يرتطم بصخور متروكة بأهمال .. تتحسسه أصابعه الخشنة .. أنها تحرك سلوكيات متألفة ظاهراً .. في الباطن يكون لها وعي أخر لايفهمه ..

في هذا النسيج الموجع .. يجب أن يعيش يومياً بدون تأخر .. لأن هناك من يرصد حضوره المتوالي .. المصعد الذي يحمله .. يحوي انفاساً من بقايا ليل طويل ..

ذات الستارة المطلة على الجسر المزدحم طوال الوقت .. يرفعها تمتد أصابع الشمس الباهتة نحو غرفته الباردة .. ينتظر دفئاً من نوع يسري بين الاضلع .. ربما نظرة المنظفة لها أنعكاس شهي .. يطارد الالوان الصباحية ..

يحس أن نصفه الايسر يتقلص .. تتلاشى مفاصله .. لم يعد هناك سوى سترته المعلقة على كتفه الايمن .. أراد أن يتكلم .. ليس له سوى نصف فم لايجيد التعبير ..

لايستطيع الرضوخ .. ظل يفكر بشق واحد من جسد منزوع القوى .. شعر بالعطش .. من يجلب له قنينة الماء المتروكة على المنضدة ..حاول أن ينطق .. فتح شفتيه .. تلمس بأصابعه الباقية نصف منخره .. وعين جامدة .. لكن نصف لسانه تحرك بصعوبة ليشكو الظمأ .. فصرخ :

- ما .. ما .. م ..

وسقط مغشياً عليه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا