الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنتعلم احترام الحياة

عاصم منادي إدريسي

2015 / 5 / 2
حقوق الانسان


أن تكون حيا فهو الحظ الأول والمصادفة الكبيرة التي جعلتك هنا في هذا العالم. فعندما تفكر في الظروف التي قادت إلى لقاء والديك ببعضهما والصدف التي كان يمكن أن تحول دون زواجهما والجزئيات البسيطة التي أحاطت بذلك الزواج والتي كان سيؤدي أي خلل أو تغيير فيها إلى عدم وجودك في العالم. وعندما ترى مشهد التسابق المجهري بين ملايين الحيوانات المنوية وهي في طريقها إلى البويضة تكتشف كم كنت محظوظا لأن الحيوان المنوي الذي نجح في الوصول قاد إلى ولادتك أنت. وألغى ملايين الاحتمالات الأخرى.
يوضح هذا كم كانت احتمالات عدم مجيئك للعالم ممكنة للغاية، وما نجاحك من بين ملايين الاحتمالات الأخرى إلا مصادفة. ويوضح أيضا أن هذه الحياة جديرة بأن تحترم وتعاش مهما كانت الظروف والأحوال، وأن الاعتداء عليها وتهديدها فعل لا يمكن تبريره بأي شريعة أو دين أو عرف أو إيديولوجيا. تنبع قيمة كل الشرائع والقوانين والعادات والقواعد والقيم من دفاعها عن الحياة ومدى تقديسها لها. لا قيمة لأي شرع يبرر إنهاء حياة الإنسان وسفك دمائه، الحياة فوق كل الاعتبارات.
عندما نمجد الحياة بهذا الشكل فمن منطلق أننا نتربى في مجتمعاتنا على معاداة الحياة في أسمى مظاهرها من فنون وإبداعات وآداب بوصفها من مظاهر تقليد الغرب المسؤول عن فشلنا الحضاري  السياسي والعلمي والأخلاقي والديني طبقا لنظرية المؤامرة التي يحلو لنا أن نفسر بواسطتها كل أشكال الفشل داخل مجتمعاتنا. في الوقت الذي ما تنفك فيه مئات المواقع الإلكترونية والفضائيات التلفزية والصفحات الفايسبوكية تحث الناس على الزهد في هذه الحياة وملذاتها وتذكر يومي البعث والقيامة وعذاب القبر وسؤال منكر ونكير وأكل الديدان والشجاع الأقرع (ثعبان القبر) الذي سيمزق في القبر من يبول واقفا أو متوجها للقبلة...
ويكفي أن تلقي نظرة على أغلب القنوات التي تحقق أعلى نسب مشاهدة في مجتمعاتنا الإسلامية لتجد أنها الفضائيات ذات التوجه الديني والتي يمكن تقسيم خلفياتها إلى عدة أنواع أهمها، تلك المصدرة للتدين الوهابي في مقابل أخرى تصدر النموذج الإخواني، في حين يسعى الاتجاه الثالث إلى غرس مبادئ الفكر السلفي الأصولي. وإن كانت تختلف الاتجاهات في بعض المظاهر والشكليات-لأسباب وغايات  سياسية وليست دينية أبدا- إلا أنها تجتمع كلها على فكر يعادي مظاهر التمتع بالحياة وانتقاد المجتمعات الحية ومهاجمة الداعين لذلك واتهامهم بالديوثة والتأنث....
فكر يدعو صباح مساء إلى الاستغفار والتوبة والبكاء والتذلل والخنوع والخضوع وإظهار الضعف والذلة طلبا للعفو. ويكرس فكرة الإنسان حامل الخطيئة الذي يجب أن يتفكر في العذاب والبلاء وما أعده الله في العالم الآخر من أصناف العقاب البالغة القساوة والشدة التي لا تتوافق أبدا مع فكر الله الرحمن الرحيم الرؤوف غافرالذنب واسع الرحمة العطوف السمح الحليم...
فكر يتفنن دعاته من بؤساء العقول في تصور أشكال العذاب  وصنوف العقاب التي لم تخطر على بال أكبر صانعي أفلام الرعب  في هوليوود. ويحرص بالمقابل على تقييد وتضييق ما وسعه الله على الناس فيحرمون الرقص والموسيقى والنحت والتصوير وبقية الفنون المليئة بالألوان الطافحة بالحياة. يرغبون الناس ويرهبونهم ليزهدوا في هذه الحياة وليعتبرونها بلاء إلهيا من أجل استخدامهم كآلات للقتل وسفك الدماء واسترخاص حياة الآمنين وترويع الأطفال.
ينسون قول الله تعالى" من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا.ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". وفي عدة آيات نسمع " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله..". "ولا تقتلوا أنفسكم.إن الله كان بكم رحيما".
لقد آن الأوان لوضع مسافة مع هذا التراث المثقل بالدماء المليئ بالدعوات إلى القتل والقتل المضاد المفعم بالكراهية. وخان الوقت لمساءلة البرامج التعليمية المدرسية التي تتوجه إلى الأطفال في التعليمين الأولي والابتدائي من أجل تنقيتها من كل الدعوات الصريحة والضمنية لممارسة العنف وتبرير القتل (جرائم الشرف مثلا.رجم الزاني.بتر يد السارق...).
تحتاج مدارسنا اليوم وفي كل المستويات إلى خطاب إنساني- غير موجود اليوم- يتوجه إلى الوجدان ويخاطب المشاعر ويحرك خلايا الإبداع والنبوغ والعبقرية.خطاب يعلم الأطفال معنى الحياة ويرغبهم فيها وفي مقاومة كل الصعوبات والظروف لعيشها واحترامها والتمتع بها في اللعب والموسيقى والرسم والنحت والتصوير والمسرح والأدب والعلوم وقيم الجمال والرياضات والعناية بالجسد واحترام البيئة.
نحن مدعوون لعيش الحياة كما لو كانت هي الحياة الوحيدة بدلا من العيش وسط الموت والبكاء والقبور وأصناف التعذيب والعقاب ومظاهر الخوف والرعب. تحتاج مدارسنا للموسيقى الراقية والأنغام الخالدة من أجل تهذيب النفوس ومساعدة الشباب على التحكم في انفعالاتهم، تحتاج مدارسنا إلى الرسم ليعبر تلامذتنا وشبابنا عن رغباتهم وأمانيهم التي لا تسمح سلطتا المجتمع والدين بالكشف عنها علانية، تحتاج لفن النحت، الفنون الرياضية لتفريغ كل أشكال المكبوتات في المجهود البدني للمحافظة على الصحة وسلامة الجسد، تحتاج المسرح لإتاحة الفرصة للأطفال والشباب من أجل تطوير مهاراتهم وقدراتهم الطبيعية في عيش الحياة...
الموت آت في النهاية مهما كان، والحياة التي نملكها تستحق أن تعاش بكل ما فيها. فلنعشها كما يجب، ووحده عيشها واحترامها يعذب دعاة الموت والقبور والثعابين والنار ويحطم أعشاش الجهل التي يفرخون فيها القتلة والمتطرفين أعداء الحياة وينهي استغلالهم لجهل الناس لمراكمة الأموال والاغتناء.
عاصم منادي إدريسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من


.. المتحدث باسم اليونيسيف يروي تفاصيل استهداف الاحتلال أطفال غز




.. مأساة إنسانية في غزة.. أكثر من 37 ألف قتيل ونصف مليون تُحاصر


.. مسؤول إسرائيلي لـ-أكسيوس-: حماس رفضت مقترح بايدن لتبادل الأس




.. سرايا القدس: لا نعلم إن كانت المعاملة الطيبة مع الأسرى ستستم