الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحة العامة للمرأة العاملة

حسين سليم
(Hussain Saleem)

2015 / 5 / 2
ملف - حقوق المرأة العاملة في العالم العربي - بمناسبة ايار عيد العمال العالمي 2015


تتشكل صحة العمال العامة ، من ثلاثة عناصر هي : السلامة المهنية ، الصحة ، والبيئة ، ولا يمكن قصر احداها عن الأخر ، فلا سلامة مهنية دون صحة ، ولا صحة وسلامة إلا في بيئة سليمة صالحة للعمل .وترتبط صحة المرأة العاملة ، بعلاقة مركبة مع صحة المجتمع وتطوره ، تتداخل في هذه العلاقة ؛ حقوق الانسان ، والعدالة الاجتماعية ، والمحدّدات الاجتماعية والاقتصادية ، التي تحدد وتشكل بنية صحة المرأة العاملة .
الصحة العامة ليست موضوعا صحيا فحسب، بل هي إضافة إلى ذلك موضوعا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا . فهي على خلاف الطب ، الذي يتعامل مع الفرد ، تتعامل هي مع المجتمع ، تقيه من الأمراض وتخفف من وقوعها على الأقل، ان لم تمنعها . وهي تستند على عدة علوم ، منها الطبية والاجتماعية ، وتعتمد في سياق عملها وقراراتها على البيانات والمسح والإحصاء تهدف الى العدالة الاجتماعية والمساواة وتركز على الوقاية اكثر من العلاج .كما ان الصحة العامة ليست من اختصاص ذوي العلاقة بها ، بل كل المواطنين ، كل حسب موقعه ومجال عمله.
صحة المرأة العاملة من صحة المجتمع ، تؤثرفيه ، وتتأثربه . وصحة العمال عموما ، والعاملات خصوصا ، هي جزء من الصحة العامة ، تتمثل بالصحة والسلامة المهنية والبيئية ، وتشمل الاهداف الآتية :
- وقاية العمال من الإصابات ذات الاسباب المتعددة اثناء العمل.
- وقاية العمال من الأمراض المختلفة.
- حماية العمال من الاخطار البيئية .
- دعم السلوك الصحي والمهني في العمل ، وتعزيز انعكاساته الايجابية على صحة واقتصاد المجتمع .
- دراسة المحدّدات الاجتماعية والاقتصادية ، التي تؤثر في صحة العمال والعاملات ، والعمل على تحسينها.
- اشراك العمال وممثليهم في وضع السياسة الصحية لبيئاتهم المختلفة .
- المشاركة مع المجتمعات المحلية ، والنقابات المهنية الاخرى ، خصوصا الصحية منها ، في فعاليات صحية وبيئية.
تلعب المحدّدات الاجتماعية ، دورا مختلف التأثير، في تشكيل صحة المرأة العاملة. وهي كما عرفتها منظمة الصحة العالمية : " الظروف التي يولد فيها الناس وينمون ويعيشون ويعملون ويعمرون . تتشكل هذه الظروف من خلال توزيع المال والسلطة والموارد على المستوى العالمي والوطني والمحلي" . وهناك من يقصرها إلى عوامل محددة أو معينة ، أومن يأخذ بجميعها ، والبعض بسبب مصالحه السياسية والاقتصادية ، يحصرها بالعامل الفردي ، فقط ، ويتغافل عن التوزيع العادل للموارد والمال . ولكنها بصورة عامة تشمل العناصر التالية : الثقافة ، العادات ، السكن ، البطالة والعمل وظروفه ، الدخل ، الجيران والمحلة والمجتمع الاهلي ، الأمن الغذائي ، الجندر، العمر ، التعليم والأمية ، السلوك ونمط الحياة ، الحصول على المعلومة ، النقل ، الجينات والاستعداد البايلوجي للشخص .
وقد بينت الدراسات ؛ إن الانسان الذي تعرض الى اضطهاد وعزل وظلم اجتماعي ، في حياته ، يكون أكثر عرضة للأمراض من الآخرين . وإن المرأة – العاملة التي تتعرض الى اضطهاد وحرمان في حياتها منذ الصغر، تكون أكثر قابلية للإصابة بالأمراض ، من المرأة التي لم تتعرض الى تللك العوامل ، حتى وإن تساوتا ، في الظروف لاحقا ، من مهنة وتعليم وزواج وغيره ، إذ أنها ستتعرض إلى اسقاط جنين أوتلد طفلا ناقص الوزن . وكذلك بقية العوامل وتأثيراتها ، فالمرأة التي تفقد منذ نعومة اظافرها فرص التعليم ، أو السكن المناسب ، سوف تتأثر صحتها ، بشكل مباشر او غير مباشر ، بهذه المحدّدات مع مرور الزمن ، وتكون اكثر عرضة للأمراض من الآخرين . وتتراوح هذه الأمراض ؛من نفسية ، التهابات مختلفة ، مزمنة، خصوصا السكري والضغط والقلب ،إضافة إلى فقدان المناعة امام الأمراض الانتقالية .
تهدف الصحة العامة في رؤيتها للعدالة الاجتماعية ؛ إلى تحسين صحة المجتمع ككل وفق معاملة متساوية للجميع ، دون إقصاء أو تهميش، وخصوصا المحتاجين . ولايقتصر مفهوم العدالة الاجتماعية ، على الذين يعانون من الجانب الصحي والبيئي ، بل يتعداه إلى الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي أيضا . فالتباين والتمييزالاجتماعي وانتهاك حقوق الانسان ، يؤدي إلى نتائج غير عادلة في الصحة ، للمجاميع المختلفة من المجتمع ؛ فالطبقية ، الجندر ، العمل ، والتوزيع الجغرافي للسكن، والفوارق في الاجور ، بين المرأة والرجل ، تعتبر من العوامل التي تعطي نتائج صحية غير متساوية ، فالتمايز الاجتماعي يخلق التمايز الصحي في المجتمع ، حتى وإن توفرت الخدمات الصحية ! اعتمادا على المحددات الاجتماعية والاقتصادية ، والتي تعتمد بدورها ، على توزيع السلطة والموارد والمال .
تقع تبعات هذه العوامل على المرأة العاملة ، أكثر من الرجل ، خصوصا في البلدان الفقيرة ومنها مجتمعاتنا الذكورية ، في ظل غياب ثقافة وتطبيقات حقوق الانسان، التي غالبا ما تقصر على الجانب السياسي ، دون الجوانب الاخرى ومنها الصحية . فالمرأة العاملة تتعرض إلى معاناة مزدوجة ومركبة ، تؤثر في صحتها . فتتنوع الإصابات والأمراض التي تتعرض لها ، جراء ضغوطات العمل ، وتدني الاجور مقارنة بالرجل ، وفي البيت حيث ضغوطات الحياة الزوجية والأسرية ، ناهيك عن المحيط الاجتماعي .
وترتبط الصحة البيئية للعمل ، كما ترتبط بيئة البيت والمجتمع بصحة المرأة العاملة ، فهي تتعرض إلى مخاطر بيئية مختلفة : إصابات مهنية ناتجة ، عن التعرض لمواد كيميائية وعوامل فيزيائية ، أو العمل في بيئة غير سليمة ونظيفة ، من ناحية التهوية والضوضاء وعنف نفسي ، وقلة اجور في المعمل ، كما تتعرض إلى عنف اسري ؛ جسماني وجنسي ، وتلوث هواء داخلي كالتدخين واستخدام المحروقات دون تهوية داخل المنازل ، أو تلوث خارجي كالغازات الناتجة من احتراق وقود السيارات والمولدات الكهربائية ، وعنف متنوع داخل المجتمع .
فالعنف ضد النساء ، مثلا ، من المشاكل الصحية العامة عالميا ، له علاقة بحقوق الانسان وتأثيرات اقتصادية واجتماعية على الافراد والمجتمعات ، إذ يؤكد تقرير منظمة الصحة العالمية أن " أكثر من ثلث عدد النساء في العالم ضحايا للعنف البدني أو الجنسي " ، وقد عرفته منظمة الصحة العالمية بأنه " أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه ، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أومعاناة للمرأة ، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية ، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية ، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة "
يحدث العنف لأسباب كثيرة اعتمادا على ثقافة وعادات وتطور المجتمعات من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ، ويتخذ أشكالا مختلفة داخل الأسرة أوالعمل أو المجتمع ، منها : تهديدات ، تخويف ، إعتداء وضرب ، اغتصاب ، ختان الإناث ، تحرش لفظي أو جسدي ، شتائم ، تحقير ، منع الاتصال الاجتماعي ، فرض الملبس ، منع العمل ، وجود محرم ، إتجار بالنساء ، التميز في العمل والوظائف ، القتل على يد الشريك . وجراء ذلك ، تعاني المرأة المعنفة من مشاكل صحية واجتماعية ،مثل ، الأمراض النفسية كالأكتئاب ، عدم الثقة من المشاركة في الحياة العامة ، الخوف ، العزلة الاجتماعية ، وأخرى صحية ، كالإجهاض ، قلة وزن المولود ، كسور ورضوض ، أمراض باطنية ، وانعكاسات سلبية على الأسرة والأطفال ، إضافة الى أمراض جنسية في حالات الاغتصاب .
لقد تنبه انجلز وشاهد عن معايشة وكتب مؤلفه ، وهو ابن الخامسة والعشرين ، ( وضع الطبقة العاملة في انجلترا ) ، قبل اشتراكه مع ماركس في كتابة ( البيان الشيوعي) ، عن ظروف العمال المأساوية ؛ من مساكن غير ملائمة ، وظروف عمل غير مناسبة ؛ من رطوبة وتهوية وتلوث ، وإصابات عمل متنوعة ، وأمراض مختلفة ، ناهيك عن التمييز بين الرجل والمرأة ، في العمل ، والتي ما تزال تشكل موضوعة أساسية ، في حياتنا المعاصرة ، وعلى المستوى العالمي ، وبما نسميه اليوم ؛ بالصحة والبيئة والسلامة المهنية ، التي تتطلب وجود دراسات وبيانات متنوعة تتناول صحة المرأة العاملة . وان يشكل الاهتمام بالصحة والسلامة المهنية والبيئية ، حيزا من عمل ونضال الطبقات العاملة وأحزابها في بلداننا ، وان يرتبط بنضال ومشاركة النقابات المهنية الاخرى ومنها الصحية ، والمدافعة عن حقوق الانسان والمرأة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ، من اجل رفع شأن المرأة العاملة ، ودورها في البيت والمعمل والمجتمع . فهل تأخذ الصحة العامة ، ومنها صحة العمال والعاملات ، حيزا في نضالاتنا اليومية؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل