الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في معاني الوطن

رنا كواليت

2015 / 5 / 2
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


استضاف الأردن العام الماضي المئات من مسيحيي العراق الذين فروا من ارهاب ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على مدينة الموصل، وتم استيعاب غالبيتهم في قاعات عدد من الكنائس الكاثوليكية في المملكة.

وكحال أي لاجئ، فقد فروا دون ممتلكات، يرزحون تحت ضغط الحاجة إلى مختلف أنواع المساعدة الإنسانية كالغذاء والكساء والدواء والتعليم وبالذات اللغة الانجليزية، لأن مصير معظم هؤلاء اللاجئين هو الهجرة إلى الدول الغربية.

وحال هؤلاء العراقيين كحال غيرهم من السوريين الذين طالتهم أفعال هذا التنظيم المتطرف وجرائمه البشعة، فأجبرتهم على الهروب من ويلات الحرب وترك حياتهم وبلادهم وخططهم المستقبلية ليصبحوا مهجرين يقيمون بشكل مؤقت في الأردن وكردستان ولبنان إلى أن تكتمل معاملاتهم ويستكملون متطلبات الهجرة.

ولأنه ليس بإمكان هؤلاء اللاجئين الالتحاق بمدارس المملكة، فيتم إعطائهم دروسا في مواد معينة في أماكن إقامتهم، حيث يتم التركيز على اللغة الإنجليزية لجميع الأعمار مع حصص في اللغة العربية والرياضيات والعلوم لفئات عمرية معينة، فيما تحتل المحادثة سلم أولويات تدريس اللغة الإنجليزية ليتمكنوا من إجراء ولو محادثات بسيطة تفي بالغرض وتمكنهم من التواصل مع المجتمع الغربي لدى وصوله لبلد المهجر.

ومع مطلع هذا العام، انخرطت في برنامج لإعطاء دروس محاثة في اللغة الإنجليزية لثمانية طلبة عراقيين من كلا الجنسين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشر والتاسعة عشر نزح غالبيتهم مع عائلاتهم من منطقة قراقوش – والتي تكتب أيضا قرة قوش أو قرقوش – وهي بلدة سريانية تقع في قضاء الموصل، إبان سيطرة "داعش" على هذه البلدة حوالي شهر آب الماضي.

وفي يوم مشمس من شهر نيسان الحالي وقفت بصحبتهم وتحدثت معهم بمواضيع مختلفة، وتطرقنا إلى موضوع الوطن، وبالتحديد العراق، وعندما سألت إحداى الطالبات التي لا يتجاوز عمرها السادسة عشر عن بلدها العراق، اجابت بأنها "تحب العراق حباً جماً". وعندما سألتها عن السبب ردت على فضولي وعينيها تملأها الدموع بأنه بلدها الذي عاشوا فيه بسلام وبين ليلة وضحاها أجبروا على ترك "حياتهم" والفرار إلى مصير مجهول.

ومع أن إجابات الطلاب الثمانية على السؤال تباينت، إلا أنها جميعها كشفت عن حب متجذر لمسقط رأسهم اعجز عن وصفه، ولخصه أحدهم وعمره خمسة عشر عاماً بأن كل عالمه يكمن في قراقوش، فهو لا يعرف غيرها، ففيها أقاربه وأصدقائه ومدرسته وأماكن لهوه. فتاة أخرى شرد إرهابيو"داعش" أسرتها من الموصل توضح جانبا آخر من صورة الدمار الذي ألحقه التنظيم بأهالي الموصل وقالت أن والديها نزحا إلى إربيل في حين لجأت هي وأخاها إلى الأردن بعد أن مكثا بعض الوقت في إربيل التي طالتها يد الإرهاب، فقرر أخاها الذي يكبرها بالعمر أن يهرب بها إلى الأردن ومنه إلى المهجر، في حين آثر والدايها البقاء في إربيل على أمل أن تهدأ الأوضاع في الموصل ليتمكنوا من العودة إلى حياتهم التي لا يمكنهم تصورها خارج قراقوش.

وبحديثي المختصر مع هؤلاء الفتية الذين يعيشون معاناة إنسانية ناتجة عن شكل من أشكال القمع والظلم، تعلمت درساً جديداً حول (معنى الوطن). درساً يخرج عن نطاق البعد الجغرافي والمادي للكلمة، درساً كان قد بدأ بإيقاظ حواسي مع بدايات الربيع العربي، لأخرج من قوقعة النظر إلى الوطن على أنه من المسلمات في هذه الحياة، ليصبح أشبه بالروح "ويسكنني بكافة تفاصيله" فهو الهوية والكرامة، والمبدأ الذي لا يساوم عليه، وهو الماضي والحاضر والمستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة