الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة : -العصفور الرمادى-

محمد عبد المنعم الراوى

2015 / 5 / 2
الادب والفن


بدأ البيض يفقص..العصفورة ترقب خروج الأفراخ بشوق..
ثلاثة أفراخ تبدو كأمها ذات الريش الملون وفرخ يبدو كأبيه ذى الريش الرمادى.
الأم تضرب بجناحيها..تصعد..تهبط..تغرد..تحوم حول صغارها..تلاغيهم..كأنها تريد أن تحكى لهم قصتها مع حبيبها الرمادى..الصغار تمط رقابها فى شوق لتسمع من أمها ما ترويه من حكايات عن الأب المفقود.
حكت لهم أول ما حكت عن قصة اللقاء الأول الذى جمع بينهما..حين شرعت تطير بمفردها..فضلت طريق العودة لعش أبيها وأمها..فاختبأت فى شجرة..وقبعت فوق غصنٍ بعيد..ترتعد خوفاً من مصيرٍ مجهول..كان ذلك العصفور الرمادى يمكث فوق غصن قريب..يستمع بإنصاتٍ لشكواها..وأنينها الذى صار نحيباً من شدة شعورها بالجوع واليأس من الرجوع..اقترب منها..جمع كل ما التقطه من حبوب..وضعه تحت قدميها..ظلت تلتهم بنهم..حبة تلو الحبة..أخيراً رفعت رأسها والتفتت إليه وفى فمها آخر حبة..اقتربت منه..رفعت رأسها..وضعتها بين منقاريه..فقبلها وأعادها إليها..انتفضت بين جناحيه..ففردهما..وضمها إلى صدره..حينئذٍ تذكرت أباها وأمها حين أطعمها وأشعرها بالدفئ والأمان المفقود..نظرت إليه..نظر إليها..سقطت الدموع السخينة من عينيها..فضمها أكثر بين جناحيه..فاختفى رأسها وغابت فى نومٍ عميق.
من يومها صار حبيبها الذى سرعان ما ألفته..ودنياها التى ملأها حباً وفيضاً من حنان.
لذلك نسجا معاً ذلك العش الجميل..عشاً كل قشةٍ فيه بنجوى..وكل غزلةٍ فيه بقبلة..وكل استدارة فيه بعِشرةٍ ولقاءٍ حميم..فصار العش القديم الذى نشأت وكبرت فيه ذكرى لماضٍ بعيد..حتى أنها لم تعد تفكر فيه ولا ترغب فى أىّ طريقٍ يهديها إليه..يكفيها من الدنيا حبيبٌ كحبيبها وعشٌ كعشها..والآن أفراخٌ كأفراخها.

حطّ على الغصن المقابل عصفور ملون..يزهو بريشه الأخضر والأصفر والأزرق..يغرد تارةً..ويلاغيها تارةً..ويغريها بما يحمله بمنقاره من طعامٍ شهىّ تارةً أخرى.
حينئذٍ تذكرت حبيبها الرمادىّ حين عاد يوماً وهو يحمل لها ما اشتهت من طعام..وكان يطعمها فى فمها وهى تلقف ما يناولها وكأنها فرخ صغير..فتضحك..لكنه لم يكن يضحك كعادته..لم تكن تعلم أنه يدارى ألماً وجرحاً ينزف دماً..حتى إذا ما انتهى من إطعامها سقط على الأرض ميتا.
نظرت العصفورة إلى ذلك العصفور الملون الذى يزهو بنفسه ولا يعلم عن حالها شيئاً..نظرت إليه متعجبةً..كيف لم ير صغارها؟..كيف لم يلمح كل ذلك الحزن على حبيبها المفقود؟..لماذا لم يقدر جوعها وجوع أفراخها؟.
ظل العصفور الزاهى يقترب ويقترب..تأمل صغارها..لمح الفرخ الرمادى..نظر إليها متعجباً..أعاد النظر نحو الفرخ الرمادى..ضحك..سخر منها..نفش ريشه الزاهى..تظاهر بالإشفاق عليها..فنظرت إليه بأسى واسستنكار..وضع ما فى منقاره تحت قدميها..لكنها ركلته..اغتاظ العصفور الملون..ظل يأكل أمامها..والجوع يشتد عليها وعلى أفراخها..تريد أن تطير لتأتى بالطعام لكنها لا تأمن تركهم.
فجأة طار العصفور الزاهى هرباً..تعجبت..ظلت تتلفت فزعاً..لمحت صقراً..سرعان ما حطّ بجسده..حاولت أن تحمى صغارها لكنه أصابها بمخالبه..نجح فى أن يقبض على العش وصغارها..طار بهما بعيدا..ظلت تنظر إلى أعقابه متحسرةً وهى تنزف دمعاً ودماً على العش وصغارها وتقول لنفسها:
ليته أكل العصافير الملونة وترك لى ذلك العش والعصفور الرمادى!

"تمّت"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا