الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يموتون تباعا..و كل موت و أنت حي يا ابي!

منى وفيق

2005 / 9 / 29
الادب والفن


لي شهقتان ..و هي البومة لها صدى يسكنني بقرف طاغ..نشأتُ معتادة ألفتها الحميمة مع الموت..قالوا كبارا أن نعيقها يؤذن بقدومه مبشّرا..و لم يكن إلا محقّقا بشارتهم.. فهو الموت!
لي شهقتان..
شهقتان اثنان تبحثان عن ثالثة لا تجدهما..
شهقتان هما .. واحدة للحياة و أخرى له ..للموت!!
لكن ، وحده قادر على جعلي أشهق بذلك الشكل ..الموت!!
الموت ..أتاني مرارا ساخرا ، ملثّما بالحزن ، مخاطبا بياضي بكل عنفوان السواد!
غير قادر هو على الهمس من الخارج..و لشدّما هو بارع في الانسحاب عميقا نحو الداخل ليخرج إلى الخارج رنّانا ، راقِناً آلاما تهتز بين أضلعك بانسياب نزيف دام!
يلاعبنا الموت بلطف..غنيّ في تنوّعه و عبقريّ في اختيار توقيته..خير خالق للدهشة أبدا!

أيّنا يغيظ الآخر أكثر هو أم أنا..؟!
جولاته معي كثيرة و كثيرة ..ظفر فيها جميعها..قد كان يحسن ارتداء الحيوات داخلي ليقتلها..

بدءا ،اختار الأصدقاء .. ساومهم طويلا حين وجد حبي لهم كبيرا لا تحتمله قلوبهم المعتادة على العادي و الجاف و القليل ..عجزت عن تأبينهم بعدما ماتوا داخلي..و مضى هو ساخرا بفرح!

بعدها ، مات الحب الذي كان وجها لحبيب لم يكتمل.. ناداني قبل احتضاره "أخشى إن أطلقت سراحي أن أطير حرّا إلى لا شيء"..بيد أنّه طار فعلا إلى موت..إلى موت!

ثم مات الفرح متأثرّا بجراحه من معارك عدة مع خيانات ما فتأت تبحث عني و كنت أخلف مواعيدي معها ..غير أنّها كانت تجدهم في انتظارها عوضا عنّي.. قد تواطأ الحزن مع الموت ،و ذهب الفرح إلى غير ما فرحة!

وبين الزمنين ،بين القبل و البعد، أتاني الموت إلكترونيّا .. كان الكفن ميسنجرا والدّفن طقوس مختلفة لجماعة من إنترنيتيّّين ..بضعهم يرديك طريح المرض متعافيا بين حبلين حين يحظرك و البعض الآخر يكون رحيما فيغتالك حين يحذفك من قائمة ميسنجره!

دور أحبّ صديقاتي لم يتأخر البتة ، فقد ماتت داخلي أو جعلتني أختار لها في كلّ حين ميتة مختلفة.. ذاتي كانت صديقتي..و أصبحت صديقتي اليوم أقنعة كثيرة للموت!
في لحظة بين القلب و الروح ماتت دمعتان و ثلاثة و خمسة..ساوم الموت العين المريضة فظل العوسج يسكن العين دون أن تنزف دمعتان و ثلاثة و خمسة..!

أمس فقط ..مات الله مجددا ..رحت أتلمس نوره في العتمة ..العتمة شديدة ..شديدة و ضوءها يُضِلّ ُكلَّ نور..و العتمة تشتد و تشتد في حين أجدّ باحثة عن الله..و أجده ميّتا داخلي و لو لحـــــــــيــــــــــن!

هو أيضا مات..."بّا مكتار" .. هل يعرفه أحدكم غير الموت؟ كان جدّا لي تبنّيته عن حب و و استحقاق..حين مات أبي أنا من لا جدّ لها..اخترت "بّا مكتار" جدّا لي.. ماكانت ابنة الأربع عشرة ربيعا خريفيّا إلا لتجد كل الفرح و الحياة في قبول الدراهم من "بّا مكتار"..مات "با مكتار"..ليحيى اليتم عن سابق موت!

ماتوا ..و يموتون تباعا يا أبي الحبيب.. و لكنّك حيّ بعد كلّ موت ..تحيا مع كلّ موت يا أبتي..وحدك تمنع عنّي سخرية الموت!!

لك موتٌ يا موتُ يوما..و إلى حينه أقول لك ملئ الحياة ": تبّا لك ، تترك لنا مسافات نتوهّم أنّنا نتنفّس داخلها في حين لسنا إلاّ ممارسين طقوس الفجيعة ، منتظرين موتا آخر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنا صدم الفنان عباس ا?بو الحسن سيدتين بسيارته في الشيخ زايد


.. إيران تجري تحقيقا في تحطم المروحية.. وتركيا تتحدث عن رواية ج




.. ضبط الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في الشيخ


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 20 مايو 2024




.. عوام في بحر الكلام -الأغاني المظلومة في مسيرة الشاعر إسماعيل