الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق معوجّة ... والمقصد مستقيم

أحمد جمال

2015 / 5 / 4
الادب والفن



ما أسهل على الكثيرين ممن حولنا أن يحكموا على الناس من خلال مظاهرهم، وربطات أعناقهم، وقشورهم، ووجوههم، والأكثر سهولة قد نجده في ألسنة البعض، إذ تنقلب ألسنتهم إلى محارق وسيوف تحرق وتخترق لحوم الآخرين وعظامهم. ومثلما لا يحلو للخنازير إلا أكل الفضلات والتمرغ بالوحول ،كذلك هي تلك الألسنة الطويلة، والتي لا تعيش إلا على النميمة والكذب والدجل والنفاق. (إن شر ما طبع عليه المرء، خلق دنيء، ولسان بذيء، وما اللسان إلا حية الفم. إن كل شيء في الإنسان يصلح متى صلح لسانه، ولا يستقيم اللسان إلا إذا استقام القلب). من اليسر أن تزهر بعض جوارح النفس على حساب بعضها الآخر. فيحل الطمع مكان الكرم، والشهوة محل العفاف، والجبن مكان الشجاعة والإقدام، والأشواك محل الورود.

ومن المؤسف والعار أن نرى رؤوس الشوك فوق تيجان الورود، وذيول البغال في مقدمة كل سباق.

حينما تتكاثر الأعشاب الضارة يقل المحصول، وعندما ينحف الأطفال تسمن الديدان في بطونهم، وحين تصبح الحصى والحجارة أكثر من ذرات التراب، والحشرات وخفافيش الظلام أكثر من اشجار التين والزيتون والعصافير، والفراشات، تكون الحياة في طريقها إلى العدم والخراب، فالسماء، كانت وما زالت رحيمة كريمة عى أمنا الأرض، بشمسها وثلوجها وأمطارها تسقي الجميع، إنما حين يسقط الخير على من لا يستحق الخير ماذا ستكون النتيجة؟ فكل يعطي ويهدي ويقدم ما عنده من أفكار وخطط ومشاريع وأهداف.. لكن ما الذي يرجى من خطط الأفاعي، ومشاريع الثعالب وذيول العقارب، وأهداف التماسيح؟!

إن الغاية هي التي تحدد دائماً أخلاق حامليها، فتعلي من شأنهم أو تخفض من كرامتهم، وما أكثر المغرورين التافهين الذين يظنون أنهم يحملون غايات وأهدافاً غاية في الروعة، فإذا بحثنا في حقيقة أمرهم لوجدناهم أشواكاً بلا ورود، هدفها محصور في إيذاء لحوم الآخرين، وغايتها فقأ أعين من حولها.

ألا يقال: بعلو الغاية تعلو القيمة والقامة؟

فكلما كانت الغاية عظيمة، حركت في العظماء أسمى المشاعر وأنبلها، فالغايات والأهداف الكبيرة لا بد لها من وجود قامات تساويها في العظمة لتقدر على حملها والسير بها أمام الناس. (وكم مات قوم، وما ماتت مكارمهم، وكم عاش قوم وهم في الناس أموات). لا يهم الشكل إذا كان المعنى نظيفاً.. فالطريق إلى رأس النبع قد تكون معوجة، لكن المقصد مستقيم، والكلمات المكتوبة بخطوط منكسرة، وملتوية، قد تحمل في انكسارات حروفها ما لا يمكن كسره. أليست بعض الأقلام الرخيصة الثمن قد تستخدمها أصابع مبدعة فترسم وتكتب ما لا يقدّر بثمن!

العبرة في الغاية ومعناها، لا في الأدوات المستخدمة.

فإذا كانت الطريق إلى قمة الجبل عوجاء، موحلة وضيقة، مليئة بالحشرات والأشواك، فهل يعني هذا أن من يمشي عليها أعوج، وبأن عقله موحل، وصدره ضيق؟!وإن ارتدى الأسمال البالية فلن تزيده إلا روعة طالما قلبه مفعماً بالإنسانية وحب الناس.

ألا ينبت الورد الجوري في الطين الداكن، وتعيش الصقور قرب ا لبحيرات المليئة بالأسماك، ويحيا الذئب في المناطق التي تسكنها الكلاب الحارسة لقطعان الغنم والنعاج، ويعيش الفلاسفة العظام بين أقرباء جهلة وجيران سفهاء؟!

ستبقى الحياة بلا طعم أو لون أو رائحة، وخالية من المعنى إذا لم نجد فيها أشياء كريمة، وأهدافاً نبيلة نناضل من أجلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا


.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم




.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب