الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقباط واسهاماتهم في الحضاره الانسانيه 9 ( الثقافه والادب )

عبد صموئيل فارس

2015 / 5 / 4
الادب والفن


ثم تبلورت شخصية جديدة للحضارة المصرية الإغريقية المسيحية تعرف بالحضارة القبطية، وهي حضارة لها معالمها وفنونها الخاصة. لقد إزدهرت كنيسة الإسكندرية، وقامت في هذه المدينة مدارس لاهوتية أثرت تأثيراً كبيراً في الفكر اللاهوتي المسيحي، ووضع أساقفة الكنيسة السكندرية قانون الإيمان وقاوموا البدع والخرافات. أصبحت الكنيسة المرقسية بالإسكندرية المركز الكنسي الخامس في العالم مع أنطاكية، القسطنطينية، بيت المقدس وروما.

تأثر الأدب القبطي بتأثيرات يونانية وخاصة في الإسكندرية، التي انتشرت فيها الثقافة الهلينية، حتى اضطر كثير من الآباء إلى الكتابة باللغة اليونانية المنتشرة في العالم وقتذاك. وترجمت كتاباتهم إلى القبطية.

ومن أمثلة الأدب القبطي الصميم كتابات الأنبا انطونيوس، والأنبا باخوميوس، اللذين لم يعرفا غير القبطية، وخطب ومواعظ الأنبا شنوده الذي لم يشأ أن يكتب غير القبطية. وقد كان الأنبا شنودة زعيما شعبيا، يكلم الأقباط المضطهدين على يد حكامهم بلغتهم القبطية لا باللغة اليونانية لغة الحكام.

وهذا الأدب القبطي الصميم كان له مركزان هما، وادي النطرون للهجة البحيرية، والدير الأبيض والأديرة الباخومية بالصعيد للهجة الصعيدية. وهكذا نرى أن أديرة الرهبان كانت معاقل للأدب القبطي الصميم بلهجتيه الأساسيتين.

وفي بعض المخطوطات القبطية سميت اللغة القبطية لغة أهل الجبال. ولعل المقصود بذلك الصعيد لارتفاعه وأديرة الرهبان لوجودها في الجبال. وقد تولى الأنبا شنودة رئاسة الدير الأبيض سنة ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ميلادية. الذي أضحى مركزا للأدب الصعيدي. وفيه أصبحت اللهجة الصعيدية هي اللغة الأدبية للكنيسة القبطية في عصرها الذهبي.

وأمام هذه النهضة الأدبية التي تزعمها الأنبا شنوده أخذت اليونانية تتقهقر وتتراجع بمقدار النمو المطرد الذي انتشرت به المسيحية بين الريفيين، وبعدول الناس إلى استخدام اللغة القبطية كلغة أدبية، وبازدياد عدد الأقباط وشعورهم بكيانهم وقوميتهم.

ومع دخول العرب مصر كانت اللهجة الصعيدية هي لغة الأدب القبطي عامة. وكل نهوض بعد ذلك للهجة البحيرية كان على أساس ترجمة الآداب الصعيدية، التي أصبحت ظاهرة في القرون الستة الأولى للمسيحية.

يعتبر ترجمة الكتاب المقدس أهم انتاج أدبى لأقباط مصر. وقد أخذت هذه الترجمة عن اليونانية منذ القرن الثانى الميلادى, وتعتبر من أدق الترجمات لان الأشخاص الذين قاموا بها كانوا ملمين إلماما تاما باللغتين القبطية واليونانية.

وقد كانت الحماسة الدينية بالغة حتى انه لم يحل القرن الرابع أو الخامس الميلادى إلا وكان الكتاب كله مترجما إلى اللهجتين البحيرية والصعيدية وبعض أجزاء منه إلى اللهجتين الاخميمية والفيومية. كما كانت تعد أيضاً سير القديسين بمثابة نصوص دينية هامة. وهى كثيرة جدا وتزخر بوصف حياة وجهاد الشهداء والرهبان والمتوحدين والنساك وبعض الآباء البطاركة والأساقفة. ولم تكن هذه السير مجرد تاريخ جاف، وإنما كانت موضوعة فى أسلوب أدبى عميق بالغ الأثر حتى كان من نتائجها إقبال كثيرين على الرهبنة وعلى السير فى الحياة الفضلى.

وهى فى الواقع تجسيم لفضائل معينة يمثلها هؤلاء القديسون الذين كتبت سيرهم مع لون من الإيحاء فى الكتابة.

وبعض القصص الدينية فيها خيال وتصور مثل قصة ملكة سبأ ومقابلتها لسليمان الحكيم أو قصة الملك يوحنا ورئيس الدير.

والبعض وطنى نفس به الأقباط عن شعورهم القومى الذى ظل مكبوتا فترات طويلة تحت نير المستعمر. ومن أمثلتها رواية الاسكندر الأكبر وقد وجدت ترجمتها الصعيدية ف



لم يصل إلينا شعر كتبه الأقباط فى الأغراض الدنيوية المختلفة إذ كان النسك السائد فى تلك العصور الأولى للمسيحية يحول دون ذلك.

فقد اتجهوا فى المدح إلى الملائكة والعذراء مريم والأنبياء والقديسين والشهداء فى نظم يعرف باسم الذكصولوجيات وهى كلمة معناها "تمجيد". وقد جمع "ديلاسى اوليرى" الكثير منها سنة 1924 فى كتابه المسمى coptic Hymns. أما مدح العذراء مريم فلكثرته اختص به تقريبا باب اسماه الثيئودوكيات.

الأشعار والابصاليات القبطية

وقد نشر "اوليرى" سنة 1923م كتابه المسمى The Coptic Theotokia جمع فيه الكثير من المقطوعات الشعرية القبطية التى عثر عليها فى دير القديس مقاريوس والمكتبة الأهلية بباريس والمتحف البريطانى بلندن. كما ذكر أن هذا النوع من النظم كان مستحبا لدى الشعراء الأقباط حيث وجدوا فيه الفرصة لإظهار مواهبهم.

كما ذكر "اليكسس مالون" أن هذه الثيئودوكيات لها مكانة عظمى فى الآداب القبطية. وقد كان القصص من بين الأغراض التى طرقها الشعراء الأقباط أيضاً.

ومن اشهر القصص العشرية قصة ارشيليديس الراهب الذى رفض مقابلة أمه وفاء لنذر قطعه على نفسه ألا يرى امرأة. وهى قصيدة طويلة جدا على شكل حوار تظهر فيه براعة التمثيل وقوة التأثر، والقصيدة تمس ناحية حساسة من المشاعر الإنسانية.

ثم هناك الأشعار الكنسية وهى صلوات أو تأملات مأخوذة من المزامير أو الإنجيل وتسمى ابصاليات (وهى مأخوذة من الكلمة القبطية بصالموسى بمعنى مزمور) والبعض الآخر تسمى الهوسات (وهى مأخوذة من الكلمة القبطية هوس بمعنى تسبيح).

وقد اختصوا كل يوم بتسبيحة خاصة منظومة وملحنة بلحن خاص، وتوجد غالبية هذه القطع الشعرية فى كتابين هما الابصلمودية السنوية والابصلمودية الكيهكية.

كان من أشهر الكتب التي كان لها اثر بالغ فى هذا المضمار هو كتاب "حياة انطونيوس" الذى وضعه الأنبا اثناسيوس بطريرك الإسكندرية، بناء على إلحاح أهل روما. وقد أشعل هذا الكتاب روح الرهبنة والنسك فى بلاد الغرب.

ويكفى أن قراءته كانت نقطة التحول فى حياة القديس اوغسطينوس الذى تأثر به جداً، كما يذكر فى اعترافاته، حتى ترك حياته القديمة، ولم يصبح مسيحيا فحسب بل أحد مشاهير رجال المسيحية.
ولم تقتصر شهرة أقوال الآباء على عصورهم بل لا تزال لها قيمتها وشهرتها فى الأدب المسيحى حتى يومنا هذا. وقد تحمس أهل الغرب للتوسع فى دراستها وترجمتها إلى لغاتهم ونشرها.

لم تكن كل كتابات الأقباط بالقبطية، وإنما كتب جزء وافر منها باليونانية. ولهذا كان للأقباط فضل على الأدب اليونانى إذ أضافوا إليه ذخيرة جديدة من المعلومات الإنسانية. غير أن الأقباط، وبخاصة الرهبان، عادوا فترجموا إلى القبطية كتابات آبائهم التى كتبت باليونانية.

لم يكن آباء الرهبنة كتاباً، وإنما اهتموا بممارسة الفضائل عمليا وبما يلقونه على تلاميذهم من تعاليم. هؤلاء كانوا هم أنفسهم موضوعا للعديد من السير، وإليهم كان يأتى كبار كتاب المسيحية فى العالم ليتسقطوا أخبارهم ويجمعوا كلماتهم القليلة.

هكذا فى سنة 388م، جاء إلى مصر بلاديوس أسقف هيلينوبوليس، (تركيا حالياً)، ومكث سنة بين رهبان الصعيد. ثم رجع إليها سنة 406م، وقضى حوالي سبع سنوات مع رهبان وادي النطرون، وكتب كتابه الذى اصطلح على تسميته فيما بعد بـ "بستان الرهبان". وكذلك جاء القديس يوحنا كاسيان لزيارة وادي النطرون ما بين سنة 390 - 400م، وضمن كتابيه "المعاهد" و "المقابلات" أخبارا كثيرة عن الرهبان المصريين ومقتطفات من أقوالهم.

كما زار مصر لنفس الغرض سنة 386م القديس "جيروم" ومعه تلميذته "باولا". ووضع كتابا عن القديس المصري الأنبا "بولا" المتوحد، وآخر عام عن الرهبان المصريين ضمنه أقوالهم وأخبارهم. ورجع فأسس، على ضوء ما سمعه ورآه، ديرين فى بيت لحم بفلسطين إحداهما للرهبان والآخر للراهبات.


كتب آباء الكنيسة القبطية في نواح كثيرة أهمها فرعان رئيسيان هما: اللاهوت والنسكيات.

وقد كان أساتذة الإسكندرية، وبطاركتها هم عمد اللاهوت في العالم المسيحي كله. لذلك كانت لكتاباتهم أهمية كبيرة وشهرة عالمية.

وقد كان موقف الزعامة الفكرية الذي وقفه القديس اثناسيوس في مجمع نيقية سنة 325م، باعثا على ذيوع كتاباته في اللاهوت وتوضيحاته لطبيعة الإيمان المسيحي.

وأصبحت كتاباته المصادر الأولى لعلم اللاهوت المسيحي، حتى اعتبر اثناسيوس أبا لعلم اللاهوت في المسيحية.

وأنتشرت مؤلفاته التي وضعها مثل "تسجد الكلمة" و "الرد على الاريوسين" و "الروح القدس" انتشارا واسعا. وعليها بني باقي مشاهير اللاهوتيين أفكارهم حتى اصبح القول الشائع بين الغربيين في تلك العصور هو "إذا وجدت عبارة من أقوال اثناسيوس ولم تجد ورقة لتكتبها، فاكتبها على قميصك في الحال"، وكما نعرف أنه عندما ذاع صيت القديس "ايلارى" أسقف بواتييه بفرنسا لقبوه "اثناسيوس الغرب".

وكانت تلك الشهرة التي حظى بها آباء الأقباط في اللاهوت تقابلها شهرة لا تقل عنها في آداب الرهبنة.

ولعل ابرز أمثلتها قوانين القديس باخوميوس وما نالته من شهرة، حتى لقد نقلها إلى روما القديس اثناسيوس إبان نفيه عن كرسيه.

كما ترجم القديس جيروم حياة باخوميوس وقوانينه إلى اللاتينية سنة 404م، لفائدة رهبان إيطاليا. ووصلت إلى بلاد الغال في أوائل القرن الخامس عن طريق القديس يوحنا كاسيان الذي عمل على تطبيقها عمليا في الدير الذي أسسه في مارسيليا.

ووضع القديس اوغسطينوس نظامه الرهباني مسترشدا بقوانين باخوميوس، وكذلك فعل القديس باسيليوس الكبير مؤسس الرهبنة اليونانية. كما أشتملت أقوال الأباء الأقباط على فروع كثيرة منها الأقوال الكنسية التي كتبها آباء الرهبنة، الذين عرفوا أيضاً بأباء الصحراء، أو سمعت عنهم فسجلت. وكلها تحض على النسك والتجرد من العالميات وعلى الترويض على الفضيلة وتنقية النفس. ومن أمثلتها الرسائل العشرون التي أرسلها القديس انطونيوس إلى تلاميذه، والأنظمة التي وضعها القديس باخوميوس لتنظيم حياة الرهبان، وما خلفه القديس يوحنا التبايسي من ميامر (مواعظ) عميقة في الحياة الروحية.

وكذلك تشمل المواعظ والخطب الدينية التي كانت تلقى في أيام الآحاد أو الأعياد الدينية أو بعض المناسبات الأخرى، ومن اشهرها خطب الأنبا شنودة أثناء كفاحه ضد الوثنية وفي نشره لتعاليم المسيحية. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من أن الآباء كانوا قلما يكتبون، اكتفاء بتحقيق الهدف العملي وهو التسامي في ممارسة الفضيلة، إلا أن ما وصلنا منهم كثير في قدره وفي قيمته.

تأتي جملة الاذدهار الادبي والثقافي عند الاقباط الي ذلك الانسجام والزخم الذي كانت تعيشه مصر في تلك المرحله وبالاخص مدينة الاسكندريه درة الشرق ومركز حضارة العالم الثقافي في هذه المرحله فكانت ملتقي للفلاسفه وطالبي العلم والمعرفه لما كانت تحويه من سيره حسنه وتعدد لانظير له للاجناس إهدار الثقافة القبطية يعني ضرب الثقافة المصرية!

مراجع
سلسلة مقالات مصر الخالده ( مصر في العصر القبطي )
قبطي في عصر مسيحي ( زبيده عطا )
حضارة مصر في العصر القبطي ( مراد كامل )









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟