الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكنولوجيا تدمير الأحزاب اليسارية من الداخل

مصطفى مجدي الجمال

2015 / 5 / 4
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية



لا أنوي طبعًا أن أقدم المساعدة لمن يريدون تدمير اليسار المصري.. وإنما أحاول من خلال إعادة التأمل في الخبرات المباشرة لشخصي الهالك دق أجراس التحذير لأصحاب النوايا الحسنة والنفوس الفائرة كي لا يتورطوا فيما لا يجوز لهم من تكرار بليد لأخطاء من سبقوا..

قبل تفصيل الحديث لا بد من التأكيد على أن الأساس المادي لهلاك الأحزاب التقدمية أو تراجعها هو غلبة العنصر البرجوازي الصغير على عضويتها وفكرها وتنظيمها (وقد فصلت هذا في مواضع أخرى)

بعد هذا أنطلق أولاً من بديهية أظن أن كثيرين يقللون من شأنها.. ألا وهي أن لكل حزب أعداءً ومنافسين خارجه لن يتورعوا عن اللجوء إلى أحقر الوسائل كي تتحقق لهم السيادة أو السبق أو الحصول على أكبر المغانم (المادية والمعنوية) سواء فالحكم أم المعارضة..

أقولها بصراحة إن من لا يتخيل فعالية الأجهزة الأمنية وأذرعها الأيديولوجية والإعلامية وعملائها المباشرين وغير المباشرين.. فعاليتها في تدمير الأحزاب، فهو واهم ومخطئ في حق حزبه ونفسه.. وللأسف هناك من لا يقدر انشغال قوى الاستبداد والتخلف بتحقيق هدفها هذا من الداخل.. وليس فقط بالاضطهاد أو الاعتقال أو حتى التصفية الجسدية

واهم جدًا من يتصور أن الأحزاب متروكة بدون "لعب فيها".. خاصة في بلد مثل مصر بكل أهميتها الاستراتيجية في الصراعات الدولية نفسها.. نعم يوجد في كل الأحزاب ناقلون للمعلومات والأخبار.. كما يُزرع فيها أو يُستقطب منها من يضطلع بتعميم القلق والانشقاق وإشاعة الأجواء المريضة داخل الحزب المستهدف.. وذلك في سياق دراسة متعمقة للتباينات السياسية والشخصية داخل الحزب، واكتشاف الثغرات التنظيمية التي يمكن القضاء على حيوية التنظيم نفسه من خلالها..

أضيف أن البعض لديه صورة نمطية عن الأدوات والأشخاص المستخدمين (حتى دون علمهم) تحصرهم في اتجاهات وشخصيات "يمينية".. بينما تؤكد التجارب التاريخية أن اللجوء "لليسارية" أمر ممكن أيضًا

طبعًا هناك من سيعود بمقعده إلى الوراء ليلقي عليّ دروسًا عن سخافات نظرية المؤامرة.. لكنني للأسف لا أنزعج من هكذا جدال.. فمن المؤكد أنني ضد تضخيم الأشياء أو إلقاء كل اللوم على العبث من الخارج.. إلا أنني أريد تنبيه المخلصين إلى أنهم قد ينغمسون في ممارسات "حسنة النوايا" لممارسة الصراع الحزبي الداخلي (وهو مطلوب حكمًا وفق آليات تنظيمية وأخلاقية وتوقيتات محددة) بهدف إصلاح الحزب أو تثويره.. لكن تنتهي جهودهم للأسف بإضعاف الحزب أو حتى شلّه أو قتله

أقولها بوضوح تام: إن أهم مساعدة تحصل عليها المؤامرة تأتي من المتآمر عليهم أنفسهم

أول ما ترمي إليه المؤامرة هو إشغال الحزب في قضايا ثانوية والإمعان في الهجمات المتبادلة غير الموضوعية بين الزملاء.. وفي ثقافتنا اليومية للتعامل والحوار ما يكفي لتحقيق الغرض.. فيصبح الجهد الأكبر لكل عضو موجهًا إلى زملائه تحت شعارات مثل التطهير والتثوير ومعاقبة المخطئين.. وكأن الحزب يمكن أن يخلو تمامًا في يوم من الأيام من مخالفيك في الرأي أو النهج الجماهيري أو التنظيمي.. أو من المخطئين في حقه.. وأنه لا يمكن تفعي النضال بدون البدء بإنزال العقوبات.. ومن الممكن أيضًا أن يحاول كل من الشاكي والمشكو في حقه أن يلعب دور الحكم ويحدد العقاب المطلوب مسبقًا

أعود لأكرر التأكيد على أنني لا أتحدث عن جدارة الخلافات وحقيقة وجودها.. وإنما أتحدث عن استغلالها أو ممارستها بطرق خاطئة لا تفيد سوى المتربصين بالحزب

من الأساليب الأكثر مباشرة هو محاولة الخصوم الطبقيين (حتى على المستوى الدولي) اجتذاب القيادات والكوادر الوسيطة بالمغريات المادية (كتمويل منظماتهم الحقوقية مثلاً) والتلميع الإعلامي والإشراك في المؤتمرات الدولية غير المؤذية.. وهكذا تتضخم قيادات وتتوارى أخرى فيثور الحسد والتنافر

ومما تهتم به الأجهزة : دراسة الشخصيات القيادية والتناقضات بينها.. حتى تستطيع العمل على هذه التناقضات.. ومن المفيد جدًا للتآمر أن يتم إلباس التنافر الشخصي ثوبًا سياسيًا مثلما يتم تجسيد الخلاف السياسي إلى صراع مع أشخاص بعينهم يجري تركيز السهام عليهم

وتكون البيئة "المثلى" هنا أن تتبلور داخل الحزب أجنحة على أساس سياسي أو تنظيمي أو حلقي أو حتى جهوي.. وليس معنى كلامي هنا إنكار موضوعية تشكل الأجنحة.. وإنما استغلالها أو إمعانها في الخلاف أو سد الطريق أمام الحل الديمقراطي للخلافات

ومن المؤسف (لكنه معتاد) أن يتلاعب بعض القادة بالقواعد التنظيمية المعتمدة، ويحاولون حشد الأنصار لهم والمعادين "لمنافسيهم" بكل السبل الممكنة من اختراقات تنظيمية وتكتلات وحتى الكيل بأكثر من مكيال

والتقنية التي تلي هذا في الأهمية هي التركيز على هفوات وأخطاء قيادات أو هيئات وتحويلها إلى معركة كبرى تتكفل بامتصاص الجهد وتفكيك ما لا يجب تفكيكه.. وخصوصًا إهدار الآليات التنظيمية المعتمدة لاتخاذ القرارات وحسم الخلافات

ومن التوقيتات المهمة لتصعيد التآمر أن يكون الحزب يمر بأزمة سياسية أو هزيمة تكتيكية، وساعتها ما أسهل ترويج الاتهامات المتبادلة عن المتسبب في الفشل.. ولا سيما بألفاظ وتوصيفات شديدة الحدة

ومن المفهوم أن محاولات الانقضاض من الداخل تزداد سعارًا إذا كان خط الحزب أيضًا في صعود جماهيري وتنظيمي. ولحظتها يتم حشد كل الأسلحة المسمومة للقضاء على "الخطر" قبل استفحاله.. وتكون النتيجة هي انكفاء الأحزاب على نفسها وتبديد طاقاتها

وقد يصل الأمر بالبعض إلى مستويات أدنى من الخلاف مثل تضخيم جريمة أخلاقية أو تصريح خاطئ أو موقف سياسي ملتبس لقيادة أو عضو، ومحاولة تعميمها على آخرين، فيما يمكن أن يشكل وقودًا لتأجيج الهياج المتبادل

الأساليب كثيرة جدًا.. والجراب حافل بالحيل والأضاليل.. لكن لا بد في الأخير من الاعتراف بأن أهم العوامل المساعدة على تدمير الأحزاب اليسارية من داخلها هي:
= فقر الوعي النظري
= ضحالة الثقافة السياسية
= الطابع الطبقي (البرجوازي الصغير أساسًا) الغالب على القيادة والعضوية
= العزلة عن الجماهير ونخبوية الأنشطة الحزبية
= ترهل البنية والحياة التنظيمية وعدم إعمال قواعد المحاسبة والمسئولية وتشجيع المبادرات وبناء الكادر الاشتراكي بوعيه وأخلاقياته








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا


.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة




.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق


.. VODCAST الميادين | علي حجازي - الأمين العام لحزب البعث العرب




.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا