الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سنوحى المصرى: شخصية من مصر

محفوظ أبوكيلة

2015 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


سنوحى "إبن الجميزة" (2000 قبل الميلاد– 1936 قبل الميلاد )، عاصر إثنان من فراعنة الأسرة الثانية عشر بالدولة الوسطى، هما أمنمحات الأول وسنورست الأول. ولد سنوحى لأب من وجهاء طيبة وملاّكها , وفي عهد الإصلاحات الجديدة التى قام بها امنمحات صودرت أملاك الإقطاع , إلا أن الملك " أمنمحات " أعاد له ضياعه وأملاكه فيما بعد. وقد أدرك الأب من هذه التغييرات والتطورات الجارية فى البلاد حكمة الزمان، الذى أوصى بها ابنه بقوله له: " لا تحسبن يا صغيرى سنوحي أن النبل والشرف خلق يورّث أو طبع يمتاز به أناس , ولا هو دم ذكي يجري في عروق دون عروق إنه في كل عصر وفي كل بلد يتألف من أرض وطين , ومن بقر وغنم وحمير , وما يتبع ذلك من مواد وغلاّت وبيوت ومنشآت ), ولذلك فقد آثر الأب أن يبحث لإبنه عن دور في البلاط يجنبه المفاجآت.
صار سنوحي بمساعي أبيه وحكمته أحد قادة الجيش, وخلال مشاركته فى إحدى معارك تأديب البدو فى الصحراء الليبية تحت قيادة سنورست وريث الملك وشريكه فى الحكم. في اليوم السابع من الشهر الثالث من فصل الفيضان , في السنة الثلاثين من حكم الملك جاءت أنباء وفاتة ، وقد شاء حظ سنوحى العاثر أن يكون فى مكان قريب أتاح له أن يسمع ما أسر به الرسول لسنورست مما جعل سنورست يهرع لفوره إلى عاصمة الملك، ولكنه وجد أخيه آنى ينازعه العرش، وتطايرت أنباء الصراع على الحكم بين " " سنوسرت وزوجتة نفرو من ناحية وآني وزوجته نورا من ناحية أخرى. أرتعد سنوحى خوفا مما سمعه ( ولم يبح به أبدا حتى وفاته) فقد يؤدى إلى وقوع كوارث. ووجد البلاد وقد أحدقت بها المخاطر، وهو فى حيرة من أمره لايدرى إلى أى جانب ينحاز فقد كانت علاقته قوية بالطرفين ومحل ثقتهم خاصة الزوجتين نفرو ونورا، ويصف سنوحى حالته فيما كتبه على مقبرته قائلا: " قلبي يضرب , وذراعاي تتراخيان , والفزع يدبّ في أعضائي جميعها, إذ قدّرت أن فتنة سوف تقع في مصر".
طار صوابه وما لبث أن ولى وجهه شطر الجنوب ينشد الفرار وألقى عصا الترحال إلى حيث لايدرى. يصف سنوحي طريق التخفي في مصر متجولاً من جزيرة إلى أخرى ومختبأً خلف شجر الجميز وبين الصخور ومعتصماً بالقلاع المشيّدة لصيد الأسيويين والبدو الطامعين حتى إذا ما وصل إلى جزيرة كم أود "فيما يعرف اليوم بالبحيرات المرة" سقط من الإعياء والعطش إلى درجة الهلاك "أوطعم الموت طبقا لتعبيره". ويسوق القدر اليه بعد هذه المشقة ببعض العربان, يعيدون إليه رمقه بالماء واللبن.
ويتجول سنوحي من بلد إلى بلد ليستقر به المقام في كنف حاكم رتنو " جنوب الشام "، وكان اسمه " منشي بن آمو"، وقد أخذ هذا الحاكم بيد الغريب , وسكّن مخاوفه: " ستكون معي وستسمع أخبار مصر". ويسرد سنوحي لمولاه الجديد قصة فراره، يركز فيها على أنه لم يكن مشيّعاً بأى لعنة، وشارحا له لواعج نفسة التى ساقته إلى تلك البلاد. شارحا له مدى قوة الملك الفرعوني وبأسه وحكمته ورجاحة رأيه وحظوته من الشعب وأخلاقه في التعامل مع الموالين إليه , وينصح مولاه أن يقيم معه أوثق العلاقات. ولكأنما كان قدر من الله مآله في هذه الأرض الجديدة إذ ابتسم له القدر بدءاَ من زواجه من ابنة الملك وازدياد أملاكه وتأميره على الجيش وإسناد المهام الأميرية له مقدماً على أبناء الحاكم السوري. وأنجب ثلاثة أبناء ، أصبح كل منهم شيخ قبيلة. ولكنه دأب على أن يختم صلواته طالبا من ربه: " هلا قدرت لى أن أرى البلاد التى أحب، قواي تخور وتضعف، ووهن العظم مني، وفقدت عيناي البريق. وأنا لا أريد أن أموت في بلد أجنبي. يقذف أهلها ، بجثث موتاهم للضباع الكاسرة والطيور الجارحة، وليس أعظم لدى ولا أحب الى قلبى من أن أدفن فى الأرض التى ولدت فيها، إنها أمنية يتمناها كل مصرى وهى أن يموت فى وطنه". عندما وصلت أخباره الى مسامع الملك سنورست " سيزوستريس" وزوجته نفرو الذين لم يكونا قد نسوه، أصدرالفرعون أمره بالعفو عنه ، ووجه إليه رسالة فى لفافة من البردي، يدعوه فيها للعودة إلى مصر قرأها الرجل وانهمرت الدموع على خديه. تقول الرسالة: "لقد سافرت بعيداً.. دفعك قلبك الخائف إلى أن تهرب من بلد إلى آخر. عشت سنوات كثيرة مع البدو، وكنت مثل بدوي أنت نفسك. لكننا نتذكرك كما كنت في يوم من الأيام. لذلك عد إلى العاصمة وقَبِل ترابها. ولسوف تعود قذارة جسدك إلى الصحراء. سوف تُعطى ملابسك إلى هؤلاء الذين يعيشون وسط الرمال. ولسوف يدهن جسدك ويضمخ بالزيوت العطرية ويُلف بالكتان المندى. لن تموت في الخارج. سيصنع من أجل مومياوتك صندوق من خشب الأرز، ويوضع جسدك على عربة تجرها الثيران المخصية، وتتقدمها مسيرة المنشدين، ويرقص الأقزام على باب مقبرتك. فهيا عد يا سنوحي، هيا ارجع".
عاد سنوحى ...أحسن الفرعون لقائه وعينه فى بلاطه. وأسكنه في بيت أحد أبنائه، حيث توجد أفخر ضروب الأثاث، وكان فيه حمام.... ؛ وقص شعره، ومشط، وجيء له بأرق الملابس الكتانية وعطّر جسمه بأحسن الزيوت. فى هذه الأثناء صور سيرة حياته الممتدة على أكثر من ثلاثين عاما أمضاها في بلاد الشام تعرض فيها للكثير من المغامرات، وقاسى كثيرا من الشدائد والأهوال، قبل أن يعود لينهى دائرة حياة دراماتيكية ذات دلالات حضارية واجتماعية وثقافية، سجل سنوحي وقائع رحلته , وصور لواعج نفسه واصطراع وجدانه, ورصد مواجده ومخاوفه على ورق البردي بموهبة ومهاره, باسلوب خاص, يتميز ببساطة السرد ورقى التعبير، فترك بذلك نصا نادرا يعد من أمهات الأدب العالمى، عبارة عن وثيقة رصدت بالإضافة الى سيرته معتقدات الفراعنة وعاداتهم, وعكست بعض حياة بلاد الشام في تلك المرحلة وقد سجلها على 6 برديات و 26 قطعة أوستراكا. وعلى مدى القرون كان المعلمين يدربون التلاميذ على الكتابة بإعادة نسخ قصة سنوحى المصرى على الألواح الحجرية وقطع الأوستراكا، وظل المصريون يتغنون ببطولاته ومغامراته وينسجون حولها الأساطير، واعتبرت قصتة الأكثر شعبية وانتشارا فى مصر لقرون طويلة, و هناك من يقول من علماء الآثار أنها كانت تمثل تمثيلا دراميا فى بعض المناسبات. وتركت أثرا كبيرا فى تراث القصص الشعبى لمجتمعات الشرق الأوسط, كما ظهرت بعض وقائعها بعد ذلك فى التوراه.
أخيراحقق له الفرعون أمنيته ومات سنوحى وسط خدام الروح فى مكان الممات الذى كان قد حدده فى الحديقة المقامة أمام قبره، الذى بناه له الفرعون على شكل هرم من الحجر بقائمة من الذهب الخالص ، مزين بأعمال الرسم والنحت والتماثيل المطلية بالذهب، موضوع به كل أنواع المتاع المعتاد، لينام سنوحى قرير العين فى إنتظار الحياة الأبدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟