الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما كنت عميلاً

عبد الرحمن جاسم

2005 / 9 / 29
كتابات ساخرة


يحكى يوماً أنني ذهبت إلى تجمع عربي قومي، ذهبت موحداً، قومياً، محباً، وخرجت عميلاً.
في تلك القصة التيي لم أجد يوماً روايتها، صرت عميلاً وصار الكل حولي من المناضلين والأبطال، صاروا مهمين لدرجة أن دولهم ستضع عليهم رقباء، صاروا من القيمة بدرجة أن سجونهم الكبرى المسماة أوطاناً، ضاقت بهم، فلحقتهم حتى هذا المكان، وأحضرت عميلاً-أنا- لكي تلاحقهم به.
حينما كنت عميلاً، تخلى عني الأصدقاء، والأقرباء منهم قبل الأبعدين، فالعميل مخيف يا أحبتي، وأن تتسخ عباءة أحدنا بالعمالة فهي أقسى الدنس، ولا يهم إن كنت عميلاً أم لم أكن، المهم أن الجميع اعترف بضلوعي في المسألة، ومن لم يعترف وافق على رجمي، فالعملاء يستحقون الرجم أوليس كذلك؟
حينما كنت عميلاً، يتحول الأصدقاء إلى مجرد معارف، ويتحول بعضهم إلى رجال مباحث وعملاء فيدراليين-بالإذن من أصدقائي الأميركان، وأقول أصدقائي، نظراً لعمالتي- فيطلب أحدهم رقماً ليطلب شقيقه الذي لا يتجاوز العشرين سنة ليتأكد من عمالتي المدهشة، ويتأتى له بعد كل هذا أني عميل، ويجب صلبي، وبكل حب.
حينما كنت عميلاً، سقطت كل الحجب عني، فما عادت كلماتي اللطيفة، ولا أحاديثي المؤدبة، ولا حتى عقلي اليقظ له قيمة، صار من لا قيمة له يكتسبها بذمي، كما لو أن دمي صار مستباحاً إلى هذا الحد! صارت المتعة في أن يتحول فردٌ إلى صيدٍ سهل، لأنه فقد قائمةً أو اثنتين، مع علمي بأنني لا زلت أستطيع المشي.
يا أحبتي، أخبروني لما نحيل الناس خرافاً لنذبحها؟ أهي تسليةٌ أم هو خوف؟ لِمَ نترك مجتمعاتنا تأكلنا إلى هذا الحد؟ لِمَ نترك وغداً حاكماً يتسلط على عقولنا لهذا الحد؟ كم من الأشخاص –غيري- دفعوا ثمن شكِ حقير؟ كم من الطيبين دفعوا ثمن ارهاصات السخفاء والأغبياء؟ لِمَ نجعل المجتمع المخابراتي والأمني هاجساً يسكننا لدرجة الصلب؟ ومن نشك فيه يصبح عدواً!
حينما كنتُ عميلاً، فقدت صفاتي العادية كإنسان، وصار الجميع يتابع ما الذي سيحدث، وهل سيقبض عليه بالجرم المشهود؟ وكلٌ يحاول ابعاد التهمة عن نفسه، وصار الذي يعرفني لا يعرفني لأنه لا يرى إلاه، (وإلاه هنا تفيد هو-نفسه، لا أكثر ولا أقل).
يا أحبتي ما لا تعرفونه سأقوله الآن، أولاً لست المسيح كي أسامحكم ولن أكون، كما أنني سأقول شيئاً لا ريب أنكم لا تعرفونه أكثر من اعترافي الأول، أجل كنت عميلاً.
كنت عميلاً لكل شيء جميل، عميل لكل ما أؤمن به، عميل لكل قلب صالح ودمعة تنزف، عميل لكل يدٍ قطعت، لكل نفس ذرفت في هذا الحزن المتجدد يومياً في بلادي، أجل عميل، وسأبقى عميلاً فيه وله.
حينما كنت عميلاً للمحبة، اصطادني أحدهم، فوقعت...
وكما أقول دائماً يا أحبتي، الأمر لكم وبيدكم، فلا تنسوه، غيروه...










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-