الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذهنية تقسيم العراق

مالوم ابو رغيف

2015 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


الشعب مفهوم اعتباري قانوني يشير الى مواطنين يعيشون على ارض معينة ويتقيدون بنفس الدستور ويخضعون لنفس الانظمة الادارية والحقوقية. الشعب ليس حاصل جمع مكونات، بل هو وحدة قانونية وحقوقية غير متمايزة، تختفي فيه فوارق وخصائص الصفات القومية والطائفية والدينية والعرقية.
فصفة مواطن، ليس فيها ما يشير الى قومية ولا الى دين ولا الى مذهب ولا الى انتماء سياسي، انها تشير الى انتماء لوطن معترف به وفق قوانين دولية ليس لها علاقة بالقوميات ولا بالطوائف ولا بالاديان انما بالانظمة والقوانين والحقوق.
فالشيعة والسنة مثلا انتماءات ليس لها علاقة بالوطنية، انتماءات فارغة من المضامين السياسية والحقوقية، مشبعة الى حد التخمة بذهنيات الفرقة والعزوف، انها تضعف الانتماء الوطني وتشتت الارتباطات والعواطف بين المواطنين، واذا ما ترتب على هذا الانتماء حقوقا او امتيازات او تفضيل من اي نوع، فان ذلك سيكون فاتحة لنشوء الصراعات التناحرية، كما نراها الان على ارض العراق حيث تعصف الصراعات بارواح العراقيين وتلتهمهم كما تلتهم الوحوش فرائسها.
لذلك لا يصح النظر الى الشعب كمكونات اجتماعية او طائفية او دينية او قومية متمايزة، ولا ينبغي تصنيفه وفق مفاهيم الاقلية او الاغلبية، اذ ان ذلك يطيح بفكرة التساوي ويطيح بالمواطنة. لذلك ومن المنطلقات التي تسعى الى العدالة الاجتماعية بين المواطنين، فان الدول المتقدمة قانونيا وحقوقيا وليس عمرانيا( كما هو حال دول الخليج الاسمنتية)، يتقدم القانون على اي انتماء يمكن ان يوجد، فالمواطن هو تعريف قانوني خارج انتماءات الدين والعقيدة والقومية، ليس فيما يتعلق بالاجراءات الحكومية فقط، بل ايضا بما يتعلق بالشعور العام السائد. اما في الدول المتخلفة قانونيا وحقوقيا، فان الانتماء العشائري او القومي او الديني او الوظيفي يحدد التعريف والموقع وشكل التعامل.
وعندما يصبح تقسيم العراق حديث الساعة، فان المعني به هو التقسيم الجغرافي، اي تقسيم الارض على المكونات، اذ ان تقسيم المفهوم الاعتباري للشعب لم يعد مهما، فقد انجز واصبح واقعا سياسيا واجتماعيا معمولا به منذ ان بدأت العملية السياسة التي قامت على اسس التقسيم الطائفي والقومي. ان ما يدور في خلد سياسيي الطوائف هو انفصال المكونات عن الجغرافية العامة وتأسيس كياناتها في جغرافيتها الخاصة بما ينساب طموحها القومي او الطائفي.
ان العملية السياسية التي اسست لديمقراطية المحاصصة، قتلت روح المواطنة وروح الانتماء الى المفهوم الاعتباري العام للشعب واستعاضت عنه بانتماءات طائفية وقومية خارج مفهوم المواطنة، حتى اصبح الحديث عن مواطن عراقي خالص، او خارج الانتماءات امرا غير مقبول ولا معقول، ولقد لعب الوضع الاقليمي وحروب الربيع العربي الاجرب دورا كبيرا في تسريع وتمركز ذهنية الانتماءات خارج مفهوم المواطنة، ذلك ان الدول الاقليمية المجاورة، وخاصة السعودية التي كانت ومازالت مفرخا للارهاب، هي قواعد لتصدير ذهنيات التعصب والتناحر المذهبي والطائفي .
اما الاحزاب الماسكة بزمام السلطة، تلك التي اعلنت انها ضد اي شكل من اشكال التقسيم، عليها ان تدرك بان اطروحة المكونات التي جعلتها اساسا لسياستها ولم تتوقف عن اعادتها وتكرارها في كل شاردة وواردة، هي في واقعها تهيئة لتقسيم العراق، وان سياسة المحاصصة التي تتبناها، وعلى اساسها تم افتعال الوزرات ومناصب وهمية وتنصيب رئيس جمهورية لا يحل ولا يربط بثلاث نواب يكلفون مليارات الدولارت في بلد ريعي لا يملك موردا اخرا غير بيع النفط، قد شرعنت الفساد الذي هو اساس ذهنيات التقسيم.
النيات الحسنة لم تكن يوما منهاجا ناجحا للسياسة، كانت ومازالت شعارات للمزايدة وللاستهلاك، فالسياسة يفرزها ويقررها الواقع الذي يقول ان العراق مقسم فعليا، شعبيا وفكريا، طائفيا وعاطفا وعسكريا.
ورغم ان الخرق اتسع على الراقع، وان ذهنيات التقسيم قد وجدت طريقها الى التفكير الشعبي البسيط وان وتائر الموت المفخخ والملغم والمطيفن والمسيس، يزيد رغبات الانفصال تجذرا وحماسة، الا ان السياسة لا تعرف المستحيل، اذ يمكن اعادة بناء العراق من جديد على اسس اخرى غير تلك التي عرفناها وعرفنا شخوصها المتخمين بالفساد والخبث والجبن.. وان اساس النجاح هو ابعاد الدين ورموزه عن اي تدخل في الشؤون المدنية والسياسة والحكومية، كذلك الحد من نفوذ رؤساء العشائر والشيوخ. وتفعيل القانون حتى بشكله الدكتاتوري وعدم السماح لاي حزب ديني بالاشتراك بالانتخابات. ان بناء العراق مزدهرا وموحدا متحضرا ومدنيا لا يمكن ان يكون الا بعراق بلا دين وبلا شيوخ وبلا احزاب دينية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو