الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطور التاريخي للمجتمعات والحتمية الإشتراكية

فادي عيسى جنحو

2015 / 5 / 6
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


نحن نعيش في مجتمع يكره المال ولعنته وفي نفس الوقت يعشق الثقافة الإستهلاكية، مجتمع يتمنى العدالة الإجتماعية والمساواة الإجتماعية والعلاج المجاني والتعليم المجاني وزوال الطائفية والعنصرية والحقد. كل ذلك ويعتبر النظام الإشتراكي خاطئ بل كافر! كأنه يعلم كل شيء ويجهل كل شيء في أنٍ واحد! وهذا نتيجة إستعمال البروباغاندا والإعلام لمحاربة هذا الفكر الأممي الإنساني وناهيك عن إستغلال الدين وتسخيره عن طريق أصحاب اللحى العفنة لتكفير هذا الفكر الراقي وكل ذلك لحماية الطبقة البرجوازية لإبقاء تركز المال والسلطة في أيدي هذه الفئة.

قبل أن نتحدث عن الإشتراكية علينا ان نفهم التطور التاريخي للمجتمعات الذي أدى بالنهاية للرأسمالية التي نعيشها اليوم:

المرحلة البدائية:
الإنسان لم يعرف الملكية الخاصة في المرحلة الأولى من حياته ولم يكن هناك شكل واضح للطبقية، وبسبب عدم وجود فائض للقيمة يسمح لإستغلال الإنسان لاخيه الإنسان، كان هذا المجتمع يسوده حاله من المشاعية.

مرحلة الرق:
بعد ذلك جرى الإنتقال البطيء من المرحلة البدائية المشاعية إلى مرحلة الرق وفي هذه المرحلة كان بداية التقسيم الطبقي للإنسان. أفضل مثال على هذا المجتمع هو الحضارة اليونانية فعندما كان اليونانيون يخوضون حروباً، أصبح أسرى هذه الحروب يستعملون في الأعمال المنزلية والزراعة وغيرها وكان الرقيق يسيطر عليه سيده لا في عمله فحسب بل في كافة نواحي حياته.

مرحلة الإقطاعية:
بعد مرحلة الرق تم الإنتقال إلى المرحلة الإقطاعية وهو النظام الذي يستبد فيه مالك الأراضي الزراعية المظلومين من الأقنان، فكان هناك صراع متواصل بين ملاك الأراضي والأقنان وهم طبقة الفلاحيين المسحوقة. تلاشى هذا النظام في أكثر بلدان العالم إلا انه لا يزال موجود في الكثير من أماكن العالم المتخلفة حتى اليوم.

مرحلة الرأسمالية:
بعد بدء الثورة الصناعية الأولى والثانية في اوروبا والولايات المتحدة واليابان ظهر النظام الرأسمالي ومبدأ الإنتاج للربح. الرأسمالية قسمت المجتمع إلى طبقتين ، الطبقة البرجوازية وهم من يملك الموارد لشراء وسيلة الإنتاج (شركة، مصنع، الخ) وطبقة البروليتاريا وهم الكادحين الذين لا يملكون أي وسيلة إنتاج ولا خيار لهم غير بيع مجهودهم لقاء أجر زهيد، فالرأسمالية سلاح لزيادة ثروة الأقلية الغنية على حساب إفقار الأكثرية.
ومن هنا انطلقت الافكار الماركسية التي تستمد اسمها من كارل ماركس، الذي جنبا إلى جنب فريدريخ انجلز، غيرا النظرية الإشتراكية من نظرية طوباوية إلى نظرية علمية قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

المرحلة الإمبريالية الرأسمالية:
الإمبريالية تعني سياسية التوسع، إحتلال دولة صناعية متقدمة لدولة اخرى نامية. أول من أعطى تحليل ماركسي للإمبريالية كان فلادمير لينين الذي قال أنها مرحلة متقدمة من الرأسمالية التي تتنامى بها الإحتكارية.
الشكل الحديث للإمبريالية يختلف عن شكلها العسكري القديم فالدول الرأسمالية الحديثة تمارس إمبرياليتها عن طريق الضغط الإقتصادي وإحتكار الشركات المتعددة الجنسيات وبنك النقد الدولي والكمبرادور وغيره من أدوات الرأسمالية.

في ما يتعلق الإمبريالية، كتب فلادمير لينين: "الامبريالية هي الرأسمالية في مرحلة الاحتكار. ومثل هذا التعريف يضم الأمر الرئيسي، لأن الرأسمال المالي هو رأسمال بضعة من البنوك الاحتكارية الكبرى اندمج في رأسمال اتحادات الصناعيين الاحتكارية، هذا من جهة؛ ومن الجهة الأخرى، إن تقاسم العالم هو إنتقال من سياسة استعمارية تشمل دون عائق أقطارا لم تستول عليها بعد أية دولة رأسمالية إلى سياسة استعمارية تقوم على احتكار حيازة بقاع الأرض المقتسمة بأكملها." (لينين، الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية)




مرحلة الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية:
من المهم إقامة سلطة الكادحين "ديكتاتورية البروليتاريا" لإستبدال وسائل الانتاج الخاصة إلى وسائل انتاج اجتماعية إشتراكية. وهذا شرط ضروري للقضاء على النمط الرأسمالي الإستغلالي.
المجتمع الإشتراكي، كسائر المجتمعات السابقة، ينشأ فقط على أساس المجتمع القائم قبله. في الواقع، التنمية ضمن المجتمع الرأسمالي يمهد الطريق للإشتراكية فمن المهم أن يكون هناك قاعدة صناعية قوية قبل المضي ببناء الإشتراكية.
فقط الشركات أو المؤسسات التجارية المساهمة الضخمة هي الأسهل والأسرع في التأميم فمن السهل نقل ملكيتها من الملكية الخاصة إلى ملكية الشعب العامة. لكن هذا ليس الحال مع الشركات الصغيرة التي يملكها صغار الصناعيين وصغار الفلاحيين وغيره، فهذه الكيانات التجارية الصغيرة التي يلعب مالكها دور كبير في الإنتاج والادارة (على عكس الشركات الكبيرة)، يصعب نزع ملكيتها وتأميمها فوراً.
هناك ايضاً أسباب اخرى تفسر عدم مصادرة شركات ومصانع صغار الملاكين في وقت واحد، فالعديد من هؤلاء الأشخاص يعانون من طمع الشركات الإحتكارية وخاصة أن أعمالهم أصبحت مقيدة من قبل الشركات المتعددة الجنسيات. الحل الأمثل لتأميم ملكيتهم هو بالإقناع ومحاولة تغيير نظرتهم الفردانية تدريجياً إلى نظرة جماعية تعاونية وتغير فكرهم من الفكر الأناني والإستغلالي إلى الفكر الإشتراكي الذي يهتم بمصلحة الجماعة.
في ما يتعلق صغار الملاكين، كتب فريدريخ إنجلز: "ان مهمتنا تجاه الفلاح الصغير ستكون قبل كل شيء توجيه إنتاجه الخاص في السبيل التعاوني، لا بواسطة العنف بل عن طريق المثل وتقديم مساندة المجتمع لهذا الغرض." (إنجلز، مسألة الفلاحين في فرنسا وألمانيا)

لكن كيف ستكون توزيع الثروة بين الناس؟ إنه إعتقاد خاطئ التفكير بأن ماركس قال أن على الثروة ان تتوزع بشكل متساوي، فهناك فرق كبير بين مفهوم التساوي والعدل، فالمجتمع الإشتراكي لا ينشأ من العدم بل ينشأ على أساس ما يرث من المجتمع الرأسمالي القديم.
يظهر المرء غير متساوي من المجتمع الرأسمالي، لذلك يجب على المجتمع الإشتراكي الجديد أن يعاملهم بنفس الطريقة اذا اراد المجتمع أن يكون منصف لهم. بالتالي المجتمع لن يكون منصف لهم إلا إذا كان الرجل يقدم خدمة متبادلة للمجتمع لذلك "من لا يعمل، لا يأكل" اذن مشاركة الثروة بشكل متساوي في البداية يعني ظلم العامل أو الموظف الماهر على حساب العامل أو الموظف الغير ماهر ومن هنا مبدأ "من كل حسب كفاءته (عمله) "

المرحلة الإشتراكية:
في المرحلة الإِشتراكية، وبعد تحويل جميع علاقات وسائل الإنتاج الخاصة إلى علاقات إشتراكية جماعية، يتم القضاء على النير الطبقي والظلم القومي والتمييز وينتهي عهد "إستغلال الإنسان لاخيه الإنسان". بناء الإشتراكية يعني تحويل كافة ثروات المجتمع إلى ملك الشعب.
في الإشتراكية، لن تكون المرأة مواطنة من الدرجة الثانية او غير قادرة على القيام بدورها في المجتمع. يؤخذ تدابير خاصة لجعل حياتها أسهل للعمل. يتم تأسيس دور حضانة في المصانع، والشقق ، وهلم جرا. يتم تسهيل العمل البيت من خلال صالونات غسيل الملابس التعاونية والمطابخ والمطاعم وغيره. الأن لدى المرأة تسهيلات وحرية أكثر لجعل العمل أكثر سهولة لهم.
في الإشتراكية، يتم القضاء على كافة أشكال التمييز والعنصرية ومنها الظلم القومي والعشائرية والقبلية والعرقية وغيره. فلا يوجد "عرق متفوق" ، لن يعامل الشخص بناءًا على قوميته او عرقه او لونه، بل يعامل على مقدار انجازاته في الحياة وكمية اعطائه للمجتمع.
لن تقتصر الديمقراطية على التصويت لممثل كل 5 اعوام. في كل مصنع وكل شركة وكل منطقة، يصنعون الرجال والنساء حياتهم ومصير بلادهم. هذا هي الديمقراطية الحقيقية، ديمقراطية تمثل كافة الشعب.
في الإشتراكية، يتم تقليل الفجوة بين الغني والفقير حتى ان تصبح هذه الفروقات شبه معدومة ليصبح هناك عدالة اجتماعية. في الإشتراكية يوجد مساواة اجتماعية وتكافؤ في الفرص في العلاج والتعليم والعمل. توزيع الثروة بشكل عادل والإستثمار في البحث العلمي والثقافة والفن.

سمات المرحلة العربية الراهنة:
يعاني الشعب العربي –كما باقي العالم- من الصراع بين القوى المهيمنة والقابضة على السلطة والثروة والتي تمثل تحالفاً طبقياً مع الطبقة البرجوازية والكومبرادورية والقوى أخرى نقيضة لها وهي القوى الشعبية والكادحة، بالاضافة لاتساع الفجوة بين الغني والفقير وتفشي الفقر والجهل ، الأسباب التي أدت إلى إنتفاضات شعبية في كافة الدول العربية وهذا بالطبع كان رد طبيعي حتمي لكل ما كان يحصل في الوطن العربي من القمع والفقر والتهميش والفساد. هنا يأتي دور اليسار وكافة القوى التقدمية والتنويرية في محاربة التخلف والجهل والطائفية لتحويل الصراع إلى مساره الحقيقي الطبقي بعد ما ان تم تحريفه من قبل القوى الرجعية الإسلاموية إلى صراع طائفي. يحمل الشيوعيين اليوم مهمات لتحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية وهي ثورة تعادي التخلف والجهل والتمييز والإستغلال والإمبريالية والفقر لتحقيق الاستقلال الوطتي تمهيداً لبناء الإشتراكية

خاتمة:
يتحدثون عن فشل الإشتراكية لكن اين نجاح الرأسمالية عندما يكون 27% من أطفال الولايات المتحدة (معقل الرأسمالية) يعيشون تحت خط الفقر؟ لماذا تتساوى ثروة أغنى 1% من الشعب الأمريكي مع أفقر 92% من نفس الشعب!
الاشتراكية لم تفشل، ما فشل هو تجربة النمط السوفيتي الإشتراكية التي تم تدميرها من قبل سياسات غورباتشوف "الإصلاحية". أول ثورة إشتراكية ناجحة بالتاريخ كانت كومونة باريس التي استمر حكمها 70 يوم. ثاني ثورة إشتراكية كانت ثورة أكتوبر المجيدة (الثورة البلشفية) التي استمر حكمها 70 عاماً. من يدري، فربما الثورة الإشتراكية القادمة تستمر 700 عام! فهل تبدأ في أمريكا اللاتينية هذه المرة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظات لا بد منها
يوسف شكري الحفار ( 2015 / 5 / 6 - 17:19 )
تفضلت بالقول ان الاشتراكيه هي العداله و المساواه الاجتماعيه ،و بما انك اعتمدت في المقال على اطروحات لكلاسيكي الماركسيه اللينينيه، اجازف بالافتراض انك تكتب من منظور ماركسي.و على هذا الاساس اود لفت نظرك الى انه ماركسيا الاشتراكيه هي برزخ عبور للشيوعيه و هي فتره زمنيه محدوده المده الهدف منها هو محو الطبقات بواسطه ديكتاتوريه البروليتاريا. منطقيا لا يمكن تحقيق عداله اجتماعيه في مجتمع طبقي و حين يتم محو الطبقات كليا نكون قد عبرنا الى الشيوعيه.مصطلح العداله الاجتماعيه هو مصطلح ماكينزي و لا يمت الى الماركسيه بصله.
ايضا ذكرت ان الفشل طال النمط السوفياتي للاشتراكيه و تعزو ذلك الى غورباشوف.هنا اختلف كليا معك النمط السوفياتي لم يفشل،تجربه السوفييتات هي انعكاس للديمقراطيه الاشتراكيه.مع النمو و النجاحات التي تحققها الاشتراكيه تزداد حده الصراع الطبقي ،هذا ماحدث في الاتحاد السوفياتي، و مع الاخذ بعين الاعتبار ان ظروف الحرب الوطنيه العظمى التي ضحى الشعب فيها بعشرات الملايين ،الكثير منهم من الطلائعيين و الشيوعيين و كذلك تضخم الدور الذي اصبح يلعبه الجيش في الحياه الاجتماعيه و هم برجوازيون وضيعون
يتبع


2 - تابع لما هو اعلاه
يوسف شكري الحفار ( 2015 / 5 / 6 - 17:36 )
كذلك تم تعطيل روافع الصراع الطبقي في فتره الحرب بهدف تحشيد جميع القوى لمواجهه النازيه.كل ذلك ادى الى اشتداد عود البرجوازيه الوضيعه ،التي تامرت و اغتالت ستالين ثم الغت مقررات المؤتمر التاسع عشر ثم اخرجت من قياده الحزب من بقى هناك من البلاشفه،رغم انها لم تملك الحق القانوني فلا يلغي قرارات المؤتمر الا مؤتمر اخر و ليس اجتماع للسكرتاريا او للمكتب السياسي.حينها عام1953 بدأ التراجع و انتصرت البرجوازيه الوضيعه في الصراع الطبقي ضد البروليتاريا رغم انه كان من المفروض ان يحصل العكس.الصراع الطبقي هو محرك التاريخ و ليس مؤامرات الامبرياليه او غورباشوف،بدأ انهيار الاتحاد السوفياتي بتخليه عن البلشفيه و ما حصل في التسعينات هو فقط النهايه المحتومه.
اما بخصوص سمات المرحله العربيه الراهنه،فاتحفظ عن التعليق موجها لك بدلا منه الاسئله التاليه:ماهي مهمات دول المحيط حسب الماركسيه،اين هو المركز الثوري العالمي،اين هو مركز الامبرياليه و هنا لا اكتفي بجواب انها امريكا بل اطمح لاحصائيه عن نسبه البروليتاريا الى بقيه القوى العامله و حجم تصديرها البضائعي و حجم استيرادها من المواد الخام.
مع تحياتي و املي بحوار جاد.


3 - إلى يوسف الحفار
فادي عيسى جنحو ( 2015 / 5 / 7 - 16:18 )
انا لا أعرف كيف أرد عليك لاني بالصراحة اوافق كل ما تقول عليه. عندما كتبت عن جورباتشوف وتدميره للاتحاد السوفيتي لم يكن قصدي عنه وعن اصلاحاته فقط بل عن جميع البيروقراطيين الذين تسللوا إلى قيادات الحزب وقاموا بتخريب الدولة الإشتراكية رويدا رويدا خاصة ان في مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتي في عام 1956 عندما تم الهجوم على ستالين -باني الإتحاد السوفيتي- وتم تخريب كل إنجازات ستالين والحزب قبل هذه السنة.

بالنسبة للإشتراكية وانها مرحلة قبل الشيوعية وهذا كلامك صحيح ولكني انا لم اذكر ان الإشتراكية تقضي على الطبقية بل هي تقضي على الإستغلال وتقلل من الفجوة بين الغني والفقير.

اما بالنسبة لاسئلتك، المهمة الحالية -كما كتبت بالمقال- هي إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية التي تشمل العلمانية والتحرر الوطني وغيره..

اخر الافلام

.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس


.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي




.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل