الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي الخلاق..ومرجعيات العنف في الثقافة السائدة

أوس حسن

2015 / 5 / 6
الادب والفن



قد يتبادر سؤال إلى أذهاننا هل الثقافة حقاً قادرة على بناء إنسان متكامل، متحرر من كل العقد والموروثات والأصنام الفكرية. هل حقاً الثقافة قادرة على تهذيب النفس الإنسانية،وتشذيبها من عوالق العنف والأوهام المرضية ؟.
هذا السؤال سيقودنا إلى سلوكيات المثقف اليومية وإلى بعض الأنماط المتوارثة التي دأبت عليها بعض المؤسسات الثقافية في صناعة المثقف،وإلى مصادر المعرفة التي انكب عليها طيلة حياته لنرى دور ونوع هذا الوعي الذي تبلور نتيجة هذه التراكمات الحسية والمعرفية والبصرية.
قد لا يدرك الكثير منا، أن الوعي والثقافة شبه منفصليين تقريباً،وفي بعض الأحيان يحصل بينهما تنافر شديد،أو تباعد محمود ربما.
فالكثير من القوى العظمى ومن طغاة العالم اعتمدوا على نظريات ثقافية ومرجعيات معرفية،في حروبهم على الدول المستضعفة،وفي استعباد الإنسان، والغاء حقه الوجودي في الحياة،فما من دكتاتور إلا وصنعه مثقفون وطبلوا له وأغرقوه بلذة الأوهام،وما من حركات عنصرية في العالم إلا واستندت على ثقافية أصولية متشددة. وما من دماء سالت إلا بسبب نص باركته المخيلة الإجرامية للمثقفين .
عن أي ثقافة نتحدث؟؟،إذا كانت الكثير من مرجعيات الثقافة السائدة تستبيح الإنسان،وتلغي وجوده فكريا وجسديا على هذه الأرض،فالمثقف صانع الحروب والمستلذ بشرب الدماء.تزداد خطورته يوما بعد يوم أكثر من السياسي ورجل الدين،وهو في الأصل إنسان ناقص وغير فعال في المجتمع،أراد أن ينتقم من حياة خذلته ومن لعنة وجوده على هذا الكوكب،عن طريق فذلكاته اللغوية،وألاعيبه النارية ،فتراه ممسوسا بوهم السلطة وتغيير العالم،اذا كان المثقف نفسه مليئا ً بالأمراض والآفات وعقد النقص،وغير قادر على تجاوز معضلته النفسية والسلوكية، فكيف له أن يكون مؤثرا أو قدوة يحتذى بها،على العكس هو يجد لذة سحرية في إطلاق العنان لمخيلته العدوانية،وأفكاره السايكوباثية الخطرة،وفي نفس الوقت يقع ضحية لمجموعة من التناقضات الوجودية،كادعائه الظاهر للمثالية والأخلاق والوعظ،ونشوته الداخلية وهو يمضي في أعماق نفسه داخل دهاليز الشر والخطيئة.
ثقافتنا التي تفوح منها رائحة الدماء وأشلاء الجثث،لم تفكر يوما أن تقتل القيم الشريرة داخل الإنسان،دون أن يموت الإنسان نفسه، بل تستمد أصولها ونظرياتها من هذه القيم وتلبسها قناع الخير والفضيلة،وهذه الثقافة لن تتعافى على المدى القريب،إلا أذا طهرنا أنفسنا من وهم المثالية،وجنون تغيير العالم،وسحقنا على حقائقنا المقدسة،تلك الحقائق التي تسري في شرايينها كل أنواع الرذائل والشرور.
صانع الوعي الجمالي المعرفي ليس بالضرورة أن يكون مثقفا أو فيلسوفا،والإنسان الذي يرتقي بنفسه لمصاف الكمال ليس مثقفا بالضرورة،كل هذه الأشياء تنبع من وعي ذاتي غير مؤطر،هذا الوعي الذي يبدأ بالاستنارة الروحية الداخلية،وتسبقه العديد من التجارب الممزوجة باللوعة والإنكسارات والهزائم،لتنتهي بتأمل عميق لجوهر الأشياء وغموضها وتوحد تام مع السكينة،بعيدا عن المؤثرات الخارجية والوعي الجمعي والشأن العام.فكل حركة في الوجود يجب أن تكون سببا رئيسيا لخلق تساؤلات عميقة في نفسك،وتفجير طاقاتك الروحية،هذه السعادة الغامضة التي تتسلل رويدا..رويدا إلى صمتك مثل الموسيقى،سيكون من الصعب تحققها في اللغة وفي المعرفة المبرمجة، والتي لا تحتاج أيضا لقراءات معمقة في الفكر والفلسفة والتاريخ،إلا من أجل إشباع غريزتك المعرفية الناضجة.
لا يستطيع المثقف أن يعيش حياة هانئة وسعيدة،فكلما ازداد الوعي (وفقاً لمفهومه الخاص والخاطىء في نفس الوقت) ازداد شقاء وكآبة وانعزالا عن المجتمع والطبيعة البشرية،وكلما انفصل عن لغته أو تعرى منها أصبح قريباً من الجنون والإجرام.
لذا فإن وظيفة الثقافة السائدة الآن والمؤسسات الثقافية التابعة لمؤسسات السلطة،هي احتكار الحقيقة،وتزييف الوعي،ومحاربة كل استثنائي مبدع وحصره داخل جدران الظلام لفترة طويلة من الزمن،إن لم نقل تهميشه وإقصاءه تماما عن الساحة الثقافية.
إن المتن الثقافي المتمثل بالمؤسسات واتحادات الكتاب وفروعها،هو الوجه الخفي للسلطة،وهو السند الحقيقي لها في حال في تعرضها للإنهيار والأزمات،وبين المؤسسة السياسية والثقافية علاقة تبادلية عميقة الجذور في تاريخنا ؛لذا فإن جميع الصراعات السياسية والأيدلوجية والطائفية،والمهاترات داخل المؤسستين السياسية والدينية،نجدها ظاهرة ومتحققة بامتياز داخل الوسط الثقافي،لكن بطريقة ماكرة وأكثر تحضرا .
تصرف المؤسسات الثقافية (وهي بالأصل مؤسسات احتفائية إعلامية تهتم بالبهرجة والأضواء والأشخاص بعيدا عن الجوهرالثقافي) ملايين الدولارات من أجل الندوات والمؤتمرات الوهمية،والمهرجانات الشعرية المضحكة المليئة بالناعقين والمهرجين.
هل تقدم الثقافة شيئاً للإنسان في زمن الضجيج والحروب والآلات؟
هل أطعمت جائعاً..أو كست عريانا ..أو أنصفت مظلوما؟؟
وهل فكر أحد فينا لماذا يشن المثقفون حملات خفية ومنظمة لاغتيال العفوية والبراءة ؟
لو آمنا بهدم المؤسسات الثقافية المركزية تلك التي تستند لمرجعيات العنف وصناعة الطغاة،لن يبقى من الثقافة إلا غريزة روحية باحثة عن الجمال والحقيقة،ولن يبقى من سلطة العنف سوى هيكل فارغ هش البنية،وهنا سيولد إنسان جديد منتصر على ذاته،ونابض بالحرية والخير والجمال،إنسان مقاوم ثائر يصارع في كل لحظة القبح المستشري في هذا العالم،مهما اربدت أحلامه المتوهجة، وتآمرعليه أنبياء الشر في الزمن الخراب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ اوس حسن المحترم
صادق جميل السومري ( 2015 / 5 / 6 - 13:33 )
اعجبني مقالكم وتحليلكم لمرجعيات العنف في الثقافة العربية السائدة ...

متمنيا الخروج من نفق العنف الى افاق التحاور والتعددية .

اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي