الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرجينيا وولف صوت إبداعي متفرد

محمد سمير عبد السلام

2005 / 9 / 29
الادب والفن


لفرجينيا وولف ( 1882 – 1941) حضور إبداعي متكرر ، على مستوى النص والقراءة والوجود نفسه ، فقد اكتسبت حياتها الأخرى من خلال الشخصية الفريدة التي سعت إليها جمالياً ، ليصير الآخر دائماً فى حالة " إكمال " للوحة فرجينيا المؤثرة والناقصة فى آن واحد.
إن الوجود الواقعي لفرجينيا لم يخرج عن منطق النص وتداعياته ، خلافاً للأسلوب النقدي السابق ، وفيه تقرأ الأعمال الأدبية من خلال سيرة المؤلف عند (سانت بيف) و(تين) وغيرهما . (السيرة هنا) تعد نصاً يتجاوز مفردات الحداثة التي انطلق منها ، ففرجينيا لم تحافظ أبداً على تماسك ظاهرة (الوعي) وتداعياته في (الشخصية) . لقد تحول الوعي – مثل فرجينيا – إلى أثر من آثار النص الإبداعية ، كعلامة متحولة ، لا تحيا إلا من خلال فجوات النص وتناقضاته وألعابه الساخرة . ولهذا السبب لم يفلح رد الكثير من النقاد شخصيات (وولف) إلى مرجعيتها الذاتية فالتشابه كان مصيدة غير مؤمنة لأن شخصياتها تعيد تمثيلها فى اتجاه آخر يكسبها تكراراً وجودياً فريداً على (أمواج) النص ، ولننظر إلى تحليل ج.س . فريزر لهذه العلاقة فى (الكاتب الحديث وعالمه) ، حيث يرى أن فرجينيا قد استغلت جوانب طفولتها الواقعية فى رواية (إلى المنارة) ، فهي ابنة الناقد الفيكتوري العقلانى / السيد ( لسلى ستيفن) ، ولهذا تميزت عائلتها بالأرستقراطية الفكرية . أما ابنته (وولف) فقد جمعت بين العقلانية الممزوجة بالحزن ، واللا أدرية المتشددة ، ويعود (فريزر) ليقر بأن عزلة (وولف) بدت فى شخصياتها فى رواية (الأمواج) ، رغم اختلاط الحالة النفسية بالمنظر الطبيعي عندها (1) ولكن (العزلة) التي تحيل الوعي إلى موضوعية ليست (عزلة) بما يوحى به مفهومها الذي يؤسس له (فريزر) ، فالظواهر التجريبية للمكان تفكك إطار الوعي ، وتحوله إلى أثر متحول تبعاً لحركة هذه الظواهر . وقد لاحظ (بول ويست) بهذا الصدد أن مايميز كتابة (وولف) عن (جيمس جويس) ، أنها تستقى شخصيتها من شئ ما (2) من هنا يفقد الوعي حضوره المركزي ، فكيف نرده إلى مرجع واقعي نحاول تثبيته فى خطابنا النقدي حول (وولف) نفسها.
ومثلما بحث النقاد عن هذا التشابه العلاماتى الزائف بين وولف وشخصياتها فقد حاولوا تحديد هوية أبطالها روائياً دون فائدة أيضاً . فيعلق (ويست) على روايتها (أورلاندو) 1928 بأنها تشير إلى شخص مجهول الهوية (3) وعمره يقع فى ثلاثة عصور مختلفة . لقد اكتفى (ويست) بالإحالة الأحادية ولو فى اتجاه (ذاتي) إلى الشخصية الروائية ، دون أن يغوص فى التيار نفسه ، فالامتداد الزمني للرواية يسخر من الزمن ، ومن الخصوصية من داخلها.
إن شخصيات (فرجينيا) دائما ما تبحث عن (الوميض) خارج الذات ، لكى تحقق الذات ، فما يحدث – إذاً – هو تجاوز مستمر للذات ، وقد أشار (دى مان) إلى حركة مشابهة لتلك فى تفكيكه للنقد الظاهراتي ، حيث يبحث المؤلف عن ذات أخرى تمثل (الشاعر) ليحقق خصوصية زائفة (4) .
كتبت (وولف) عن بداية عصر جديد للرواية ، عندما تنهار التصنيفات التقليدية للشخصية فى الرواية ، وتمثل لها بـ (السيدة براون) ، و (براون) لا تقع أبداً فى تصنيفات طبيعية أو اجتماعية أو روحية عامة ، ولكنها تلك الرائحة الغريبة والفريدة فى تكوينها . إنها صوت الحياة . وتعود لتعترف بأنه لا يمكن الكشف عن هذه الشخصية إلا من خلال مراحل من التقطع والغموض والتشظى (5) . فماذا لو لم تكن الخصوصية سوى هذا التشظى ؟ هذا الجمال الكثيف الذى يخرج الذات من إطار (تيار الوعي) الذي سعى إليه خطاب فرجينيا ؟ . لقد رأت (وولف) جماليات الكتابة عند كل من جويس وإليوت من خلال التناقض الوجودي للخصوصية ، وسعيها الدائم للتناثر دون أن تعترف بأنه يعادل هذه الخصوصية ، أو أنه يستبدلها .
" فالشخص عند الأول يحطم النوافذ ليتنفس " (6) وكان الهدم هو أداة الخروج من الإطار ، بينما يصيبها الثاني بالدوار من خلال " قفزات المفاجئة من سطر إلى آخر وكأنه الأكروبات الذي يعرض حياته للخطر " (7) إن القفز الذي تراه وولف ممثلاً لخصوصية الجمال ، يشير إلى بدائل الشخص وتحولاته وتفككه من خلال ضمير (الأنا) نفسه، ولعل هذا ما دعاها إلى مقاومة (أحادية الجنس) فى مجال النقد النسائي ، فيذكر (رامان سلدن) أن وولف كانت تود أن تكون الأنوثة لا شعورية ومكملة وكانت تقرأ النصوص من خلال مفردات الأنوثة والذكورة معاً (8).
هكذا تتناثر (الشخصية) عندها ، وتحتمل الآخر دائماً ، كمكمل لحركة الحياة وتحولاتها الظاهرية . ويبلغ التناثر قمته عندما تنتحر فرجينيا سنة (1941) فى أداء متناقض أرى أنه مزيج من ( الإيروس) و التدمير الفرويدي معاً ، إنه إحياء لفرجينيا من خلال من يحتلون موقعها في المستقبل. وقد لاحظت د/ شيرين أبو النجا فى عدد القاهرة رقم (161) سنة 2003 فى تعقيبها على فيلم الساعات قصة (مايكل كاننكجهام) – ان (ريتشارد) وهو الذكر المتوتر جنسياً – مثل فرجينيا – هو المعادل الموضوعي لها ، ولهذا كان انتحاره يُشبه (موتها) أنطلوجياً ومعرفياً . ومن منظور متجاوز للحداثة أرى ان انتحارها كان واقعاً نصياً . وإن انتحار (ريتشارد) فنياً هو الأداء الصاخب للموت وما يحمله من حب التوحد بالظواهر الإبداعية والطبيعية.
ألا يمكن إذن قراءة نصوص (فرجينيا وولف) هن حيث إنها تكسبها وجوداً جديداً في المستقبل مثلما كانت حياتها نصاً أدبياً ؟
فى قصتها (منزل مسكون) (9) ، يمارس الوعي المدرك للشبحين بالمنزل ، وجوده من خلال تحققهما ، وكأنه يبحث عن الخصوصية من خلال حرية الاختفاء بينما يبحث الشبحان عن كنز لهما بالمنزل . هل هو رغبة الأنا فى (التجسد) من خلال ظواهر الحياة ؟ مثل هديل الحمام وصخب ألوان التفاح فى حركته العابثة. نكتشف من خلال فعل القراءة أن الشبحين ، كان زوجين بالمنزل وهما الآن يمارسان الحياة من خلال حضور آخر للماضي ، وليس الماضى نفسه إنهما يعيدان تمثيل الفعل نفسه للخروج منه ، لإنتاج وجود جديد يقرأ ويعبث ويدحرج التفاح ، بل ويحرك المنزل نفسه . الحياة إذاً تكسر الحاجز الزجاجي أو الموت الذي يفصل الوعي المدرك عن الشبحين ، ولأنه من الزجاج فالموت دائماً ما يكون مسكوناً بالحياة . وإن (مفردة الشبح) لتعيد لنا الآن فرجينيا وولف ، وكأنها تذكرنا بوجودها الآخر بيننا وفى المستقبل . وفى قصة (الدوقة والجواهرجى) (10) ينحرف (أوليفز بيكون) عن وضعه الطبقي ، إلى وجوده الطيفي الآخر فى الوعى ، حيث كان طفلاً ، فوضعه – كجواهرجى معروف – يؤطر وعيه ، ويسجن صورته السابقة وهى تحول الوعى ، ويعاد تمثيلها من خلاله ، كمستقبل آت . ولهذا يعيد (أوليفر) تعديل تكوينه ووضعه عندما تأتى إليه الدوقة لتبيعه جواهرها ، فزوجها يبدد ماله فى اللعب ، ليكتب (أوليفر) الشيك لها دون فحص للجواهر ، فيخرج من ذاته إلى تناثرات الماضى الهامشى ، يلعب البلى ويدس يده فى أحواض السمك وطشوط أمعاء الحيوانات ويبيع الكلاب أيام الآحاد ، ولكن بوعى جديد يستبدل حركة الماضى اللاواعية بمبدأ اللذة الكامن فيها ، هكذا أيضاً سيطر التناثر على وعي فرجينيا من خلال إرادة الخصوصية ، والتى دائماً ما تنتشر فى الهواء فيصعب القبض عليها . إنها فرجينيا وولف.
إحـــالات:
راجع – ج.س. فريزر – الكاتب الحديث وعالمه – ت / أحمد سلامة محمد – جـ1 – الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1994 – من صـ124 : صـ 126.
راجع – بول ويست – الرواية الحديثة (الإنجليزية والفرنسية) – ت/ عبد الواحد محمود – جـ1 – الهيئة العامة للكتاب سنة 1986 – صـ 50 ، صـ51.
راجع – بول ويست – السابق – صـ51.
راجع – بول دى مان – العمى والبصيرة – ت/ سعيد الغانمى – المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة سنة 2000 – صـ ومابعدها.
راجع – فرجينيا وولف – السيد بنيت والسيدة براون – ضمن (نظرية الرواية
فى الأدب الإنجليزى الحديث – ت/ د/ إنجيل بطرس – هيئة الكتاب سنة 1994 – صـ 198 : صـ 200.
راجع – فرجينيا وولف – السابق – صـ 196.
راجع – السابق – صـ 196 ، 197.
راجع – رامان سلدن – النظرية الأدبية المعاصرة – ت / د/ جابر عصفور – الهيئة العامة لقصور الثقافة – سنة 1996 – من صـ 245 : صـ 247.
راجع – فرجينيا وولف – منزل مسكون – ضمن (المختار من القصص العالمية) – ت – د/ محمد عنانى – هيئة الكتاب سنة 2000 من صـ 94 : ص 97.
36راجع – فرجينيا وولف – الدوقة والجواهرجى – ضمن (سربين اثنين) مختارات من القصة العالمية – ت/ محمد رجب – هيئة قصور الثقافة سنة 2003 ، من

محمد سمير عبد السلام
قاص و باحث بالدكتوراه في النقد الأدبي المعاصر .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا