الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق غارق في حرب اهلية

سامية ناصر خطيب

2005 / 9 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


العدوان على العراق
العراق غارق في حرب اهلية

دخل العراق حربا اهلية، والامور فلتت من ايدي الساسة. الانتخابات، الدستور، تشكيل الجيش، كلها صبت زيتا على نار المقاومة التي يصطلي بنارها اليوم جميع الاطراف من سنة، شيعة، تركمان، اكراد وبالطبع الجنود الامريكان. مصطلح "القتل على الهوية" عهدناه في الحرب الاهلية اللبنانية، عاد يتردد اليوم في بلاد الرافدين.


سامية ناصر خطيب

الاشلاء المتناثرة، برك الدماء المنتشرة، مئات القتلى وآلاف الجرحى هو المشهد العراقي اليومي بعد اكثر من سنتين على احتلاله. الف قتيل يسقطون في حادثة الجسر في الكاظمية قبل شهر، واليوم يعود الموت فيتربص بعمال هذه البلد. ومهما حاولت الشخصيات والمؤسسات السنية والشيعية، لجم الاوضاع والدعوة الى عدم الانجرار لحرب اهلية، الا ان الخطاب جاء متأخرا.

الامور فلتت من ايدي الساسة. الانتخابات، الدستور، تشكيل الجيش، كلها صبت زيتا على نار المقاومة التي يصطلي بنارها اليوم جميع الاطراف من سنة، شيعة، تركمان، اكراد وبالطبع الجنود الامريكان. مصطلح "القتل على الهوية" عهدناه في الحرب الاهلية اللبنانية، عاد يتردد اليوم في بلاد الرافدين.

المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني الذي يصرح اليوم بانه "لو قُتل نصف الشيعة لن ننجر الى حرب طائفية"، يعي جيدا ان هذه التصريحات تأتي "بعد خراب البصرة"، بعد ان فقد العراق مكانته كدولة، بعد ان تغلبت المصلحة الضيقة لفئة على حساب الفئات الاخرى. منذ البداية كل خطوة خطاها الشيعة والاكراد بدعم الشيعة قادت الى الوضع الذي يعيشه عراق اليوم.

استثناء السنة من خيرات العراق النفطية، التقرب الشيعي الايراني، استقلال اقليم كردستان والدعوة لانشاء برلمان مستقل للشيعة في الجنوب، كل هذه اعطت المتمردين الاسباب للاستمرار في مسلسل القتل والانفجارات دفاعا عن مصالحهم.



احداث تلعفر

التصعيد الطائفي لم يقتصر على قتل العمال والشيعة وغيرهم من المدنيين. بل يتم قتل ابناء العشائر المسلمة بالعشرات، فكان من ذلك قتل 17 شخصا من عشيرة بني تميم بعد خطفهم فجرا. مسلسل الخطف من قبل مسلحين يرتدون لباس الشرطة ويحملون وثائق رسمية، صار امرا مألوفا.

وقد وصل الوضع الى هذه الدرجة من الوحشية كرد على وحشية ارهاب الدولة مدعومة بقوات الاحتلال، كما حدث في تلعفر شمال العراق. ما حدث هناك يعيد للذاكرة ما حدث في الفلوجة، الرمادي وغيرها من المدن السنية. اذ اجلى الجيش العراقي محتميا بالدبابات الامريكية 2500 عائلة من المدينة، واسكنها في الموصل. كما اخرج الفي عائلة الى المخيمات خارج المدينة لمطاردة المسلحين. وحول الامريكان والجيش العراقي تلعفر الى نموذج لكيفية اجتثاث المسلحين، على حساب 400 الف من ابناء المدينة.

وأدرجت الاطراف السنية التصعيد في تلعفر في نطاق القمع وتصفية الطائفة السنية، قبيل الاستفتاء على الدستور، في 15 تشرين اول (اكتوبر). ابو مصعب الزرقاوي، من قادة المقاومة العراقية، بث شريطا على شبكة الانترنت اتهم فيه القوات الامريكية والعراقية باستخدام الغازات السامة في العمليات العسكرية في مدينة تلعفر، واصفا ما يجري هناك بالحرب الشاملة على سنة العراق في اطار تحالف "الصليبيين مع الشيعة". كما حث الزرقاوي اهل السنة على عدم المشاركة في الاستفتاء على الدستور او الانتخابات التشريعية القادمة.

الحكومة العراقية اكدت في بيان اصدرته "عزمها على القضاء التام على معاقل الارهابيين اينما وجدت، وبسط الامن والنظام في مدن العراق وقراه، ومواصلة الخطى لانجاح العملية السياسية وبناء العراق الديمقراطي الحر".

معركة تلعفر بدأت قبل عام اذ دخل الجيش الامريكي معززا بقوات عسكرية كبيرة لطرد المسلحين. بعد المعركة اعلن الجيش الامريكي ان البلد اصبحت آمنة. لكن منذ شهر ايار الماضي عادت قوات المتمردين لتتمركز في تلعفر.

احد الجنود الامريكان وصف الوضع بانه اشبه بلعبة القط والفأر، فالقوات الامريكية تقوم بغزو موقع ما بقوة عسكرية كبيرة لتجعل بعض المقاومين يتركون المكان، وبعدها تترك الموقع ولتخمد النيران في مكان آخر، فيعود المقاومون من جديد للمكان الذي تركته (نيويورك تايمز 13/9).



مشكلة الدستور

الدستور الذي كان يجب ان يكون اساسا للوحدة والعيش المشترك واحترام الانسان وكرامته واعتبار كل انسان عراقيا متساوي الحقوق، كان في الوقت ذاته مقدمة للانفصال والاقتتال بين الطوائف المختلفة.

اقرار الدستور كان بلا شك سببا في اذكاء نار الطائفية والحرب الاهلية، خاصة بعد ان خرج السنة بلا شيء. فكل فئة ارادت استغلاله لفرض شروطها ولتقسيم الكعكة على هواها على حساب الفئات الاخرى، فما ارضى طرف كان بالضرورة سيغضب الاطراف الاخرى.

الشعور بالمصلحة الوطنية غاب عند صياغة الدستور، واستبدل بالاحتكام الى المصالح الطائفية والفئوية وتحقيق اكبر قدر من المكاسب لكل جهة، مستثمرةً ميزان القوى السياسي الحالي. هذا ما يدعو الى القلق والتخوف على مستقبل العراق، اذ انه يحفز السنة على المقاومة مدركين ان خسارتهم ستكون كبيرة اذا ما تم اقرار الدستور بالاستفتاء الشعبي.

السنة الذين خافوا ان يخرجوا من مفاوضات الدستور بخفي حنين، طلبوا ادراج بند ينص على المساواة بين الثروتين المائية والنفطية وحقهم بالتصرف بالمياه. الهوة بدت اكثر اتساعا بين السنة وكتلة الائتلاف الشيعية بعدما طالب الوفد السني باعتماد نص يعطي الاقليم حق التحكم بالمياه، كون نهر الفرات يمر في مناطقهم الفقيرة بالنفط.

المفاوضات مع الاكراد تمحورت حول ثلاث نقاط: البند الذي يشير الى اجتثاث البعث، اقتسام المياه، واعتماد هيئة لرئاسة الوزراء تضم ثلاثة يملكون الصلاحيات ذاتها بما فيها حق الفيتو. وقد رفض الشيعة هذا الامر لتناقضه مع مبدأ الاغلبية. السنة الذين لم يحققوا سوى 20% من مطالبهم خلال محادثاتهم مع الشيعة والاكراد، اعلنوا رفضهم مسودة الدستور.

خلف العليان، رئيس مجلس "الحوار الوطني العراقي" قال: "ان السنة لن يصوتوا مع الدستور لانه لا يحقق وحدة العراق وسيادته وامنه، وسيستنهضون الشارع العراقي لاسقاطه عبر الاستفتاء المقرر منتصف الشهر المقبل" (الحياة، 14/9). لكن الرئيس العراقي جلال الطالباني اكد اثناء زيارته للرئيس بوش في واشنطن، على اقتناعه بانه ستتم المصادقة على الدستور الجديد خلال الاستفتاء.

الطالباني الذي انتخب ليكون رئيسا لدولة العراق سئل عن قيام دولة كردية مستقلة، فقال: "ان غالبية الاكراد تريد الاستقلال، لان الشعب الكردي مثل سائر شعوب العالم وله الحق في تقرير مصيره، "وتابع: "ولكن اذا اردنا ان نكون واقعيين لا يمكن ان نحصل على استقلالنا الآن".



سحب القوات الامريكية

التفاؤل غير الواقعي الذي ابداه الرئيس العراقي أحرج الرئيس الامريكي، الذي قال هو الآخر ان بامكان الولايات المتحدة سحب 50 الف من جنودها مع نهاية هذا العام. بوش يعتقد ان في العراق ما يكفي من الجنود العراقيين المدربين والجاهزين لفرض السيطرة على المدن العراقية. رغم ذلك امتنع الرئيس الامريكي عن وضع جدول زمني لخفض عدد جنوده في العراق، بل بالعكس من المقرر ان يزيد البيت الابيض عدد الجنود يوم الاستفتاء لانجاح الانتخابات في كانون اول (ديسمبر) القادم.

لكن من غير الواضح كيف سيتسنى لبوش ذلك، خاصة ان شعبيته بعد اعصار كاترينا وصلت الى الحضيض. بالمقابل قُتل 74 جنديا امريكيا في العراق في آب (اغسطس)، حسب وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون). ويعتبر هذا اعنف شهر منذ تشرين ثان (نوفمبر) 2004.

جلال طالباني تراجع عن دعوته لزيادة عدد الجنود الامريكان. ميشيل اوهانلون، المختص بالشؤون العراقية من معهد بروكينغز، رد هذا التراجع الى كون "الطالباني كرديا متأثرا بقدرة الاكراد على حماية انفسهم في شمال العراق، وانهم لذلك اقل احتياجا للدعم العسكري الامريكي". (نيويورك تايمز، 13/9)

المحلل الصحافي الامريكي توماس فريدمان وصف الوضع في العراق بالقول: "ان الوجود الامريكي في العراق، اشبه بسدود نيو اورليانز. انهيار سدود الاستقرار التي تحميها القوات الامريكية، سيجعل العراقيين يحسدون سكان نيو اورليانز على وجود ملاذ يحتمون به، وهذا ما سيفتقده كل العراقيين وجيرانهم".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس