الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العارفون بأمر الله

عائشة التاج

2015 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


العارفون بأمر الله


سطوة الوعظ :

لعل من بين تمظهرات أمراضنا الاجتماعية تلك السطوة الحاضرة في كل زمان ومكان للعارفين بأمر الله ,,,,,
هذا النموذج "البشري" الذي تكاد لا تخلو منه أية تفاعلات ذات طابع جماعي فينبري بمناسبة أو بغيرها بجبة "الواعظ " أو"الناصح " أو "الحاكم " ليدلي بدوله بطلب أو بدونه حتى وبلهجة من يحسم الأمور
بنبرة سلطوية متعالية أو إطلاقية توحي بمنبعها المقدس :
وبجرة لسان يطغى عليها "العنف الرمزي " : تتناسل سيوف المحاكمة أو السب أو الشتم محولين التركيز من موضوع النقاش إلى شخص صاحب النقاش ,,,,,,
فيتكهرب الجو و تتوتر الأعصاب و قد يتحول الحوار او النقاش إلى ملاسنات تختلف في حدتها أو على الأقل فإن التوتر والانفعال قد
يلقي بعتمته على صفاء الفكر وبالتالي على صفاء الحوار الجاري
فتعم الطاقة السلبية الفضاء ,,,,

مشكلتنا نحن العرب وربما المسلمون عموما أننا لم نتعلم فنون الحوار البناء لأننا لا نعترف بالاختلاف ولا بنسبية الحقائق
مشكلتنا أننا نتقمص بسهولة رداء الواعظ ولو في مجالات لا تخضع لمنطق الوعظ بل لمنطق المحاججة والإقناع ,,,,
مشكلتنا ان اغلبنا "جاهز "وعلى الدوام لاستعمال "صولجان " المفتي
في كل تفاعلاته بما فيها الافتراضية ، يقدم النصائح لمن لم يطلبها أصلا وفي مجال قد لا يعنيه نهائيا ،يقتحم الحياة الخاصة للآخرين بعنف يسبب الإحراج وربما توترا يضطر صاحبه أو صاحبته إلى كظمه مراعاة للأعراف الاجتماعية و أصول التعامل الاجتماعي ليس إلا ,,,,
قد تتعامل مع شخص ما لأول مرة ومع ذلك لا يتحرج في اقتحام حميمياتك و يشخص وضعا ما قد يكون عاديا لديك باعتباره مشكلة تتطلب الحل كذا ,,,,ويعطيك الوصفة كذا ,,,,,,ويفرض عليك تقييمه لأمور لا تعنيه ,,,,,
ومن الأمور المتداولة جدا والتي قد تكون خطيرة على الصحة أن الكل يتقمص دور الواعظ الطبيب فيبدأ بإعطاء مخاطبه وصفات لمرض كذا أو كذا ,,,,من الأعشاب الطبية أو حتى من العقاقير الطبية علما أن الأطباء أنفسهم لا يجرؤون على الخوض في اختصاص خارج اختصاصهم ,,,,

وقد تستقبل آخر في بيتك ولأول وهلة يعطي لنفسه حق نصحك بضرورة إجراء تغييرات في البناء أو في الأفرشة أو ,,,,وقد لا يكون أصلا ذا خبرة في المجالات التي ينصح بها ,,,بل إن طبيعة علاقتك معه لا تسمح له بالخوض فيما لا يعنيه ,

مشكلتنا أننا لا نعرف المساحات المسموح بالتحرك داخلها كمعارف أو أصدقاء أو كأقارب حتى ,,,,,,,
لا نعترف بالحدود الفاصلة ما بين الخاص والعام ,,,,,
لا نعترف بحق الفرد في حميميته و في صفاء مجاله الحيوي
فحتى السيارات كي تسلم من الحوادث يلزم أن تبقى مسافة ما بين السيارة والأخرى على الطريق ,,,,وكذلك البشر ،فالتعامل والتفاعل لا يعني الاقتحام والهجوم على حميميات الآخرين بدون أن يعلن صاحبها عن رغبته في اقتسامها مع هذا أو تلك ,,,,
نعم ، منهج الوعظ يتخلل تفاصيل حياتنا ، والكثيرون منا لا يجد غضاضة في لعب هذا الدور والتحول لناصحين في مجالات غير متخصصين فيها فقط للظهور بمظهر "العارف بأمر الله ",


نقاش تراكمي أو تخريبي ؟؟؟

في ندواتنا أو نقاشاتنا العمومية قلما نناقش بشكل يمكن من تحقيق تراكم حول موضوع النقاش بل العديد منا يتدخل ليقول ما قاله سابقوه بطريقة أخرى لا تضيف جديدا إلا كون هذا الأخير يحرص على الكلام من أجل الكلام ليس إلا فيضيع الوقت في التكرار والإسفاف وتضيع معه طاقة التركيز والانتباه ,,,,,

وهناك نمط آخر يتكلم فقط ليلغي ما قاله السابق أو السابقون بدون تقديم أية إضافة تذكر ,,,,
ونمط أكثر طرافة يحاسب الآخر ليس على ما أدلى به بل على ما لم يقله ويفترض منه أن يقوله بناء على أولوياته الخاصة ويذيل ملاحظته بحكم نهائي يسحب منه صفة الباحث أو الديموقراطي ,,,,وكأنه يسحب من محاوره شهادته الجامعية أو صفته السياسية أو الفكرية فقط لأنه لم يقارب الموضوع من الزاوية التي يراها هو ,,,,,

و مصيبتنا الكبرى أننا لا نقيم الأمور بمعاييرها الموضوعية المناسبة ومع ذلك نتشدق بالموضوعية ولا نلتزم بالأعراف الديموقراطية التي غالبا ما تحضر كمصطلحات تملأ الفضاء ضجيجا
وأكثرنا يميل لمحاكمة الآخرين عن أفكارهم أو سلوكاتهم أو ,,,,,,
والفرق شاسع ما بين التحليل والنقد وما بين المحاكمة والوعظ ,,,,,

مشكلتنا أن الكثير منا لا يقوم بشيء تجاه وضع ما بل ينتظر أن يقوم أحدهم بفعل أو مبادرة ما كي يعلن عن تواجده من خلال تبخيسها ,,,,,وتقزيم صاحبها والبحث عن النواقص المحتملة ,,,,,والتشهير بها
مقابل تجاهل المنجزات ,,,,,
و في نقاشاتنا الفكرية غالبا ما نزيح عن الموضوع ليتمحور النقاش حول صاحب الموضوع فنشخصن النقاش ونغوص في متاهات بعيدة عن الأهداف المحددة سلفا وتكون النتيجة أننا ندور في الفراغ ,,,,,
,,,,
نحن فردانيون وبشكل أناني لا يسمح بانصهار الأفكار أو الآراء داخل بوتقة جماعية منسجمة ومفتوحة على أهداف كبرى وعامة
حتى وإن ادعينا أننا أكثر جماعية من الغرب
مصيبتنا أن فردانيتنا تطغى عليها "نرجسية " لا تعترف بالآخر بل تلغيه وتحطمه ,,,,
مشكلتنا أننا لا نؤمن بالتكامل ,,,بل بالتعارض والإلغاء ,,,,
وهذا ما قد يفسر سيرورة التشظية اللامتناهية للأحزاب والنقابات والجمعيات والكثير من المؤسسات ،بل الدول إلى دويلات
حيث تغيب التناقضات الرئيسية ويصبح رفيق أو صديق الأمس هو الخصم ,,,,وهلم جرا, وتذوب الهواجس الكبرى أمام سطوة الهواجس الفردانية الضيقة ذات الطابع التخريبي والكارثة أننا لا نجد تفسيرا منطقيا لما يحدث غير مشجب نظرية المؤامرة ،
فالآخر هو المسؤول دائما وأبدا وهذه مصيبة أخرى تستحق النقاش العميق ,
مصيبتا :أننا لم نتعلم كيف نبني ونراكم مجهوداتنا الجماعية بشكل تكاملي
لم نتعلم أن كل شيء نسبي ولا أحد منا يملك الحقيقة ،بل هناك حقائق تستحق كلها الاهتمام والتمحيص والاحترام قبل ان يتم دحضها علميا وبالدليل والبرهان
وأن للمجتهد حتى وإن أخطأ أجر الاجتهاد وليس على الآخرين إلا
اتباع أسلوب المنافسة البناءة والمحاججة التي لا تخلو من محبة ,,,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حتى العلماني والملحد يمارس الوعظ
عبد الله اغونان ( 2015 / 5 / 7 - 22:28 )

ليس المتدينون فقطمن يمارسون الوعظ
فالشيوعي يطلب من الاستماع الى موعظته من منطلقه منذ عهد التقاط الثمار الى عهد المساواة
ودكتاتورية البروليتاريا
والقومي يمارس موعظته المعروفة أن الشعوب الناطقة بالضاد يجب أن تصير دولة واحدة حتى دون اقتناع باختلاف الأنظمة الامكانيات المادية وتقاليد الشعوب
الملحد أيضا يمارس مواعظه في أن هذا العالم خلق هكذا صدفة وأن الدين والايمان والرسل والكتب المنزلة مجرد خرافات
الانقلابي يقول بأن الشعوب قاصرة كالقطيع لابد من يرعاها بالعصا وشيئ من العلف
كل يمارس مواعظه في الاعلام والصحافة والمواقع وحتى في الحوارات الثنائية

اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل