الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهي أزمة أم ثورة ؟

عفيف رحمة
باحث

2015 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لعل الجدل المستمر بين قوى المعارضة في سوريا، المتمحور حول تعريف طبيعة المرحلة ‏التي يمر بها الوطن سوريا وما إذا كان يمر بأزمة أو بثورة، لهو من العبث الفكري الذي ‏يضيع على السوريين فرصة تاريخية للوقوف صفاً واحداً أمام سلطة االقمع والإستبداد لفعل ‏ما يمكن فعله من اجل إنقاذ الشعب السوري من محنته الإستثنائية.‏
غير أن هذا التباين في تعريف طبيعة المرحلة ليس بالقضية الإشكالية الوحيدة، بل هو ‏مؤشر عن ما انتجه الغياب الطويل للحياة السياسية المولدة للوعي السياسي المؤسس للغة ‏سياسية واضحة المصطلح، فالقضية لا تنحصر فقط في التمييز بين مصطلحي الثورة ‏والأزمة، بل تتعدى ذلك إلى مصطلحات أعم واشمل، فحتى الآن ما زال الخلط قائماً في ‏استخدام مصطلح الدولة والوطن والنظام والسلطة والحزب الحاكم وووو....، وهذا ليس ‏بالشأن البسيط لأن للمصطلح بعد قانوني ومعرفي وسياسي، فهل الطرف الحاضر للتفاوض ‏في جنيف وموسكو في وجه المعارضة (أو المعارضات) هو ممثل الجمهورية العربية ‏السورية أم هو ممثل الحكومة أم هو ممثل النظام السياسي أم هو ممثل فريق سياسي استملك ‏السلطة وفق الشرعية الإنقلابية والامنية ولا يصح تسميته بغير فريق الطغمة الحاكمة؟
لماذا هي أزمة؟
الأزمة مصطلح غالباً ما استخدم في يومياتنا لتوصيف قضايا جزئية أو طارئة كالحديث عن ‏أزمة مرور أو أزمة وقود أو غيرها من القضايا الثانوية، ربما لأننا لغوياً نهوى المبالغات ‏اللفظية أو لأن مفكرينا ومؤرخينا استخدموا مفردات ومصطلحات من قاموس التراث الحامل ‏غالباً الصفة القصصية أكثر منه الصفة التحليلية.‏
يستخدم مصطلح أزمة ‏Crise ‎‏ و ‏Crisis‏ في اللغات الاوروبية لوصف أوقات عصيبة ‏وخطرة، وهي تعبر عن حالة كارثية وصعوبة قصوى، وهي ترجمة لحالة من عدم التوازن ‏الوظيفي التي يصعب التعايش معه، ويقال أزمة إقتصادية وازمة مالية وازمة قلبية وأزمة ‏هوية وغيرها من المصطلحات التي تأخذ من كلمة أزمة مصدراً لغوياً للتعبير عن أقصى ‏حالات الصعوبة في تجاوز عطالة الواقع، وهو تعبير عن حالة من الكلية التي لا تصلح فيها ‏المعالجة بالجزئية.‏
فلماذا ينكر البعض على القضية السورية صفة الأزمة ويفضلون مصطلح الثورة، هل من ‏أجل المبالغة في توصيف الحالة السورية الإستثنائية بتاريخيتها، أم هو تجاوز لطبيعتها ‏المركبة وقفز فوق الحقائق الموضوعية لتوجيه معالجة هذه القضية وفق رؤية ضيقة تتوافق ‏مع منهجية تحليل اصحابها؟
إن استخدام مصطلح أزمة ليس خيانة للثورة، فالأزمة الإقتصادية في فرنسا عام 1789 ‏انتهت بالثورة الفرنسية بعد الافلاس المالي للدولة نتيجة ممارسات القمع واستئثار النبلاء ‏بالثروة، والأزمة الإقتصادية في اوروبا أنتجت حرباً عالمية أولى عام 1914 وحرباً عالمية ‏ثانية عام 1939، وتدهور الأوضاع الإقتصادية في روسيا القيصرية أنتجت الثورة الروسية ‏الكبرى عام 1917، والأزمة الكوبية كادت تشعل حرباً نووية عام 1962.‏
الأزمة السورية، كأزمة وطنية إستثنائية بتاريخ سوريا، تعبير عن وصول المجتمع السوري ‏إلى حالة من الخلل الوظيفي في العلاقة بين السلطة الحاكمة وشريحة هامة من أفراد ‏المجتمع، خلل يصعب إصلاحه بالطرق الودية، وهو تعبير عن دخول المجتمع السوري في ‏وضع إقتصادي وإجتماعي كارثي نتيجة السياسات الإقتصادية المنحازة لصالح (طبقة ‏الأوليغارشيا) التحالف الإقتصادي والمالي، بين أرستقراطية العسكر والإستثمار الطفيلي، ‏الذي مارسته السلطة خلال عقود حكمها. هو إذاً تعبير عن اختناق مجتمعي وانسداد الأفق ‏لأي حلول اصلاحية أو تجميلية تعمل، كما اعتاد السوريون، على تأجيل التغيير الجذرية ‏للبنية الدستورية (نظام الدولة) والوظيفة الدستورية بين مؤسسات الدولة حيث تمركزت كافة ‏السلطات بيد الرئيس الذي بدوره سهل لرموز السلطة السياسية وحلفائها الاستئثار بالسلطة ‏وبثروات البلاد.‏
كيف يعبر عن رفض هذا الواقع ؟
في المجتمعات الديمقراطية الإصلاحية يلعب النضال النقابي والمطلبي دوراً هاماً في ‏الضغط على الحكومات لتعديل سياساتها الإقتصادية ولتغير نهجها في ممارسة السلطة، ‏نضالاً يتكامل مع الضغط الذي يمارسه ممثلوا الشعب في مجالسهم البلدية والنيابية لتغير ‏التشريعات وسن قوانين جديدة تسمح بمعالجة أزمات مجتمعاتهم على المدى القصير والمدى ‏البعيد. نهج سلمي لا يلغي احتمالات اندفاع الجماهير لممارسة العنف كرد فعل على عنف ‏الدولة التي تديرها مجموعة من القوى السياسية التي تعبر بدورها عن مصالح الطبقة ‏المهيمينة على الثروة الوطنية.‏
في مجتمعاتنا التي ترزح تحت سطوة الإستبداد وحيث الإنسان يفتقد للحرية ولأبسط حقوق ‏المواطنة، يصبح العنف من الممكنات بحكم الضرورة، ضرورة التغيير بقوة العنف في ‏مواجهة القوة التي استولت على السلطة. أمام هذا الواقع تصبح الثورة شكلاً من اشكال ‏معالجة الأزمة وسبيلاً للخروج منها. فالثورة إذاً هي سلوك إجتماعي عنفي يعبر عن أحد ‏آليات معالجة الأزمات المستعصية، هكذا كان الحال في الثورة الفرنسية والثورة الروسية ‏وما سبقها من ثورات، بدء من ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس إلى يومنا هذا.‏
من هنا تأتي الثورة في سوريا كردة فعل شعبي، وهي ردة موضوعية، تجاه فعل السلطة ‏بعدم استجابتها وممانعتها أمام مطالب التغيير، وعدم جديتها ورغبتها في معالجة الأزمة ‏الوطنية بالسرعة الملحة وبالإجراءات الوطنية الجادة.‏
لكن هل هي ثورة أم ثورات
إذا كان كل تحرك عنفي هو ثورة فيبدو أن في سوريا ثورات لا ثورة واحدة، فكل فئة ‏متضررة من الطغمة الحاكمة أرادت الإستفادة من حالة انسداد الافق في معالجة الازمة ‏الوطنية لتحقيق مشروعها، فكان للجياع والمهمشين والعاطلين عن العمل ثورتهم على النظام ‏السياسي الذي اسقطهم من حساباته القومية، وثورة لعامة المتضررين من السياسات ‏الإقتصادية اللاوطنية التي حُملت على عربة فساد السلطة، وثورة الإنتهازيين والفاسدين ‏والشركاء السابقين للسلطة المتزاحمين معها على نهب الثروة الوطنية، وثورة المتنازعين ‏مع قوى السلطة على السلطة، وثورة الخلايا النائمة التابعة للجماعات الإسلامية الرافضة ‏للحداثة والتنوير.‏
لكن الأزمة الوطنية لم تنتج موضوعياً سوى ثورة حقيقية واحدة، ثورة الشعب وفقط ثورة ‏الشعب، لأن الثورة هي الحراك العنفي للشعب من أجل إسقاط نظام الظلم والإستبداد ‏والإستئثار بالحكم والثروة الوطنية، وكل ما عدا ذلك ليس إلا منتج من منتجات النظام ‏السياسي والسلطة الفاسدة المتحكمة بإدارة مؤسسات الدولة.‏
ومن هنا تأتي خطورة ما تعانيه الثورة من حصار، حيث استطاعت السلطة، حامية نظام ‏الإستبداد وهيمنة الفرد الواحد الأحد، بخبثها أن تستخدم التضليل الفكري والسياسي بذات ‏القدر الذي اتقنت فيه لعب دور الضحية، ضحية المؤامرة الكونية، لتنتقل من حالة الدفاع إلى ‏حالة الهجوم مستخدمة سلاح تفتيت البنية الوطنية وتغذية الكراهية وتاجيج المخاوف، ‏مخاوف المواطنين من المجهول ومن الطائفية والمذهبية والإرهاب.‏
لكن الخطورة لا تقتصر فقط على خبث السلطة لأن تحرك الإنتهازيين والفاسدين والشركاء ‏السابقين للسلطة ساهمت في إخماد ألق ثورة الشعب، الثورة الحقيقية لأبناء الوطن، ومهدت ‏لتنامي عنف آخر عنف الإرهاب وثورته السوداء التي لم تقدم للسوريين سوى الدم والدمار ‏ولن تقدم لهم في حال استمرارها سوى سنوات من الخوف والرعب والتذكير بماض ربما لم ‏يكن يوماً له وجود إلا في المخيلة المريضة لصانعيها.‏
امام هذا الواقع تبقى أمام كل وطني صادق مهمة إنقاذ ثورة الشعب من الفخ الذي وقعت به، ‏لكن كيف! والمعارضة السياسية المؤمنة بالثورة لم تتلاقى بعد على القواسم الوطنية ‏المشتركة التي تؤسس للتغيير الجذري والشامل من أجل بناء الدولة الوطن؟
كيف؟ هو السؤال الذي نتحمل مسؤولية الإجابة عليه طالما أن ثورة التغيير لم تنتصر بعد، ‏لنتمكن فيما بعد من البدء بمعالجة الاسباب الحقيقية التي أنتجت الأزمة والثورة.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إمام وحاخام في مواجهة الإنقسام والتوترات في برلين | الأخبار


.. صناع الشهرة - كيف تجعل يوتيوب مصدر دخلك الأساسي؟ | حلقة 9




.. فيضانات البرازيل تشرد آلاف السكان وتعزل العديد من البلدات عن


.. تواصل فرز الأصوات بعد انتهاء التصويت في انتخابات تشاد




.. مدير CIA يصل القاهرة لإجراء مزيد من المحادثات بشأن غزة