الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرانز فانون-مفاتيح لفهم الإضطهاد العنصري والثقافي عبر التاريخ-

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2015 / 5 / 8
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


فرانز فانون
-مفاتيح لفهم الإضطهاد العنصري والثقافي عبر التاريخ-

أرتبط فرانز فانون بالثورة الجزائرية، فأغلب كتاباته دارت حول هذه الثورة وتحليلها لدرجة إعتقاد الكثير أنه منظرا لهذه الثورة، لكنه في الحقيقة كان يستمد نظرياته من معايشاته لواقعها، ومن خلالها تمكن من وضع العالمثالثية بحل مشكلة الثورة الإشتراكية في بلدان العالم الثالث بالإعتماد على الفلاحين والريفيين بدل طبقة البروليتاريا المنعدمة في هذه الدول بسبب ضعف القطاع الصناعي، فقد أكتشف فانون أنه ليس مستحيلا قيام هذه الثورة في دول العالم الثالث لأنها لاتمتلك طبقة البروليتاريا التي تقوم بها لأنها ضعيفة صناعيا، ونشير أن فلاديمير لنين حل المشكلة في روسيا بوضعه النظرية الماركسية-اللنينية بسبب التأخر الصناعي في هذا البلد، فأقام ديكتاتورية البروليتاريا التي ستركز على التصنيع، أي الإستيلاء على الدولة ثم القيام بتصنيع مكثف لخلق هذه الطبقة البروليتاريبا التي ستقود إلى الشيوعية، أي الإنطلاق من أطراف الرأسمالية العالمية للقيام بها، على عكس ما طرحه ماركس من أنها ستقوم في الدول الأكثر تصنيعا مثل أنجلترا، وهو نفس ما يطرحه سمير أمين اليوم بالقول بثورة إشتراكية إنطلاقا من دول العالم الثالث بعد ما يصل الإستغلال الرأسمالي العالمي أوجه في هذه البلدان.
أما فانون فقد لاحظ بإمكانية قيام هذه الثورة الإشتراكية بالإستناد على الفلاحين والريف، وأنطلق في ذلك مما لاحظه في الثورة الجزائرية من ثورية الفلاحين ودورهم الكبير فيها، لكن في الحقيقة ابالنسبة للجزائر فقد سبقه إلى هذا الطرح مصطفى لشرف الذي أطلق على المقاومات الشعبية الجزائرية في القرن19 ب"ثورة الفلاحين" رابطا أياها بالأرض التي أغتصبها المعمرون، وذلك في مقالة له في مجلة إيسبري في 1954، أي قبل إندلاع الثورة، لكن يبدو أن ماوتسي تونغ قد سبقهم إلى ذلك عالميا، وطبقه على أرض الواقع، ولم تكن طروحات ماوتسي تونغ صالحة في هذا المجال فقط، بل حتى نظريته الثورية القائلة بمحاصرة المدن من الأرياف والأطراف لإسقاط النظام في بكين وإقامة دولة إشتراكية قد أخذ بها اليوم للأسف الإرهاب الداعشي الذي شرع في إقامة إمارات دينية في أطراف العالم الإسلامي التي تعرف فقرا وفوضى، ومنها تحاصر المراكز الكبرى في هذا العالم، لكن قبل ماوتسي تونغ ولشرف وفانون فقد سبق فريدريك أنجلز أن تحدث عن ثورات الفلاحين في القرن 17 في ألمانيا، لكنه لا يعتبرها ثورة شيوعية، مما يعني أن النظرية الماركسية تدحض طروحات ماوتسي تونغ وفانون.
ويبدو أن الرئيس الجزائري هواري بومدين قد تأثر بفانون، فأنطلق في ثورته الإشتراكية من الأرياف وبالثورة الزراعية مع تكثيف الصناعات الثقيلة، لكن استند بومدين في تأميمه للآراضي الفلاحية على الشرعيتين الدينية والتاريخية، فالدينية بنشره فكرة ومقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه "الأرض لمن يخدمها"، وقد كان عنوانا لنص في أحد الإمتحانات في السبعينيات، وكانت هذه المقولة تدرس بقوة في المدرسة الجزائرية آنذاك، أما الشرعية التاريخية فيستند على فكرة أن الآراضي في الجزائر قبل 1830 كانت ملكية للعرش، أي ملكية جماعية، أين العرش يعمل في الأرض جماعيا، ويستفيدون من محاصيلها جماعيا أيضا، وذلك قبل أن تصدر القوانين الإستعمارية التي أستهدفت تفتيت الأرض وتحويلها إلى ملكيات فردية، وعلى رأسها قانون سيناتوس كونسولت 1863 وقانون فارنيي1873، والتي أستهدفت أيضا تفكيك المجتمع الجزائري بخلق صراعات بين أفراد العرش الواحد ذاته حول حدود الملكيات الفردية من جهة، والذي لازال سائدا إلى اليوم، ومن جهة أخرى القضاء على تضامن العرش كله ضد أي محاولة عدوانية ضده من الإستعمار، ونشير إلى أن ماركس قد أشار في رسالة له إلى صديقه أنجلس إلى ما أسماه وجود شيوعية بدائية في الجزائر بعد إقامته لمدة فيها للتداوي بهوائها النظيف بعد إصابته بمرض صعوبة التنفس.
اما نظرية فرانز فانون فقد ظهرت في كتابه "معذبو الأرض" الذي أصبح بمثابة أنجيل للشعوب المضطهدة، بمافيهم الزنوج في أمريكا، لكنه يعتمد على العنف، وأيده سارتر الذي كتب مقدمة هذا الكتاب عند نشره لأول مرة في 1962، وقبل هذا الكتاب نشر كتابا آخر حول "سوسيولوجية الثورة الجزائرية في عامها الخامس" أين حلل الثورة الإجتماعية التي أحدثها العنف الثوري في نفسية المجتمع الجزائري، خاصة في قضايا المرأة والتحديث ومواجهة البعض من التقاليد أو تبنيها كمظاهر للمقاومة ضد المستعمر، وأحسن ما كتب فانون حول المرأة وتحررها هو تبنيها ممارسات جديدة عصرية ومنافية للتقاليد القديمة مثل الإحتجاب وعدم الإختلاط بالذكور والسفر لوحدها، وبشأن ذلك علينا أن نشير إلى معاناة بعض بنات بعض الشخصيات التابعة لجمعية العلماء المسلمين الذين بقوا أكثر محافظة ورفضوا لبناتهم الإنخراط في العمل الثوري بسبب سيطرة هذه التقاليد، وهو ما يشير وندد به بوضوح أحمد طالب الإبراهيمي عند نشره الرسائل التي كانت تصله من هاته البنات التي يشتكين من أبائهن، ويمكن التأكد من ذلك بالعودة إلى كتابه "رسائل من السجن" ، لكن ما يؤسف له أن هذا التطور الثوري للمرأة الجزائرية لم يستمر بعد إسترجاع الإستقلال، فعادت القهقري إلى الوراء بسبب سيطرة تيارات أيديولوجية منغلقة همها قمع المرأة، إضافة إلى تحالف عناصر من النظام مع هذه التيارات الأيديولوجية المحافظة جدا والرجعية، والتي تسعى لإعادة المرأة إلى البيت كحريم بدل مشاركتها كعنصر فعال إلى جانب الرجل في بناء الدولة مع الحفاظ على هويتها الإسلامية، أي أمرأة مسلمة حديثة كما دعا إلى ذلك قاسم أمين ومحمد عبده في مصر في نهاية القرن 19، وتعرضا للتكفير من المنغلقين والمتعصبين آنذاك بنفس الأسلوب الذي يقوم به الوهابيين اليوم ضد المثقفين وعلماء الدين المستنيرين، وقد كرر مثلا نفس دعوة محمد عبده كل من الشيخ بن باديس في الجزائر والطاهر الحداد في تونس في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وغرابة الأمر ما دعا إليه هؤلاء، ومنهم خاصة محمد عبده هو الممارس اليوم بعد قرن من الزمن، مما يدل أن هؤلاء المتعصبين والمنغلقين تحت غطاء الدين والتحريم يعرقلون التطور الإجتماعي، ثم يعترفون بعد عقود وفوات الآوان أنهم كانوا مخطئينن، فيحللون ماحرموه من قبل، فيضيعون عمرا من حياة أممنا ودولنا.
كما عرف عن فانون دوره في إقناع اليسار في أوروبا لإتخاذ موقف صريح مؤيد للثورة الجزائرية، وذلك من خلال مقالاته العديدة والمتسلسلة التي نشرت في المجاهد لسان حال الثورة الجزائرية بالفرنسية.
لكننا نعتقد أن أهم كتاب لفانون على الإطلاق في نظري، والذي لم يلق إهتماما كبيرا هو "بشرة سوداء، قناع أبيض" الذي ألفه قبل إندلاع الثورة الجزائرية، فلم يول له إهتماما كبيرا بسبب ربط فانون بالثورة الجزائرية، ففي هذا الكتاب قام بتحليل نفسية الإنسان الزنجي بسبب الإضطهاد العنصري والثقافي والإستعماري الذي مارسه ضده الإنسان الأبيض، وهو نفس الإهتمام الذي نجده لدى إيمي سيزر أستاذ فانون، وكذلك ايديولوجية النغريتود للسنيغالي ليوبولد سنغور، لكن مايثير الإنتباه في تحليل فانون لظاهرة الزنوجة وعلاقة الزنجي بالأبيض هي عقدة النقص القاتلة التي خلقت لدى الزنجي رغبة ملحة في التخلص من زنوجته والتشبه بالإنسان بالأبيض، وهو نفس ما يسميها بن خلدون "المغلوب مولع بالغالب"، لكن لاحظ فانون وهو الطبيب النفساني، بأن رغبة الزنجي في التخلص من زنوجته هي مستحيلة بسب إستحالة تغيير جلده، ولهذا فهو يرغب لو تمكن من إستبدال ذلك بقناع أبيض، وهو ما قام به الفنان مايكل جاكسون منذ سنوات ادت إلى وفاته، فهو ما يعني عند فانون ان عقدة الإنسان الزنجي مركبة، ومن الصعب حلها إلا بالقضاء على الإنسان الأبيض، فهنا تولدت نظرية العنف الثوري لدى فانون، وهي نفس النظرية التي نقلها إلى علاقة المستعمر بالمستعمر والتنظير للعنف الثوري، وبأن القضاء على الإستعمار يتم بالقضاء على المعمر.
لكن لم يذهب فانون في كتابه "بشرة سوداء، قناع أبيض" أبعد من مسألة الزنجي، ولم يطرح مسألة كل الشعوب المغلوبة، والتي تعرضت للإضطهاد العنصري والثقافي عبر التاريخ، والتي تتشابه نسبيا في السحنة واللون مع المضطهد، مما يعني تشبهه بالمضطهد والتخلص من ذاته ليس أمرا صعبا ومعقدا كما هو الحال في علاقة الزنجي بالإنسان البيض، ففي حالة التشابه النسبي في السحنة واللون، فمن السهل على المضطهد سياسيا وثقافيا وتمييزيا التشبه بمضطهده، لأن ماعليه إلا التخلص من هويته وثقافته ولغته، ويتبنى أصل وهوية المضطهد له، فيصبح مثله شريطة تغيير المكان الذي يعرفه فيه الناس، وهنا نطرح أسئلة أليس هذا هو ما حدث في العديد من البلدان عبر التاريخ أين اصطدم جنسين متشابهين نسبيا في السحنة واللون؟ أليس ماطرحه فانون يعد مفتاحا هاما في يد المؤرخين وعلماء الإجتماع لفهم العديد من المظاهر والتحولات الثقافية والإقتصادية والسياسية عبر التاريخ؟، طبعا هناك عوامل اخرى يمكن أن تفسر لنا هذه المظاهر والتحولات كالدين والجغرافية وافقتصاد وغيرها، لكن هذا المفتاح الذي وضعه فانون يعد مفتاحا أساسيا لتفسير هذه المظاهر، حتى ولو أن فانون قد وضعه دون أن يشعر به لأنه حصره فقط في علاقة الزنجي بالأبيض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التونسي قيس سعيد يحدد يوم 6 أكتوبر موعدا للانتخابات ا


.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويعلن تحقيق انتصارات على




.. حادث طعن في مجمع تجاري في #كرمئيل شمالي #إسرائيل حيث جرح 3 أ


.. يائير لابيد: على الجيش احترام قرار المحكمة وتنفيذ قانون التج




.. المبعوث الأميركي آموس هوكستين يعقد محادثات جديدة في باريس بش