الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معنى العمل في السياسة تغيير الواقع القائم وبناء الجديد

عايدة توما سليمان

2015 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


"فهمت في نشأتي أنه من بين جميع الأماكن في العالم هذا هو وطني ولا وطن لي سواه"


كي نكون أصحاب وصاحبات رؤيا حقيقية، على خيالنا أن ينبت من أرض الواقع الصلبة، وفي الوقت ذاته أن نحافظ على تفرّعه لاحتمالات تشذّ عن هذا الواقع. واقعنا هو واقع صعب، واقع يدوس على البشر ولا يراعيهم، واقع دامٍ.





أقف أمامكم اليوم بشعور ثقيل بالمسؤولية يرافقه أمل كبير بأن أستطيع تمثيل مبادئي سوية مع تمثيل قضايا النساء والرجال، الرفاق والرفيقات، العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، العمال والعاملات وكل الجمهور المؤمن بدرب السلام، المساواة والعدل الاجتماعي. هذه الوقفة هنا تؤثر فيّ كثيرًا في مسيرة إكمالي لدرب كبار من كانوا أعضاء هذه الهيئة من حزبي- الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية- الراحلون توفيق طوبي وماير فيلنر، توفيق زياد وإميل حبيبي، وتمار غوجانسكي ومحمد بركة ورفاق آخرون أتمنى لهم طول العمر.
أفخر بالوقوف هنا، وكلمات رفيقاتي في النضال ضد العنف وجميع أشكال القمع والاضطهاد تدوي في رأسي، نساء عربيات ويهوديات قويات: نحن سنكون هناك معك من على منصة الكنيست، وصوتك سيكون صوتنا.
سألني العديد من الصحافيين الذي أجروا مقابلات معي في الأشهر الأخيرة: لم قرّرتِ الآن الانخراط في السياسة؟
كأن السياسة تبدأ وتنتهي في الكنيست وكل ما سبق ذلك غير محسوب، كأن في الواقع الذي نعيش فيه هناك حاجة لأن نفسر لم علينا الانخراط في السياسة. ولدت لبيت كادح، ابنة سادسة من بين سبع أخوات، أبي، سامي، كان عامل بناء، وأمي، ألكساندرا، تعمل في بيتها؛ عربية فلسطينية مواطنة في دولة إسرائيل؛ امرأة وأم، وأعمل منذ سنّ العاشرة من أجل لقمة العيش.
هل بهذا إجابة كافية لمَ يجب العمل في السياسة؟ أليست هذه الطريقة المثلى لإدراك أن الشخصي هو السياسي والسياسي هو الشخصي؟
فهمت في نشأتي أنه من بين جميع الأماكن في العالم هذا هو وطني ولا وطن لي سواه. كبرتُ وفهمت أنه يتم تشويه لغتي الجميلة والغنية والتي أصبحت غريبة في وطنها، ويُعمل على تغييبها وطمسها. فهمت أنّي أنا التي تربيّت في بيتي على أن كل إنسان هو عالم بأكمله وأن حدودي هي السماء – إن اجتهدت وعملت– فهمت أنني لست مواطنة متساوية في الدولة، وأن هناك عدة حواجز في الطريق للتحليق في السماء.
شاهدت معاناة شعبي، الشعب الفلسطيني، تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكبرت في ظل حرب تليها حرب لم أردها أبدًا، وفهمت أن حكومات إسرائيل المتعاقبة تحتجزنا، عربًا ويهودًا سوية مع ما تسميه "أمننا" رهائن لسياسة مدمرة عدوانية تخدم مصالح لا تمت لنا بصلة.
فهمت مع مر السنوات أن أبي الذي يكد ويعمل جاهدًا طوال اليوم، ليس وحيدًا وأن هناك العديد من أمثاله، الذين يقاتلون على كسب لقمة العيش بكرامة. كبرت وفهمت أيضًا أن هناك عائلات معدودة ثرواتها تتعدى كل منطق ومبلغ قد أتخيله. لطالما زعزعتني هذه الفجوات وأكثر ما يثير غضبي أن للفقر في هذه الدولة وجها طبقيا وآخر قوميا، وإلا فكيف بالإمكان تفسير أن %40 من الأطفال العرب هم فقراء؟
يميل الكثيرون لأن يدركوا الظلم كقضاء وقدر، بالمقابل يميل آخرون لأن يلقوا بذلك على المُستضعفين والمهمّشين وتذنيبهم بضعفهم ووضعهم. يبين هذا الأمر جليًا في الخطاب العام حول احتمالات إنهاء الاحتلال وجرائمه وعن حرمان الجماهير العربية من حقوقها، وأيضًا عن الخطاب حول حقوق ومكانة النساء في المجتمع.
حقيقة أن %78 من النساء العربيات خارج دائرة العمل، و-%40 من النساء العربيات الأكاديميات معطّلات عن العمل – ليس قضاءً وقدرًا بل هي نتاج سياسة قمع جندري وقومي وطبقي للنساء عامةً وللنساء العربيات خاصةً. في واقع ما زالت تعاني النساء فيه من العنف ويُتهمن لوقوعهن ضحية للتحرّش أو الاعتداء الجنسي، هذا الواقع هو نتاج ثقافة القوة الأبوية العسكرية – ثقافة آن الأوان لتغييرها.
إن العمل في السياسة –بنظري– هو العمل على تغيير الواقع، العمل على تحقيق رؤيتنا وبناء واقع جديد، وهي الرغبة في تغيير الواقع المشوّه. كل هذا كان دائمًا المحفّز لنشاطي، كما اللهفة المتواصلة لإحقاق العدل وضمان كرامة الإنسان، إحقاق قيم المساواة المدنية والقومية للجميع من جهة، والنفور من القمع، العنف، العنصرية، التمييز، الاحتلال والحروب من جهة أخرى – كل هذه كانت محفّزات لنشاطي طوال مسيرتي وصولًا إلى الكنيست وهذا اليوم.
كي نكون أصحاب وصاحبات رؤيا حقيقية، على خيالنا أن ينبت من أرض الواقع الصلبة، وفي الوقت ذاته أن نحافظ على تفرّعه لاحتمالات تشذّ عن هذا الواقع. واقعنا هو واقع صعب، واقع يدوس على البشر ولا يراعيهم، واقع دامٍ.

تم، في الأشهر الأخيرة، اتخاذ خطوة استثنائية في السياسة الإسرائيلية، أربعة احزاب اجتمعت سوية لإعطاء السلام والمساواة والعدل الاجتماعي أملًا وفرصةً. قررنا في القائمة المشتركة وبالرغم من الواقع المُعكّر وبالرغم من محاولات الإقصاء تغيير الأدوات، وبناء، من صلب هذا الواقع – احتمالات استثنائية في المشهد العام.
لي الشرف اليوم أن أقف أمامكم وأكون صوت ناخبين قرروا التقدّم من هامش الهامش والوقوف في منتصف وقلب السياسة الإسرائيلية، في مركز جدول الأعمال الجماهيري والمدني وفي لب المستقبل.
لي الشرف أن أمثل جمهورًا تدفق يوم الانتخابات إلى الصناديق لأنه تحمّل المسؤولية على مستقبله ومستقبل سائر المواطنين هنا. لي الشرف أن أمثل اليهود والعرب الذين ما زالوا يؤمنون أنه بالإمكان بناء بديل ديمقراطي مبني على المساواة، بديل يعترف أولًا بحق الشعوب أن تعيش حرة وبحق الشعب الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال وحقه بإقامة دولته المستقلة في حدود الـ67 وعاصمتها القدس الشرقية.
دون التخلّص من جذر غالبية المشاكل – الاحتلال، ودون خلق مفهوم جديد لمصطلح "الأمن" – مفهوم يشمل توجّهًا إنسانيًا وليس عسكريًا فقط – مفهوم يضمن الأمن الشخصي من العنف والإجرام، ويضمن الأمن الاقتصادي والصحي – لن نتقدّم لأي مكان.
تصدّرت في الأيام الأخيرة قضية احتجاج الأثيوبيين العناوين الرئيسية للإعلام. أشك في أنها كانت قد تتصدّرها إن لم تمارس الشرطة العنف ضد هذه الاحتجاجات. أنا، من نافل القول، ضد العنف بجميع أشكاله وخاصة العنف المؤسساتي الشرطوي، وصدقوني لدي ما أرويه لكم عن تجربتي الشخصية بهذا الصدد، إنما ولأسفنا الشديد هذه المظاهرات تشهد بشكل واضح جدًا على هرمية القمع والعنصرية في الدولة.
أن تكون جزءًا من الأغلبية اليهودية في إسرائيل لا يؤمّن لك الحماية من العنصرية. أن تكون شريكًا في الهيمنة الصهيونية أو مستغَلًا من قبل الحكومة في حربها ضد التكاثر الطبيعي لدينا، نحن العرب، أو ما تسميه "الموازنة الديمغرافية"، أو أن تكون جزءًا من آليات قمع لشعب آخر – لا تحميك ولا توفر لك الحصانة ضد العنصرية.
نحن المشرعين ومنتخبي الجمهور، مطلوب منا أن نقف بقوة أمام مظاهر العنصرية وظواهرها البشعة في المجتمع وفي أروقة السلطة – كان ضحيتها أيًا كان.
كجزء من الأقلية العربية التي تعاني من العنصرية والتمييز، وكامرأة عانت من التمييز على أساس الجنس، أعد بالعمل من أجل تغيير هذا الواقع والعمل، مثلما عملت حتى اليوم، من أجل حقوق الجماهير العربية، للمساواة المدنية والقومية التامة، من أجل كل طفل فقير، ومن أجل كل عامل مُستَغَل، من أجل حق الشباب والشابات في المساواة في التشغيل والتعليم،ومن أجل حق الجميع في المسكن وبالطبع حق الأزواج الشابة العربية في بناء بيوتها على أراضيها دون تهديدات بالهدم والخوف من فقدان المنزل والحلم بحياة عائلية.
أنا امرأة تفهمُ أن أحدًا لا يستطيع أن يسلبني حريتي وقدرتي وحقي في النضال من أجل عالم أفضل، فعلت ذلك في السياسة الشعبية، في النشاط المجتمعي المكثف وسأواصل نشاطي هناك إضافة للسياسة التمثيلية هنا من على هذه المنصة وآمل بناء تعاونات مشوّقة ومثرية.
لكل من آمن بي وبالقيم التي أمثلها؛ لكل من دعم وشجع وكان شريكًا أو شريكة في النضال، أقدم شكري وتقديري ومحبتي.
وللإنسان الوحيد والمميز، زوجي جريس، الذي آمن بي من كل قلبه الرحب، أعدك بالوفاء لحلمنا وحلم بناتنا بمستقبل أفضل لنا جميعًا.



*نص الخطاب الأول للنائبة توما سليمان في الكنيست








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -