الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة المواطنة /حلم اليقظة وكابوس الطائفية

نزار بدران

2015 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


دولة المواطنة
حُلم اليقظة وكابوس الطائفية
نزار بدران
غطت زُرقة السماء العربي كتل وطبقات الدخان المُتصاعد من محارق الطائفية والاستبداد. فما هو سببها وكيف نعمل على إطفائها، ونتخلص من الطائفية البغيضة. حيث يشكل الانتماء للقبيلة أو الطائفة، على حساب الانتماء للدولة أو الأمة السبب الرئيس لانهيار الكثير من الدول والأمم. فالطائفية لم تحم في يوم من الأيام أحداً؛ لا أقلية ولا أغلبية، والأمثلة الحالية في العراق وسوريا واليمن تُثبت أن من يزعم إنه يدافع عن مصالح طائفته، إنما هو في الحقيقة من يحفر قبرها، ويُيتم أطفالها ويُدمر مدنها. وما نموذج الحكم الأمني السوري، ومئات آلاف القتلى من أبناء الطائفة المحظية، ومن يواليها من أبناء الطوائف الأخرى، وانسداد أُفق إمكانية تواجدهم في سوريا موحدة، أو مثال الحوثيين في اليمن، وما آلت إليه أحوال طائفتهم إلا دليلاً على ذلك.
الحكم الاستبدادي هو سبب تغول الطائفية والمذهبية المقيتة، حين يُحول تناقضه مع مجتمعه إلى تناقض المجتمع مع نفسه، مما يعطيه شرعية البقاء بدعوى حماية الناس من بعضهم البعض، وخصوصاً عندما يستشعر توحد المجتمع ضده، أو بدء حراك ثوري للتخلص منه. هذا ما كان يحدث أيضاً في الدول المُستعمرة سابقاً مثل المغرب، عندما وضع الفرنسيون قوانين خاصة بالبربر (الظهير البربري 1930)، والذي يميز بالحقوق بين أبناء الوطن الواحد، كذلك في الجزائر، حين جرى سن قوانين خاصة بفئة من الشعب الجزائري.
فئات الشعب المختلفة وطوائفه العديدة، لم تكن في أي دولة مصدراً للحروب، وإنما اُستعملت دائماً من السلطات المستبدة أو المُستعمرة لهذا الهدف. فقد تعايش العرب والأكراد على مدى قرون، ولا ننسى صلاح الدين الأيوبي الذي حرر فلسطين. وتعايش وتصاهر الشيعة مع السنة في العراق على مدى عشرات السنين.
لذا فإن الحفاظ على مصالح الطائفة، لا يتم حقيقة إلا بالدفاع عن مفهوم المواطنة، والانتماء إلى شعب واحد متنوع بطوائفه. لكن بنيانه السياسي مُقام على أساس الفرد المواطن وحقوقه. هذا لا يعني إنهاء التنوع العرقي واللغوي والديني في المجتمع، بل على العكس هذا التنوع هو أحد أسباب غناه. أنك أمام القانون كغيرك لا أفضلية لك لانتمائك لطائفة ما، ولا حقوق خاصة لك لهذا السبب.
الدولة الديمقراطية الحديثة، تُعامل سكانها على أساس مواطنتهم، فهم سواسية كأسنان المشط، لا فرق في الحقوق السياسية والاجتماعية بين مسيحي ومسلم أو علوي وسني أو عربي وكردي، هم في نفس الوقت المسيحي والمسلم والعلوي والسني والعربي والكردي، يشكلون ما يشبه قوس قُزح يزيد المجتمع تألقاً وجمالاً، ويُثري الثقافة المشتركة.
أن نكون مواطنون في دولنا، هذا لا يمنعنا من أن نمارس شعائرنا الدينية، ونتكلم لغاتنا الخاصة، ونتعلمها ونُعلمها ونحتفل بأعيادنا. ولكننا في نفس الوقت لنا نفس الواجبات والحقوق أمام العقد الاجتماعي الذي يجمعنا؛ الحق بالعمل والتعلم، والحق بالمشاركة بكافة مؤسسات الدولة؛ بما فيها الجيش والشرطة، الحق بالترشح والترشيح في أي منصب في الدولة، بما فيه منصب الرئيس، الحق بالانتماء لأي حزب سياسي، لأن الأحزاب في دولة المواطنة، لا توجد إلا للدفاع عن الأمة كاملة، وليس عن فئة منها.
لذلك لا تسمح دولة المواطنة لفئة طائفية ترفع شعارات طائفية بالعمل السياسي باسم الأمة جمعاء، كما يحصل حالياً في بلادنا من سوريا ولبنان إلى اليمن والعراق. دولة المواطنة تُعامل كل الطوائف على قدم المساواة وتعترف بكل خصوصياتهم وتحترمها.
هذه الدولة لا تستطيع أن توجد إلا في إطار ديمقراطي، حيث الأطر الديمقراطية وحدها التي تستطيع أن تبعد شبح تسلط فئة، أو طائفة واحدة، على سُدة الحكم والتحكم برقاب الشعب، كما نراه في كل الدول الديكتاتورية، والأمثلة في دولنا العربية عديدة.
هذه الدولة لا توجد إلا باحترامها لمعايير الحضارة الحديثة؛ من احترام حقوق الإنسان وحقوق ألأقليات والمساواة بين المواطنين، مهما كان جنسهم، وحماية الضعفاء واحترام حقوق اللاجئين والمُهجرين، والتوزيع العادل للثروة الوطنية، وإتاحة فرص العمل والتعلم بالتساوي للجميع، بناءاً على مفهوم الكفاءة والمقدرة، وليس بالمحسوبية والانتماء العرقي أو الطبقي.
دولة المواطنة تعتبر المواطن، مهما كان انتماؤه الديني أو العرقي مصدراً للسلطة فيها وهو حاميها، فهي دولة ينيط بها مواطنوها، وكذا تنيط بنفسها؛ مهام بناء مؤسسات قوية وتحترم استقلال الصحافة، وتفصل بين القضاء والسياسة، وتحترم التبادل السلمي للسلطة. القاضي فيها يحكم بقانون عادل صوت عليه الشعب عن طريق انتخاب مجالسه التشريعية. هذا القانون المُقر من الشعب، بعد نقاش وأخذ ورد، مُحترم من قبل الجميع، ومن يخرج عنه يخرج عن الإجماع والعقد الاجتماعي.
هذا كله أحلام يقظة، وستُعيدني نشرة الأخبار بعد قليل إلى واقع آخر، ولكن في نفس الوقت لن نغير الواقع إلا بالعودة للأحلام والمثاليات. مارتن لوثر كنغ قُتل من أجل تحقيق حُلمه بمساواة البيض والسود، ونلسون مانديلا أمضى سبع وعشرون عاماُ بالسجن، لتحقيق حُلم إزالة الفصل العنصري بأفريقيا الجنوبية. وليس بعيداً عنا مثال عبد الكريم الخطابي من منفاه، وعمر المختار أسد الصحراء مُقيداً بالسلاسل، والأمير عبد القادر الجزائري، اللذين حلموا بطرد المستعمرين من بلادهم، وهو أيضاً حُلم السيد المسيح يُبشر بالمحبة بين الناس، وهو يسير حاملاً صليبه على ظهره في درب الآلام، وحلم الرسول الكريم هو وصديقه بالغار بإقامة دولة العدل والحضارة.
صفحات التواصل الاجتماعي الحديثة، تستطيع أن تنقل أحلام ملايين الناس وتوصلها لبعضهم البعض وتشد في عضدهم، وقد تكون أقوى وأكثر فعالية من نشرة الأخبار المُحبطة.
طبيب عربي مُقيم في فرنسا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة الصدر للسياسة تقترب.. كيف تلقى دعما من السستاني؟ | #الت


.. تونس..مظاهرة تطالب بتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية|#غ




.. الهجوم الإسرائيلي على رفح وضع العلاقات المصرية الإسرائيلية ع


.. تحقيق إسرائيلي يوثّق انتحار 10 ضباط وجنود منذ بدء الحرب




.. قوات الاحتلال تطلق قذائف على صيادين في البحر