الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفصاليون وخدعة الاستقواء بالفكر الاشتراكي (الجزء الاول)

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2015 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الانفصاليون وخدعة الاستقواء بالفكر الاشتراكي
(الجزء الاول)
لست في وارد الدخول في السجالات التي يحمي نارها اليوم شيوعيو الهزيمة وماركسيو الحقبة السوداء، الذين بنوا رصيد موهبتهم على تطويع الوقائع وتفسير الاحداث التاريخية وفقا لرغباتهم واحيانا لمصالحهم الذاتية دون مراعاة او حساب للنتائج الوخيمة والمأساوية لطروحاتهم على الاصعدة الانسانية والاجتماعية والنفسية في وطن كثرت جراحه.
لا اخفي اني من دعاة الحفاظ على العراق كدولة موحدة، بموزاييكها الشعبي المميز الذي هو نتيجة حضارات عملاقة ساهمت في صناعة التاريخ الانساني. وان كان لابد من انفصال الاقليم فإننا، كعرب واكراد واقليات، يجب ان نسعى معا ليكون الانفصال سلميا ووفق اتفاقية تنال رضا اغلب سكان العراق بالاقتراع العام.
وما دام البعض يعود الى تاريخ الفكر الاشتراكي ليفصله على مقاس رغباته، فان هذه المقالة ستهتم تحديدا بالرؤيا والتطبيق الاشتراكيين لموضوع حق تقرير المصير في جزئه الخاص بحق الانفصال وتكوين "الدولة القومية" المستقلة.
بداية، لابد من الاشارة الى إن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، هو مبدأ قديم سبق ولادة الفكر ألاشتراكي ألعلمي، وقد كان واحدا من أركان الفكر ألسياسي ألبرجوازي ألناهض بوجه قواعد وأسس الدولة الإقطاعية. لذا فان أغلب حركات ألتمرد على التاج ألملكي في الحقبة الإقطاعية في أوربا كانت حركات تحرر قومي أو حركات تسعى للانفصال وتشكيل الدولة ألمستقلة. وقد تضمن إعلان استقلال الولايات ألمتحدة ألأمريكية عام 1776 وإعلان حقوق الإنسان والمواطن فيها عام 1789 بندا واضحا يقر بحق تقرير المصير.
إلا أن بداية تجليات هذا المبدأ في رؤية نظرية " للدولة ألقومية" لم تتشكل إلا بعيد ذلك في كتاب فيخته " أحاديث إلى ألأمه ألألمانية " عام 1808، أي قبل ولادة كارل ماركس بعشرة أعوام. ثم وفي ألنصف ألأول من القرن التاسع عشر ظهرت في الكتابات ألاشتراكية نقاشات لموضوعة الدولة ألقومية. كان أهمها دراسات مفكري ألاشتراكية ألطوباوية التي اعرضت عن تبني نظرية "الدولة القومية" كونها من افرازات الفكر البرجوازي. فمع تنوع، وأحيانا اختلاف، أفكار مؤسسي ألاشتراكية ألطوباوية، سان سيمون وفورييه وأوين، وأنصارهم في تصورهم للدولة والنظام ألسياسي إلا أنهم كانوا يلتقون عند موقف أساسي واحد، وهو أن الدولة بمفهومها ألسياسي آيلة حتما إلى الاضمحلال والتلاشي. لذا فمن غير ألمجدي وضع تصور مستقبلي للدولة.

وقد حذا مؤسسا ألاشتراكية ألعلمية، كارل ماركس وفريدريك إنجلز حذو من سبقوهم من مفكري الاشتراكية في اعتماد فكرة اضمحلال الدولة في ألمجتمع ألاشتراكي اللاطبقي. ولم تكن الدولة في فكرهم سوى أداة للقمع ألطبقي، عدا عن انهم افترضوا في ظروف معينة إمكانية استقلال الدولة عن الطبقة ألمهيمنة وتحولها الى مؤسسة رقابية وتنظيمية للمجتمع الطبقي. إلا أنها حتى في صورتها ألأخيرة أو عند إقامة سلطة " دكتاتورية البروليتاريا" التي كتب عنها جميع مفكري الاشتراكية في القرنين التاسع عشر والعشرين، فهي في جميع الأحوال ظاهرة تاريخية مؤقتة ملازمة للمجتمعات ألطبقية، تزول بزوال دواعيها، أي بزوال ألمجتمع ألطبقي.

وتبعا لذلك فان الفكر ألاشتراكي لم يولي الدولة اهتماما كبيرا يرفعها إلى مستوى ألدراسة ألمنهجية في إطار ديالكتيك ألتطور ألاقتصادي ألاجتماعي. ولكن هذا لا يعني بالتأكيد أن ألاشتراكيين الأوائل أغفلوا تماما موضوع الدولة وحق تقرير المصير. خاصة وأن أحداث ألتمرد ألقومي في أوربا والمشاكل ألمتعلقة بالتوسع ألاستعماري ألأوربي في آسيا وأفريقيا كان لها أثرها ألواضح في مسار تطور النظام ألرأسمالي والحركة العمالية في أوربا ألغربية آنذاك. الفرق يكمن في مدى خضوع ألحدث ألتاريخي لآليات النظام ألمعرفي للاشتراكية ألعلمية ومدى تأثيره في عملية التطور الاقتصادي الاجتماعي، عند اتخاذ موقف محدد منه. لذا فقد لجأ مؤسسا ألاشتراكية ألعلمية إلى استخدام مصطلحات تشخص ألحدث في مدى تأثيره ألسلبي أو الإيجابي على حركة ألتطور ألتاريخي للمجتمعات في محاورها ألاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وعليه فقد وصفت ألحركات ألانفصالية ألمطالبة بحق تقرير المصير بأنها تارة "رجعية" وتارة أخرى "تقدمية".

وهذا ما يفسر مواقف ماركس وأنجلز من أحداث عام 1848 في النمسا والمجر وكذلك موقفهما ألمعروف من ألمشكلة ألايرلندية. ولا يخفى عن المتابع والدارس لتاريخ الفكر السياسي الاشتراكي، موقف ماركس وإنجلز من الحرب ألتي شنتها الولايات ألمتحدة ألأمريكية على المكسيك واستولت بنتيجتها على مقاطعات غنية وضمتها إلى أراضيها وغير ذلك، ألموقف من الاحتلال الإنكليزي للهند. ثم موقفهما من استعمار ألجزائر ومصر.
لست هنا بصدد عرض تاريخي للأحداث ألمذكورة، كما أني لست في سبيل محاكمة نصوص بعينها وردت في هذا الشأن. ولكن ألدراسة ألمتأنية لها تفرض علينا الاستنتاج بأن معلمي ألاشتراكية الأوائل كانوا مع الدولة الواحدة ألموحدة مع إقرارهم ضمن توصيفات واشتراطات معينة، بحق الأمم في تقرير مصيرها بالانفصال وتكوين دول مستقلة. ولا ينفي هذا ألواقع ما ورد في البيان ألصادر عن ألكونفرنس ألعالمي للأحزاب والنقابات ألاشتراكية العمالية ألمنعقد في لندن عام 1896 من إقرار صريح وغير مشروط بالحق ألكامل لجميع الأمم في تقرير مصيرها. فعدا النص ألمقتضب ألذي تضمنه البيان ألختامي للمؤتمر، لم يكن هناك أي تفصيل أو تفسير لموقف الأحزاب والنقابات ألموقعة عليه، كما أن هذه الأحزاب ذاتها، كانت قد أهملت أو تناست فيما بعد ما أقرته في مؤتمرها بهذا الخصوص.

إن حق تقرير المصير في رأي ماركس وأنجلز، يجب أن يكون منسجما مع حركة ألتطور ألتاريخية، أي أن يكون متوافقا مع مصالح الطبقات ألاجتماعية ألطليعية، ليس فقط عند الأمم ألتي تسعى لتقرير مصيرها بل وتلك الأمم ألتي سيجري فيها التغيير نتيجة استخدام هذا ألحق. وعلى العموم، فان مصالح الطبقات ألاجتماعية ألطليعية عند جميع الأمم تتجسد في وحدتها وكفاحها ألمشترك وليس في تفككها وانضوائها تحت رايات قومية متنافرة. هذا أولا وثانيا، يجب أن لا يفضي الانفصال إلى إقامة دولة قومية مستقلة ترتد فيها التشكيلة ألاقتصادية ألاجتماعية إلى الوراء مقارنة بالدولة ألأم. أي أن لا تولد دول إقطاعية مثلا من رحم دولة تسود فيها علاقات الإنتاج ألرأسمالية.
وأخيرا فان حق تقرير المصير، يجب أن يبرره اضطهاد منهجي واضح تتعرض له أمة صغيرة يعيق تطورها ألاقتصادي ألاجتماعي ويجعل من غير ألممكن مواصلة العيش ألمشترك في إطار دولة واحدة. وعدا هذه الاشتراطات ألتي أفرزتها وقائع القرن التاسع عشر فان ألتطور ألاقتصادي ألاجتماعي والسياسي منذ ذلك ألحين يفرض على ألاشتراكيين ألتعامل مع وقائع جديدة ومفاهيم عصرية تغني وتمنهج ألموقف ألاشتراكي من موضوعة حق الأمم في تقرير مصيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |