الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغَيّبَون ( الحلقة التاسعة) الفنان الموسيقي عاصم الجلبي

قاسم حسن

2005 / 9 / 30
الادب والفن


أتيح لي قبل فترة أكثر من عام أن استمع الى معزوفة على آلة العود ، أدهشتني كثيرا تلك المقطوعة ، سألت عن صاحبها ومؤلفها ، كان صاحبي مندهشا ايضا ومغرما بطريقة العزف وصفاء الوتر ، لكنه أشار الى أن هذا العازف ، كما علمت ِمن مَن أهدى لي هذه المقطوعات ، أنه عازف عراقي يعيش في المنفى … له من الكثير من المساهمات والنشاطات الموسيقية في أوربا …
بعد فترة وجيزة هاتفني صاحبي ، مشيرا الى ذلك الموسيقي ، ومعزوفاته على بعض المواقع الألكترونية ، ولكن المفاجأة الأخرى ، والمهمة جدا والتي من خلالها تعرفت على الفنان عاصم أكثر واكثر ، منظرا في مجال الموسيقى ، وعازفا أمتعنا والجمع الجميل من كتاب وفنانين ومتذوقي الموسيقى ، كانت في غرفة دردشة للكتاب العراقيين ، على الشبكة الألكترونية ، وهنا تواصلت معه ، استماعا وأحاديثا عن الموسيقى ، وعرفت أنه يمتلك ثقافة موسيقية مهمه االى جانب عزفه على آلة العود بشكل ملفت ، أعجب الجميع ومنهم ، من الموسيقيين ، الذين لهم تاريخهم في هــذا المجال ، حينها قلت مع نفسي ، عجيب هــذا العراق ، ماأن يغيب علم من أعلامه ، يولد آخر ، … فالعراق الذي أنجب خيرة الموسيقيين الكبار ، بمدارسهم المميزة في العالم العربي ، والعالم ، لازال … كما عرفه ويعرفه العالم ….
الفنان عاصم الجلبي واحد من هؤلاء ، الذين رفعوا دللوا على أن العراق له إمتداداته في الموسيقى .. وهو امتداد ، لتلك النخبة التي لازالت في عمق أعماق ، البشر ، ومصدر الهامهم …

ولــد في بغـداد عام 1952 أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية فيها . ، كان لمحيط البيت الذي نشأ فيه الأثر في توجهه نحو الموسيقى( كان عمي يدرُس آلة الجلو في معهد الفنون الجميلة في الخمسينيات ,وكان أستاذهُ الأول فرنسي أسمهُ توره) والفنون التشكيلية ( كان لنا في بغداد جاران يمارسان فن الرسم الأول كان الفنان التشكيلي نوري الشماع – ذكرهُ الفنان الراحل شاكر حسن آل سعيد في كتابه فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق- أما الجار الثاني فكان الفنان التشكيلي فهمي وأخيه ليث الخفاف ).
يقول الفنان عاصم الجلبي عن بداياته في هذا المجال مايلي:-
(في إطار النشاط المدرسي للفنون في المرحلة الابتدائية ( النشاط المدرسي في العراق في تلك الفترة كان تجربة تربوية رائعة للأسف لم يكتب لها الاستمرار) احتضنتُ آلة العود وكان أستاذي الأول أستاذ موسيقى عام ولم يكن عواداً , واستطعتُ وبمجهودي الذاتي تطوير إمكانياتي في العزف على آلة العود وكان لظهور التلفزيون العراقي في تلك الفترة الأثر الكبير في إبراز أسماء موسيقية رائعة في مجال العزف المنفرد على آلة العود كجميل بشير هذا الموسيقي القاص على آلاتهِ العود وكذلك عازف العود الأستاذ سلمان ُشكر صاحب الضربات الروحية والصوفية في عزفهِ على هذه ألآلة كانوا هؤلاء الملهمين والمحفزين على مواصلة التطوير والدراسة لهذهِ ألآلة.
كان أيضا جو العائلة والجو العام لا يرتضي أو يشجع على دراسة الموسيقى بشكل منهجي ونظامي فحاولت الاستفادة من احد أصحاب المدارس الخاصة بتعليم الموسيقى وكان الأستاذ جمال يامُلكي أحد الأساتذة الذين استفدت منهم كذلك تعرفت على الأستاذ علي الأمام، كانت نصائحه مفيدة لي ، ومن ثم تعرفت لاحقاً على الأستاذ المبُدع ، الحاج مُعتز محمد صالح البياتي ، والاستفادة من نصائحه السديدة في العزف على هذه الآلة ومن خلاله ألتقيت ، الموسيقار الشريف محي الدين حيدر بن علي ، وكان للأخ الأستاذ أكرم الهبش عازف الكمان في الإذاعة العراقية ، الأثر في تحسين معلوماتي عن المقامات العربية وزيادتها كذلك منهُ تعلمت مفهوم أن تكون هناك رسالة للموسيقى .)

في عام 1978 قررعاصم دراسة الموسيقى بشكل منهجي ونظامي ( كما يقول ) فالتحق بمعهد الدراسات النغمية العراقي ( لم أستفد أيةُ استفادة تُذكر من هذه المؤسسة سوى دروس الأستاذ الفذ والراحل روحي الخماش, وزادت معرفتي بأعمال الموسيقار الشريف محي الدين حيدر من خلال زميلي الأستاذ سالم عبد الكريم) .
غادر العراق عام 1979 نتيجة لتوتر الجو السياسي في تلك الفترة وترك الدراسة في المعهد المذكور حيث بدأ رحلته في المنفى الى أن إستقر به المطاف في فيينا/ النمسا عام 1980حيث بدأت رحلة جديدة في مسار حياته .


في المنفى

يقول الفنان عن بداية رحلته في المنفى:-
( قررت أن أبدا بدراسة الموسيقى الغربية من الصفر، فقمت باختيار آلة الجلو ، كأساس نظامي ، ولكون مؤسس مدرسة بغداد للعود كان عازفاً مجيداُ على هذهِ الآلة ، إضافة للعود ، قررت دراسة هذه الآلة لكي يتم لي التعرف على الخطوط العامة التي قادت الشريف محي الدين حيدر لاستنباط مدرسته ،
" ودراسة الموسيقى الغربية بعمر متأخر لا تأتي بثمار جيدة بعد الدراسة " ولكن للحصول على أساس منهجي ونظامي في الموسيقى عموماً ، تكون ذات فائدة جمة ، ولكون الموسيقى الغربية تعتمد أساساً على تعدد الأصوات فلا بد والحالة هذه من دراسة ، آلة كاملة ، هارمونية ، كالبيانو مثلاً .
لذا وبشكل موازي لدراستي للجلو شرعتُ بدراسة آلة البيانو , في عام 1991 استطعتُ الحصول على دبلوم في التربية الموسيقية من معهد Franz Schubert Konservatorium.)

منذُ عام 1988 تحديداً بدأ الفنان بتقديم العروض المنفردة على آلة العود محاولا التواصل في إبراز مدرسة بغداد للعود عزفاً وكذلك من خلال المداخلات التي تسبق العزف المنفرد ، ( ومن خلال مراجعتي لإعمال من سبقني في هذه المدرسة ، تكونت لدي ، رؤية واضحة ومحددة لفلسفة هذه المدرسة ، التي تمثل لقاءاً فريداً من نوعه لروافد مختلفة قام بها الموسيقار الشريف محي حيدر بن على ، بصهرها في بودقة واحدة حملت أسم مدرسة بغداد للعود.
تمخضت هذه الرؤيا بأول عمل منفرد لي سجل على قرص مدمج عام 2003 وحمل اسم مناجاة. كما وتسنى لي تقديم العروض المنفردة إضافة للنمسا في دول أخرى ( إنكلترا, بلجيكا, ألمانيا, ايطاليا في إطار مهرجان Festival Vis Musicae. , تونس في إطار مهرجان المدينة وكذلك في سمرقند/ اوزبكستان في إطار مهرجان الشرق).
في عام 1995 تمت لي المشاركة في أول عمل مشترك للفنانين المهاجرين في فيينا تحت أسم (World Music in 3/4) وتمخض عن هذه المشاركة قرص مدمج حمل نفس عنوان المشروع .
من عام 1989-1996 عضو فاعل في فرقة „Aras & Gülay“ نشاطات وعروض مختلفة في إطار هذه الفرقة داخل النمسا وخارجها. كذلك مجموعة من التسجيلات
منذُ عام 1995 أعمال مشتركة مع الفنانة الإيرانية ( Jooya Zohreh) في إطار الحفلات داخل النمسا وخارجها كذلك تسجيل مشترك حمل أسم ( Persian Night
كما كانت لدية مشاركة مع الموسيقى والغناء الصوفي مع الفنان التركي(رحمي أوروج كفنج) ونتج عن هذه المشاركة تسجيل( قرص مدمج) عن دار الإذاعة النمساوية حمل اسم أنغام صوفية شافية .)


منذ عام 2003 نشاط مشترك مع فرقة ( Thilges 3) الفيناويية للموسيقى الالكترونية ، وهذه محاولة جديدة لإدخال آلة العود تحت مؤثرات صوتية إلكترونية ، لإظهار قدرات آلة العود على الانسجام و كذلك استخدام المقامات العربية ذات الأبعاد النصفية في هذا المشروع .
الى جانب عمله في الموسيقى ، يعمل الفنان عاصم ، مدرساً ، لآلة العود منذ العام 1984 في عدة مؤسسات تربوية ومدارس خاصة وشعبية ، وكذلك في معهد التطبيب الموسيقي للشعوب وأكاديمية الطب الشامل منذ العام 1998 .
وللفنان آراءه الخاصة في هــذا المجال حيث يرى أن للموسيقى شأن آخر يختلف تماما عما هو سائد وشائع ويقول :-

(إن فن الموسيقى ( أين ما كان) في وسط ثقافي منفتح ( كما هو الحال هنا في أوربا ) يلعب النقد الفني دور أساسي ومهم ، في هذا الوسط لتقييم الأعمال الموسيقية الَمنتجة ، وغربلتها ، بشكل علمي وفني وبعيد عن روح التبجيل والمحاباة (وهذا شأن ما هو موجود في عالمنا العربي للأسف ).
يستلزم منا الحذر والحيطة في العمل الفني الَمنتج، لذا كنتُ دائما مُتردد ( ولم أزل ) في إظهار نفسي وأعمالي للجمهور. إضافة للدراسة الموسيقية والتي بذلت جهداً ، ووقتاً ليس بالقليل ، وبدون هكذا دراسة منهجية يصبح الفنان ( في تقديري ) أمياً .
وعن مدرسة بغداد لـلـعـود يقول :- أن ماحل بهذه المدرسة العريقة وسائر( الفنون بشكل عام ) ما حل بها خلال سنوات الحكم الفاشي في العراق ، أفرزت هذه المدرسة ظواهر غريبة عنها مثال ذلك:

1. الاهتمام بالجانب التقني كغاية وليس كوسيلة لتحقيق الفكرة الموسيقية, لذا ظهرت حالة الفنان المهتم بالقدرة الاستعراضية على خشبة المسرح , وعندما يكون هاجس الموسيقي المؤدي الاستعراض فقط لإثارة جمهور الكتاب ( ولا يوجد في عالمنا العربي تقاليد راسخة للنقد الموسيقي كما هو الحال في أوربا) والمشاهدين , تصبح مهمة الفنان المؤدي غير أمينة وناقصة أخلاقياً.
2. السطحية والابتذال في الأعمال الموسيقية المنتجة كنتيجة حتمية للواقع المتخلف والمبتذل للوسط الثقافي المسيطر على الواقع الموسيقي من قبل أزلام السلطة البائدة , لذا أنتجت لنا أعمال ركيكة فنياً همها كسب الجمهور بأي شكل كان وذلك عن طريق تقليد أصوات الطبيعة أو الحيوانات أو ما شاكل ذلك . إن القيمة الجمالية السامية للموسيقى لا تتحقق باستخدام هكذا أساليب ساذجة وسطحية.

هـذا هـو الفنان عاصم الجلبي الذي يعيش في المنفى مايقارب الثلثة عقود من الزمن وكان ابتعاده عن الوطن ، والأهــل ، وواقع الغربة المثقل بالصعوبات ، عوامل قد أثؤت في مسيرته ، الفنيه ولكنه سععى وبجهد ، خارق ان يكون اسما ، إضافة الى اكتسابه الخبرة الغير عادية عن موسيقى الشعوب وابراز ، على الأقل موسيقانا ، على خارطة الأمم .. تحية لهذا الفنان ونتمنى له كل التوفيق في مسيرته الفنية .. وأن يحتضنه العراق ..... كسائر أغلب الطاقات الفنية والمبدعة في منفانا ... العجيب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا