الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -رواية-18-

خالد الصلعي

2015 / 5 / 13
الادب والفن


مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا-رواية-18-
*****************************
أصبحت منطقة ساحة تافيلالت منطقة مستباحة للجناكا ، ولكل حثالات المجتمع المتعاطية لجميع أنواع المخدرات . ما ان يرخي الليل بكلكله حتى يأخذ بعضهم مكانه على جانب حائط الخزينة العامة للمملكة . ومع مرور الوقت اصبحوا ينتشرون على جنبات حيطان الحي ، ثم انتقلوا الى ادراج النافورة . يفترشون الكارتون ، ويلتحفون كل أشكال القماش من بطانية الى قطع قماشية كبيرة يطلقونها فوق أجسادهم ويسافرون في أحلامهم المظلمة .
هل يحلمون مثل باقي الناس ؟ . هل بقي لهم ما يحلمون به ؟ . مثلا هل يمكنهم أن يحلموا وهم يشترون لباسا نظيفا ، ويتسوقون بعض الفاكهة الطازجة لبيوتهم ، ويستقلون سيارة جديدة ؟ . هل يمكن ان تباغتهم ، بالنسبة للذكور صورة فتاة جميلة يجري وراءها في غابة "الميريكان " أو على شاطئ البحر ؟ . وبالنسبة للفتيات هل بامكانهن ان يحلمن بفتى الأحلام وبفارس الأحلام وبقبلة حارة على شفاه محروقة وباردة ؟ .
ضاع كل شيئ . احترقت كل أغصان الشجرة . جفت المياه .
انهم مجرد جلد على عظم . آلات متحركة . رحلت عنها روحها ، تتنفس من أجل قضاء ما تبقى لها من عمر افتراضي . مثلهم مثل هذه الالات الافتراضية التي اخترعها الانسان .
الانسان !!!!! انه حلم ساكنة بني مكادة . سكان بني مكادة يحلمون اليوم برؤية انسان والنظر الى سحنته الطبيعية ، انهم متشوقون اليوم الى مشاهدة كائن يطلقون عليه صفة الانسان . يحلم ، يعشق ، يكد ، يجتهد ، يشارك في البناء في الضحك ، في الابتسامة ، في المشي في الطرقات على هدى وبصيرة .
لاسيئ من هذا . حتى أولئك الذين يكافحون من أجل الحفاظ على ما تبقى من انسانيتهم يخفقون في البقاء في فلك الانسانية . فهم كسنابل المزارع النائية التي يجتاحها الجراد فيهلك كل حباتها ، ولا يبقي الا على سيقان تشهد أنها كانت تحمل ذات زمن فوقها حبات زرع .
أصبح للمنطقة رائحتها المميزة . في الغرب في مثل هذه الأحياء الهائلة لا يشم الفرد الا روائح عطرة وطيبة ، فهو فضاء اجتماعي مشترك ، وكل فضاء اجتماعي مشترك يتكفل الجمهور بالعناية به ، بتوافق مع السلطات المنتخبة .
اما هنا فرائحة الجناكا وحدها هي المهيمنة على المنطقة . رائحة دخان ما يستعملونه ، وافرازات مسامهم ، والروائح المنبعثة من ثيابهم التي لا يغيرونها لشهور وربما لأكثر من سنة . أما تلك الميكروبات المنبعثة من بثورهم المنتشرة في مختلف أعضاء أجسادهم فهي تبعث على الغثيان .
يمتص أحدهم كيسا بلاستيكيا صغيرا وقد أفرغ فيه قليلا من مادة السيليسيون ، ثم يغطي فتحتها على أنفه وفمه ، وويستنشق بطريقة لذية غريبة ، ثم يأخذ نفسا طويلا من سيجارة بيده . يقترب منه عبد الواحد ، اكبر شمام للسيلسيون بالمنطقة ، يطلب منه أن يفرغ له بعض السيلسيون على رقعة قماش لا تفارق يديه . ثم يطلب منه بعد ذلك نفَسا من السيجارة . يترنحان وسط الشارع كشخصين عاديين ، او هما بمكان منعزل . المكان غاص بالناس . لا احد يكترث . المشهد طبيعي جدا . تخرج ليلى . تلك الفتاة التي كان يتصارع عليها شباب الحانات أيام جمالها الأخاذ من ممر الخزينة العامة للملكة ، حافية القدمين ، بشعر كث منثور ، ووجه ذابل يحمل ندبة ضربة سكين ، عيناها شبه نائمتين . ربما هي تتجه نحو مطعم "با العياشي " ليمنحها قليلا من الأكل .
الركح يتسع ويضيق . وجميع اشكال الجناكا والمنحرفين يقدمون الى هذه المنطقة . لقد صارت كعبتهم التي يحجونها يوما عن يوم . الحجاج يتكاثرون ، وجوه جديدة تلتحق بالركب في كل حين . يترنحون ، يميلون ، يسقطون ، يعربدون ، يُضربون ، يُشتمون ، يهانون ، يُسرقون . لكنهم يعودون . ساحة تافيلالت صارت محج وموطن المنحرفين ، حتى وزارة المالية أخلت بنايتها من موظفيها ورحّلتهم لمنطقة الحي الجديد من اجل عيون الجناكا المنحرفين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو