الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات مقموعة ..عن النكبة .مُهداة لأرواح ابي وأمي ، أخي وأُختي الذين لم يعودوا على قيد الحياة .

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2015 / 5 / 13
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


ذكريات مقموعة ..عن النكبة .
مُهداة لأرواح ابي وأمي ، أخي وأُختي الذين لم يعودوا على قيد الحياة .
"إنها ليست ذكريات بالمعنى التقليدي ، فهي شذرات مِمّا سمعته من أبي ، أخي وأختي ، وإنما أسجل هذا النزر اليسير تخليدا لذكراهم وذكرى أمي التي لم يُسعفني حظي بالسماع منها .."
جّدِّي كان جمّالاً ، أي يمتلك مجموعة من الجِمال التي كان يستخدمها "كشاحنات " نقل .. ومن ضمن أعمال جدّي ، كانت التجارة مع البلدان البعيدة مثل قطاع غزة ،سيناء وصولا الى مصر .
كان يُتاجر بكل شيء .. الفحم ، الأقمشة ، الغِلال والمواشي ..كانت قافلة جماله تجوب الفيافي والقفار لتحُطّ في القرى ، النجوع والمدن ، تقدم إليها مُحملة وتتركها محملة أيضاً .عمي البكر ، كان اليد اليُمنى لجدي ، لكنه لاقى حتفه في سنٍ صغيرة ، تاركا خلفهُ ولدين ذكرين وارملة شابة شقراء .. إبنة عمه ..!!
أبي الذي كان طالبا نجيبا ، وكانت خطة جدي لهُ ، أن يدرس في الأزهر الشريف حين يشتدُ عوده .. وبما أن أعلى الصفوف الدراسية في قريتنا المُهجرة ، كان الصف الرابع الإبتدائي ، فقد "قرأهُ " أبي ثلاث مرات في انتظار ان يكبر قليلا ليُسافر الى الأزهر ..
وفاة عمي لخبطت كل الخطط ...وأصبح والدي المساعد الأول لجدي في تجارته .. أكتسب سريعا مهارات في التفاوض (على الأسعار ) ، مهارات في التسويق ، مهارات في إهتبال الفُرص ، معرفة البلاد بأهليها ، في بناء علاقات إنسانية مع الجميع وأجاد مهارة التواصل .. لقد كان مُحدثا لبقا .
لطالما حلّ ضيفا على بيوت الآخرين حينما كان يجوب البلاد في تجارته المتنوعة .. وبالمقابل استقبل في بيت العائلة أو المضافة أعدادا كبيرة من الضيوف ..
قريتنا كانت وما زالت على منطقة هضاب بالقرب من حيفا ،فالتجارة مع الشمال او مع الجنوب تستغرق ساعات طويلة ، وقد تصل الى ايام ... يغيب فيها عن زوجته (أُمي ) واولاده ..سعيا وراء الرزق ..!!
كانت لهُ تجارة ، بيت ، زوجة واولاد . لقد كان في معايير تلك الفترة من الأغنياء ..
وعندما علا صوت المدافع واقترب من قريتنا ، وضع على الجملين فراشا وطعاما وفي "خُرجِ" الحمار ما خف وزنه ، وركبَ الحمار بعد ان امتطت والدتي ظهر البعير وفي حضنها اخي الرضيع وأخواي الآخران (أخ وأخت ) غادرا على ظهر الجمل الآخر .
لم ينتبهوا إلى غياب أحمد ، الذي كان عائدا من زيارة الى بيت خالتي ليلعب مع اولادها ..
وصل احمد الى البيت ، لكن لا أحد ... سار هائما على وجهه مُنتحبا مُجهشا بالبكاء ، مرّت عليه ساعة كأنها الدهر ، ليلتقي بعدها بأبي الذي عاد للبحثِ عنه ..!!
حينما كان يتذكر ابي هذه اللحظات ، كان يتذكر معها الكلب ..
وكعادة العوائل التي تقتني الماشية ، كان لنا كلبٌ ، فرد من افراد الأسرة ...
أراد أبي ان يصطحب الكلب في طريق الهجرة ، لكن الكلب رفض المغادرة وتمسك بالبيت وبداره .. كانت جملة ابي المفضلة حينها : "لقد اثبت الكلب بأنه أذكى واعقل منا جميعا ، رفض المغادرة ومات في بيته وأرضه ... "..!!
أخي الأكبر والذي كان قليل الكلام ، حينما كان يستذكر تلك اللحظات ، كان يتغير مزاجه ، فقد ضاع عن أهله ، ونام تحت الأشجار في العراء ، ونام تحت خيمة من الخيش ..
كان يتذكر الليالي التي قضوها تحت المطر وتحت رحمة السماء من فوقهم ورحمة الارض الطينية من تحتهم ..
عاشوا سنة متنقلين من قرية الى أخرى ...
وبعد إتفاقية رودس سكنوا في بلدنا الحالي ، وهذه المرّة بعد أن استأجر والدي بيتا من الطين ، فأصبح لهم سقفٌ ينامون تحته وبيت يأويهم في الصيف والشتاء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الغالي قاسم حسن محاجنة المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 5 / 13 - 21:48 )
لهم جميعاً و من مر بنفس الظروف الذكر الطيب و الراحة الابدية
و لكم العزة و الفخر
مؤلمة لكنها تاريخ ينفع ذكره في كل حين
احسنت في اختصارها بكلمات عميقة عمق الالم
و احسنت في قولها لنا
دمتم بتمام العافية
تحية لمن كان من تلك الام و ذلك الاب


2 - الاخ العزيز عبد الرضا المحترم
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 5 / 14 - 12:18 )
تحية عطرة
النكبة هي نكبة الافراد ،أولا وهؤلاء الافراد هم غالبية الشعب الفلسطيني
لكن لكل نكبته الخاصة التي تختلف وتتشابه مع النكبات الفردية الأخرى .

وأبناء الجيل الثاني _امثالي - تختلف نكبتهم من فرد لاخر
خالص مودتي

اخر الافلام

.. أوراق الجوافة..كيف تحضر مشروبًا مثاليًا لمحاربة السعال والته


.. دراسة: مكملات الميلاتونين قد تمنع الإصابة بحالة الضمور البقع




.. في اليوم الـ275.. مقتل 20 فلسطينيا بغارات على غزة| #الظهيرة


.. ترقب داخل فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التشريعية




.. اقتراح التهدئة.. تنازلات من حركة حماس وضغوط على بنيامين نتني