الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدرن واشياء اخرى (الحلقة الثالثة)

رافد علاء الخزاعي

2015 / 5 / 13
كتابات ساخرة


التدرن واشياء اخرى (الحلقة الثالثة)
التدرن يشكل عبر التاريخ ثالوث مع الفقر والجهل في تعرية الحضارة الانسانية ولكن عندما يصاب المثقف او الشاعر بالتدرن تلك كارثة فكم طبيبا ساهم في علاج التدرن اصيب بالمرض وهذه كارثة المثقفين في مجتمعات العالم الثالث لانهم محملون بامراض مجتمعاتهم في خلفياتهم الاثنية والفكرية مثل اسوار تحيط اقلامهم واقفاص تحيط تفكيرهم لايستطيعون الخلاص منها وهكذا هم يعيشون ازدواج الشخصية وهذا الشاعر بدر شاكر السياب الشاعر الحالم بالتحرر من اسوار الشعر وقوانينه وبحوره نحو الشعر الحر يكتب معانته من امراضه المتعددة التدرن وسرطان المثانة نتيجة اصابته بلبلهارسيا الدموية التي كانت تفتك بفلاحي الرز العنبر وهم يقدمون نتاجهم للاقطاع .
ان داء البلهارسيات (schistosomiasis أو bilharziasis) أو داء المنشقات (كما تسمى خطأً بلهارسيا، وهو اسم الطفيلي المسببب) مرض طفيلي سببه ديدان البلهارسية يصيب العديد من الناس في الدول النامية. لا يعد داء البلهارسيات مرضاً مميتاً، إلا أنه يؤدي إلى سرعة استهلاك جسد المصاب. سميت بهذا الاسم نسبة إلى تيودور بلهارس حيث أنه اكتشف سبب الإصابة بالبلهارسية البولية سنة 1851 م. توجد 5 أنواع مختلفة من الديدان التي تؤدي للإصابة بالمرض.

تعيش البلهارسية إذا صادفت عائلاً وسيطاً ألا هو نوع من أنواع قواقع الديدان العذبة وإلا فهي تموت ولا تشكل خطراً.
والبلهارسية في العراق هي البلهارسية الدموية التي تصيب المثانة والمسالك البولية وهي تنتقل عبر الاقدام العارية والحافية وهي تغوص في مزراع الرز وتختلف عن البلهارسية المصرية الكبدية التي اصيب بها الفنان عبد الحليم حافظ وسببت له ارتفاع ضغط الدم الكبدي البوابي ومسببة له له دوالي المريء النازفة ورغم ورود اكثر من اربعة ملايين مصري للعراق في ثمانينات القرن الماضي ومليون مصاب بهذا المرض منهم ولكن ولا عراقي اصيب بهذا المرض لعدم وجود العائل الوسيط الحاضن وهذا يعطينا صورة عن انتشار الارهاب في العراق بسبب وجود العوائل الوسطية والحاضنة لهذا المرض الذي استشرى في وسط وغرب العراق مفتكا باهله مهجرا لهم وجعلهم تحت طائلة الدولة والقانون.
نعود لشاعرنا الكبير بدر شاكر السياب الشاعر عراقي الذي ولد عام 1946وتوفى في 1964م بعد أن أصيب بمرض السل والبهارسيا وسرطان المثانة وهو في عز شبابه وتوفي في الكويت.
ولقد أقلقه السعال المزعج وأخافه نزول الدم في البلغم، وضيق التنفس جعله يشعر بقرب أجله، فكتب قصيدة (رئة تتمزق عام 1948) يصف معاناته مع مرض السل:
رئة تتمزق
الداء يثلج راحتي، ويطفيء الغد . في خيالي
ويشل أنفاســـي ويطلقـــها كأنفــاس الذبـــال
تهتز في رئتين يرقص فيهمــا شبح الزوال
مشدودتين إلى ظـــلام القبر بالدّم والســــعال
**
يا للنهاية حين تسدل هذه الرئة الأكيل
بين السعال على الدماء فيختم الفصل الطويل
والحفرة السوداء تفغر بانطفاء النور فاها
إني أخاف أخاف من شبح تخبئه الفصول !!
نعم انه السل او التدرن الذي احد اعراضه المرضية هو النفثث او السعال الدموي وان رؤية الدم يخرج من الفم مرعب للمريض وذويه ويجعلهم يعيشون الخوف والاقتراب من الموت المحتوم ولكن بوجود الطب والدواء الحديث والتزام المريض بالتغذية الصحيحة واخذ العلاج يعطي فرصة جيدة للشفاء من هذه الثيمة اعطت للسل ثيمة او وصمة اجتماعية مخجلة للمريض وهو الخوف منه والابتعاد عنه ومقاطعته وفي بعض الاحيان مقاطعة عائلته خوفا من شبح العدوى وتخبئة الفصول كما اطلق عليها شاعرنا السياب
كثيرا وانا في خدمتي العسكرية صادفتني حالات لشباب يشكون من ضيق النفس المفاجى وبعد الفحص السريري والشعاعي نشخصهم بانثقاب الرئة والاحتباس الهوائي الجنبي وهم بحاجة الى علاج سريع عبر انبوبة الصدر والبدء بتشخيصهم كمصابين بالتدرن اي 98% من حالات انثقاب الرئة سببه التدرن السل والبدء بالعلاج وفي بعض الاحيان نعتمد على التشخيص السريري في الحالات الحرجة التي يصار معها انكماش الرئة في غياب اجهزة الاشعة وبعد المستشفيات الساندة ونتبدع انبوبة الصدر مما متوفر لدينا من اجل انقاذ المريض.
ان الأعراض الكلاسيكية لعدوى السل النشط هي السعال المزمن مع البلغم المترافق بـ المشوب بالدم ، والحمى، التعرق الليلي و فقدان الوزن (وهذا الأخير هو الذي يبرر اطلاق تسمية "ضموري" التي كانت سائدة ومتداولة سابقا على هذا المرض).تؤدي إصابة الأجهزة الأخرى إلى مجموعة واسعة من الأعراض. يعتمد التشخيص للإصابة بالسل النشط على الأشعة (عادة فحص الصدر بالأشعة السينية )، بالإضافة إلى الفحص المجهري والمزرعة الميكروبيولوجية لسوائل الجسم.يعتمد تشخيص حالات السل الخافي على اختبار السل الجلدي و / أو اختبارات الدم. العلاج صعب ويتطلب إعطاء مضادات حيوية متعددة على مدى فترة زمنية طويلة.كما يجب فحص المخالطين الاجتماعيين وعلاجهم إذا دعت الضرورة. مقاومة المضادات الحيوية تمثل مشكلة متزايدة في حالات الإصابة بعدوى السل المقاوم للأدوية المتعددة (MDR-TB).تعتمد الوقاية على برامج الفحص والتطعيم بواسطة لقاح عصية كالميت - غيران .
ان التطور الحاصل لتقنية البي سي ار PCR في تحديد البصمة الوراثية لبكتريا السل في افرازات الجسم ساهم في التشخيص السريع للحالات واعطائهم العلاج الناجع تحت المراقبة ان وجود المضادات العلاجية للسل وتوزيعها مجاننا ساهم في تقويض المرض ولكن لازالنا بحاجة الى منظمات مجتمع مدني فعالة تساند وتراقب المريض اثناء العالج والاهتمام به وبتغذيته ان تفنن معامل الادوية في جعل الادوية الرباعية في اربع حبات يطلق عليها المرضى والعاملين في هذا المجال طابوكة (طابوقة) لكبر حجم الحبة واخذها قبل الفطور وهي فيها مادة الريفادين الذي يصبغ الادرار (البول) احمر يجعل المريض يشعر انه مراقب عن اخذ العلاج من عينات الادرار ان الفترة الطويلة للعلاج وهي ستة اشهر مهمة للمريض وخصوصا من خلال التاكد ان المريض غير معدي للاخرين عن طريق البصاق لان عصيات كوخ تعيش عشرة ايام خارج الجسم في الاماكن المظلمة والرطبة وثلاثة ايام في الاماكن المشمسة ولذلك انتبه السومريين والفراعنة منذ القدم في تشميس مرضى التدرن وبناء المنازل والشبابيك بصورة متعامدة مع محور الشمس كما في مدينة الطب في بغداد لكي تكون الشمس ساطعة الانارة ومعقمة في ان واحد وهذا يفسر بقاء توطن المرض في احياء بغداد القديمة مثل الصدرية في الرصافة ومحلة الذهب والمحلات القديمة الاخرى في الكرخ لعدم وجود تشميس وتهوية كافية للمنازل الضيقة المتلاصقة.
ان السل لازال مرضا متوطنا في العراق رغم خلو العراق من الايدز بسبب الجهل الصحي والبصمة الاجتماعية للمرض وغياب الموسسات الفعالة في شراكة الاممم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية في تقويض والقضاء على المرض في العراق.
انه مرض السجون والمساجين والطوامير وبسبب الظروف الامنية والخوف من هروب السجناء تبنى السجناء معدومة التهوية والانارة ويعاقب السجناء اغلب الاحيان بالمنع من التشميس ولما مر على العراق من ظروف وتغيرات سياسية كثيرة يكتب المرحوم عزت مصطفى وزير الصحة السابق في احدى احاديثه ان الرئيس المخلوع صدام حسين كان وقتها نائبا لرئيس الجمهورية اتصل بمدير مستشفى التويثة المخصص لمرضى التدرن في جسر ديالى والذين نهب عن بكرة ابيه بعد الاحتلال وساكتب عنه مقالة مخصصة له فقط ليجلب عشرة مرضى معندين للعلاج يقول مدير المستشفى انذاك فرحت كثيرا لان السيد النائب طلب حضورهم وسوف يرسلهم لاحدى مشافي باريس او لندن لغرض علاجهم ولكن المضحك المبكي شاهد عشرون شخصا معصوبين العيون وفاغرين افواههم وطلب من المرضى البصق في افواه هولاء السجناء انها طريقة يندى لها الجبين وهو نوع من العذابات غير مبتكر سابقا الا في زمن الرومان وللحديث بقية.
الدكتور رافد علاء الخزاعي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تنويه
زرقاء العراق ( 2015 / 5 / 13 - 14:10 )
الدكتور رافد الخزاعي المحترم
شكراً لمقالاتك الشيقة ولكني اردت التنويه فقط على نقطتين جاءت في المقال
جاء في المقال بأن الشاعر بدر شاكر السياب ولد عام 1946 والصحيح بأنه ولد في عام 1926 وتوفي عندما كان في 37 من العمر
والنقطة الثانية عن ما ذكرته من طلب صدام 10 مرضى بالسل ليبصقوا في فم سجناء آخرين هو صحيح , ولكن هذه الطريقة كانت احد ابتكارات ناظم كزار مدير الأمن العام
لقد كان ناظم كزار يتفنن ويبتكر اغرب انواع التعذيب ومنها منع السجناء عن التبول بعد شدّ اعضائهم بصورة محكمة واجبارهم على شرب عدّة زجاجات من “البيره
وكان ناظم كزار يستخدم اساليب لا تخطر على بال , من بينها استخدام مطارق الحديد الثقيلة في تكسير وتهشيم عظام المعتقلين , وكان اول من جلب احواض (الاسيد) الى مبنى قصر النهاية لاذابة اجساد المعتقلين كما كان اول من استورد آلات تقطيع الاطراف من المانيا الشرقية
هذه الوسائل والممارسات دفعت بأحمد حسن البكر وصدام حسين الى ترقيته الى رتبه لواء كذلك ترقيته الى منصب رفيع في الحزب


2 - شكرا زرقاء العراق
الدكتور رافد علاء الخزاعي ( 2015 / 5 / 13 - 16:55 )
الاخت زرقاء العراق شكرا للتصويب وبتصويبكم تثرى ثقافتنا ومقالاتنا ومرة اخرى شكرا جزيلا


3 - الاستاذ رافد المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 5 / 13 - 22:08 )
تحية طيبة
اعتقد ان موضوع التويثة ورد في كتاب المنظمة السرية / حسن العلوي
و ان صاحب الفكرة هو عبد الكريم الشيخلي الذي كان طالب طب
اكرر التحية


4 - الاستاذ الطبيب المحترم
ديار ( 2015 / 5 / 13 - 23:05 )
تحية لشروحاتك الجميلة وكانما هي وصفات علاجية ..اود القول ان العراق اعلن بشكل رسمي عن طريق بيان من وزارة الصحة العراقية بعد منتصف السبعينات خلّو العراق من مرض التدرن وتم اغلاق جميع المستشفيات التى كانت تسمى ب ( مستشفى الامراض الصدرية ) في كل محافظة وتم ارسال المرضى الباقين الى مساكنهم بعد ان زودوا بالعلاج التي سيتناولونها باشراف عوائلهم لان لمرض الخارجين ليس فيهم خطر نقل العدوى وانهم في طريق الشفاء من 6 اشهر لغاية سنة فهل عاد المرض مجددا الى العراق ؟.. ولكن طالما العلاج متيسر ومضمون فلا اعتقد هنالك خوف من انتشار المرض ..واود الاشارة الى تعليق السيدة زرقاء العراق بشكل مختصر بان ناظم كزار انتهى في تموز 1973 ولكن لازال البعض يرمون عليه كل الجرائم التي حصلت بعد موته يعنى هل كان الوضع امينا بعد غياب كزار ولا توجد اعدامات واغتيالات وخطف واعتقالات ؟! اذن مالذي كان يفعله صدام وبرزان وعبد الكريم الشيخلي اما قصص المكائن فلم يؤيد اي مصدر وجود تلك الاجهزة فالحاكمية ولدت بعد كزار فلماذا لا تتحدثون عنها( حاكمية المخابرات ) ..مع الشكر مجددا للدكتور الكريم رافد المحترم..


5 - الاخ الغالي استاذ ديار المحترم
الدكتور رافد علاء الخزاعي ( 2015 / 5 / 14 - 15:27 )
شكرا لمداخلتكم ولاطرائكم ولكننا نرى الان عودة وارتفاع في نسبة الاصابة بالتدرن في العراق وحسب الاحصائيات الرسمية والرصد عن طريق المراجعين والعيادات وهنالك وجود حالات معندة للعلاج اما بخصوص مستشفى الامراض الصدرية التويثة لم يغلق وانما نهب ودمر بعد احتلال العراق 2003 وهنالك بيروقراطية في اعادة تعميره رغم وجود الاموال المرصودة له ومرة اخرى اود ان اشكركم من جديد على تصويبكم واثرائكم للموضوع

اخر الافلام

.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية


.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي




.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز