الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا هو قضاء الطبقة وهذه هي عدالتها - مقال

اليسار الثوري في مصر

2015 / 5 / 14
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


شمس مختار

“ابن الزبال ما يدخلش القضاء“، هكذا صرح وزير العدل المصري، وهو أحد القضاة الذي تم اختياره ليكون علي رأس الجهاز الحكومي المسئول عن شئون المحاكم بالإضافة إلى الاختصاصات والسلطات الإدارية والرقابية علي القضاة بالتشارك مع مجلس القضاء الأعلى الممثل للسلطة القضائية، أي إنه شخص ذو وزن كبير في الدوائر القضائية العليا، إبن خالص للطبقة من صلب مصالحها حامل لمفاهيمها، وإلا لما تم اختياره في هذا المنصب الهام.

أثار تصريح الوزير موجات غضب اجتاحت دوائر عديدة من المجتمع، وعلى الأخص مجموعات الشباب، واشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي، وتفاعلت مواقع الأخبار المصرية بسرعة مع الخبر ومع ردود الأفعال التي فجرت، إن التصريح فج ووقح لدرجة تثير الاستياء بهذا الشكل الواسع، فانهمرت الكتابات والأصوات التي اشتعلت غضباً كما ظهر منها. هذه الوقاحة التي تحدث بها هذا الوزير لم يحتملها رجال السلطة من الإعلاميين، مهندسي التبرير السفسطائي. فمن الصعوبة ترقيع مثل هذه الصفاقة. وعلى الفور قدم النظام علي إقالة الوزير لتنطلق جوقة التهليل الإعلامي في التلميع الشديد لوجه النظام بشكل عام والجنرال على الأخص، فجاءت محاولتهم لقلب تلك الإشارة إلى الطبيعة الطبقية للنظام إلى التسبيح بحمده بباقة بطولات زائفة علي حساب إقالة الوزير المخطئ الذي “لم يمسك لسانه” بحسب تعبير أحد قادة جوقة التهليل، ليبدو الأمر مجرد وقاحة أو سفالة شخص ولا علاقة للنظام بهذا السلوك الشخصي.

إن فهم الأمر علي أنه مجرد تصرف شخص وقح، كما أتى من قطاع كبير من الغاضبين من أوساط الجماهير ومن الشباب، يشكل ضبابية حادة في رؤية واقع النظام الطبقي القائم علي الفوارق الاجتماعية والاقتصادية واحتكار السلطة والثروة في يد طبقة الأقلية العليا التي يمثلها هذا الوزير، فقد تناول الغاضبون الأمر باستياء وسباب لسفالة الوزير واستعجاب شديد من تلفظه بهذه العبارات وكأنه مجرد موظف وقع في زلة لسان. وكأن كل الوزراء والحكومة مجرد “موظفين“، يفترض فيهم في الحالة المثالية أن ينفذوا القواعد والقوانين، وأن يحققوا العدل. لقد عمت فرحة بين جموع من الغاضبين لخبر إقالة الوزير الذي أخطأ بسبب وقاحته!! نعم الوزير وقح لكن هل انتهي الأمر؟

إن اعتبار الوزراء والحكومات والرؤساء مجرد “موظفين” هو الزيف البورجوازي الذي تشبعت به ذهنية المجتمع، لصرف وعي الجماهير عن واقع الانقسام الطبقي للمجتمع، هذا الانقسام الذي ترعاه وتحميه الدولة، عبر “موظفيها” وعبر قوانينها ولوائحها، بل وعبر “عدالتها” ذاتها.

إن هذا التصريح الوقح ليس مجرد رأي شخصي أو زلة لسان للوزير القاضي، إنما هو إفصاح لسانه عما تتشكل به عقيدته وذهنيته الطبقية، وعن – وهذا هو الأهم – واقع رؤية الدولة بأجنحتها لهذه الفوارق الاجتماعية. ففئة القضاء هم أهم أذرع الطبقة الحاكمة في تمرير مصالحها وترسيخ قواعد حكمها ومنحه المشروعية. قد نسجت هالات بورجوازية مقدسة حول القضاء فهو “ساحة الحق ومحراب العدل“، الذي يتسربل بأثواب القداسة عند الفصل في النزاعات دون ميل أو انجذاب إلا للحق. هذه المفاهيم البراقة المهيبة تنسحب علي أشخاص القضاة، فهم أشرف الناس وأرفع أجنحة هذه السلطة الطاهرة. والسلطة تعلن أن ضمانة تطبيق هذه المفاهيم الفخيمة هي الرقابة التي يتولاها جهاز التفتيش القضائي بوزارة العدل، أي أحد عناصر السلطة التنفيذية، التي يرأسها أشباه الوزير.

إلا أن الماركسية تعلمنا أن ننفض الغلاف البراق لشعارات البورجوازية ونتجاوزها لأغوار الواقع، ليس القضاة أناس ذوي طبيعة مقدسة نورانية أو نبوية، إنهم خاضعون للقوانين التي تحكم كل الجماعات البشرية وفق أوضاعها وظروفها المادية والتاريخية. فوضعه الطبقي، دوره في البناء الطبقي لهذا المجتمع، هو الذي يحكم كيف تشكلت ذهنية القاضي، وما هي دوائر انتماءاته التي يتحرك فيها، وما هي تطلعاته الشخصية. وهنا لا يفوتنا أن نشير أيضاً إلى تحركات النظام بتطعيم القضاء برجاله المباشرين، عن طريق تعين ضباط شرطة قضاة.

والواقع يخبرنا أنه يوجد قضاة انتهازيون ووصوليون، ون لهم أطماع مالية وسلطوية، فالأخبار تنقل لنا وقائع فساد مالي تورط فيها قضاة علي درجات عالية، بل أن منهم – على سبيل المثال – من شكلوا شبكة نصب واحتيال علي مواطنين في تعاملات مالية، بعرض أراضي مقسمة للبيع، مستغلين صفاتهم القضائية ومن خلال ناديهم القضائي بأحد مراكز المنصورة ومستخدمين مقراته لبث الاطمئنان لدي الجمهور، وكان لصفتهم القضائية دور قوي في تمرير حيلتهم بين الجماهير المقتنعة بتلك المفاهيم البورجوازية عن طهارة القضاء، الأمر الذي أوجد مانع أدبي وقيد علي المتعاملين معهم من التحقق من ملكية هؤلاء القضاة للأراضي المعروضة للبيع لينتهي الأمر بضياع أموال المشترين، ولم يتم فتح التحقيق في هذا الملف ويخرج للرأي العام إلا بسبب وقوع التعامل علي أراضٍ تخص الدولة والجيش مما شكل جريمة أموال عامة، ولكثرة عدد الضحايا المتضررين من وقائع النصب. ونشير في هذا السياق لوقائع الفساد المالي داخل جسم هذا الجهاز؛ بدءً من رشاوى المتقدمين لسلك النيابة والقضاء مع ضرورة ملاحظة أن صاحب القرار بخصوص قبول أو رفض المتقدم هو المجلس الأعلى للقضاء ممثل السلطة القضائية ذاتها، فالعضو الجديد راشٍ إن لم يكن وريث، والأعضاء الأقدم أصحاب السلطة الطاهرة مرتشون فاسدون. وهو ما يجعل تفسير قضايا الفساد المالي المتورط فيها قضاة أسهل.

أقر نظام الطبقة الحاكمة مبدأ لقبول الدخول لجناح القضاء وهو ما يعرفه كل المصريين بكشف الهيئة، وهو نموذج معد للتعرف علي الوضع الاجتماعي لأقارب المتقدم للقضاء، هذا النموذج يشمل الوالدين من حيث الشهادات الدراسية ووظائفهم ودرجاتها وأملاكهم، كذلك الإخوة والأخوات بأزواجهم وأبنائهم وما يخص دراستهم ووظائفهم، ويشمل أيضاً إخوة وأخوات الأب والأم وأزواجهم وأبنائهم بما يخص تفاصيل وظائفهم وأملاكهم، إن هذا الكشف، الذي تلحق به التحريات الأمنية، يكون وثيقة اجتماعية للقاضي تكون سند بملفه للاستخدام عند الضرورة، كل هذا لتحديد أفراد هذه الشريحة والتحكم في من يمر ومن يمنع، ووسط هذا المناخ تنعقد الصفقات بين تيارات القضاة بتوجهاتهم لتمرير من يرغبون، كالعناصر الأمنية في القضاء أو أبناء التيار الديني الذين قد يتم تمريرهم بحيل، الأمر يتوقف علي وضع العلاقة بينهم وترتيبات هذه الأجنحة والأحوال السياسية للطبقة عموماً.

إن القضاء لاعب بارز جداً في حلبة الصراع بين السلطة وحركة الجماهير، فالواقع يخبرنا عن تشكيل دوائر خاصة للتنكيل بالثورة وكبحها عن طريق العقوبات الجنائية؛ السجن والغرامة، لتخيف الشباب وكل المطالبين بالحقوق والحريات التي تهدد مصالح الطبقة الحاكمة، ولتبديد قواهم وتشتيتها، كما أنه يعد سلاح في يد الجناح الرأسمالي المسيطر علي الحكم لمواجهة خصومه من أجنحة الرأسمالية الأخرى، مثلما يحدث حالياً مع الإخوان. وتاريخياً تدخلت السلطة في سير المحاكمات كلما وجدات قضايا تهددها (أي السلطة) وهو الأمر الذي قد يستدعي تغير دوائر المحكمة أو نقل القضايا الشائكة لدوائر بعينها إن لم يكن قد تم إسنادها لها منذ البدء. كما يشهد الواقع أن القضاة فرضوا سطوتهم أثناء المحاكمات وكسروا حتى القواعد القانونية البورجوازية، فقد امتنعت هيئة المحكمة في قضية مجلس الوزراء من إثبات دفوع هيئة الدفاع وأمام إصرار الأخيرة أشهر القاضي سلاح قمعي آخر وهو سلطته في ضبط الجلسة، ليقلب الأمر ويوجه تهمة إهانة القضاء للمحامين، كما أنه يمكنه بأمر منه لأفراد الشرطة في المحكمة أن يقمع المعترضين. إذن فالقوة هي التي تحسم الصراع بين الجماهير والسلطة الطبقية، وموازين القوى هي التي تصيغ القوانين وتحكم عملية تطبيقها.

ولهذا ففي وسط هذا الواقع الطبقي الذي تتعارض فيه مصالح بين تلك الأقلية المسيطرة ومصالح الجماهير، هل ستسمح الطبقة الحاكمة بأي تغيير في موازين القوى؟ هل ستسمح الطبقة الحاكمة أن يدخل ابن الزبال للقضاء؟ هل ستسمح أن يعبر ابن هذه الطبقة الدنيا عن مصالح طبقته من خلال هذه السلطة؟ أن يواجه جبروت الرأسماليين ويمنع المشروعية القضائية عن جرائمهم؟ هل ستثق فيه حتى إن ترقى طبقياً وانسلخ عن طبقته؟

إن إقالة الوزير ليست حلاً، فبرغم إنها عبرت عن تراجع للسلطة أمام النقد الشعبي وعدم رغبتها في طرح طابعها وانحيازاتها الطبقية لمناقشة واسعة ومفتوحة بهذا الشكل، إلا أن هذه الإقالة لم تغير الواقع الطبقي في شيء. لأن قرار الإقالة لا يعني فتح الباب أمام أبناء الطبقات الكادحة لدخول القضاء أو أي من مؤسسات السلطة الأخرى المقتصرة على “السادة“. فكافة عبارات التطيب التي أطلقها النظام ليزين بها عكارته واستعلائه الطبقي لم تشمل أي قرارات أو إجراءات لتغيير الأطر القانونية لدخول للقضاء، فلم يتم إلغاء كشف الهيئة ولن يتم بمنحة من الطبقة. أيضاً – وهو الأهم – فالحل لن يكون بدخول فرد أو غيره من أبناء الطبقات الكادحة لهياكل السلطة، لأن هؤلاء سيكون مصيرهم على الأرجح الانصهار في قلب الطبقة المسيطرة والانسلاخ عن طبقتهم الأصلية، وتعزيز واقع التمييز الطبقي بدلاً من تصفيته.

الحل سيكون بالقضاء على الامتيازات الطبقية، بالقضاء على نظام الاستغلال الطبقي؛ القضاء على الدولة الرأسمالية وإقامة مجتمع بديل لا مكان للاستغلال أو الطبقات فيه، أي إقامة المجتمع الاشتراكي. وقتها يكون القضاء سلطة بيد الجماهير، بما تشمله من كل الفئات الكادحة ومنها ابن الزبال وابن العامل وابن الفلاح، ووقتها سيعبر بالضرورة عن مصالح هذه الجماهير المتعارضة مع مصالح الرأسماليين، فيتحول انحياز السلطة للجماهير التي تشكلها وتراقبها وتحاسبها، سواء في إدارة الاقتصاد والدولة أو في تشريع القوانين أو في تطبيقها، وقتها سنمتلك عدالة مختلفة عن عدالة الطبقة الحاكمة، عدالة لا طبقية وحقيقية.

كما قلنا إن موازين القوى هي التي تحسم الصراع بين الجماهير مع السلطة الطبقية وتصيغ القوانين وتحكم عملية تطبيقها، وعلينا إعداد الجماهير وتنظيمها لليوم الذي تنتزع حقوقها بيدها فيه، وتطبق بنفسها مصالحها، ولا تنتظر بطوباوية منحة هنا أو هنا من مستغليها. هذا الإعداد يتطلب بناء التنظيمات العمالية والشعبية الممثلة لمصالح الحماهير، ويتطلب أوسع تحريض وكشف لطبيعة النظام الطبقية وإنحيازاته التي ترتبط بتكوينه ومصالحه لا بصفات شخصية في وزير أو رئيس، وأخيراً يتطلب بناء الحزب الثوري الذي يوجه قواه للتحريض والدعاية بين الجماهير وتنظيمها وكسبها في قلب النضال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر


.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي




.. ”شكرا للمتظاهرين في أمريكا“.. هكذا كانت رسائل أطفال غزة للجا


.. شعارات المتظاهرين الداعمين لغزة في جامعة كاليفورنيا




.. بدر عريش الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في تصر