الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى النكبة : ولهذا ما زلنا أحياء

عبدالله عيسى

2015 / 5 / 14
الادب والفن


في ذكرى النكبة :
ولهذا مازلنا أحياء
د. عبدالله عيسى *

في الذكرى السابعة والستين على نكبتنا الكبرى ، نحن الفلسطينيين الذين خصٌنا الله منذ بدء الخليقة بأرض المحبة والسلام الإلهيين ، حيث أقام العابرون ، الخارجون من أسفارهم القديمةِ بشهوة القتلٍ المقدّس ، دولتَهم على أجساد قتلانا الذين لاتزال صورهم تروي ما قالت المجازرُ في ذاكرتنا الجمعيّة ، وعلى صرخاتِ الملحِ ، ملحِ الأرضٍِ المكلومِ ، في دمِ جرحانا المطلّ على باحة الأبدِيّةَ ، وعلى أنّاتً مشردينا ، اللذين اصطلح العالم على تسميتهم باللاجئين ، وهي تقضٌ في مخيّمات اللجوء والشتات مضاجع العواصم الكبرى بحلم عودتنا .
نروي لنذكر . ولهذا كله : مازلتا أحياء .
لم نعتب ، منذ آلاف السنين ، نحن الذين كنا نربي الماء في قاماتنا العالية ، على النهر الذي عبر بهم إلى أرضنا ، أرض اللبن والعسل ، ليسطوا على لهجةٍ من لغتنا الكنعانية الأولى يرطنون بها سِفر العهد القديم في الهواء الطازج الذي ما يزال يشبه صلة الرحم بين مدننا ، من السيدة الأولى لمدن العالم - أريحا حتى روح مدن الأرض قاطبة منذ لفظة الخلق الأولى - القدس ، حتى عاد أحفادهم ليرقصوا بأسلحة عمياء على جثث قتلانا في قرانا ، من دير ياسين حتى كفر قاسم ، ويبتروا أصابع جرحانا وأسرانا خشية أن يكتبوا بماء الحياة نشيدنا الأبديٌ في مواجهة صرخة الجندي الإسرائيلي المقنّع بوصايا ربّ جند العهد القديم : إحصدوهم .
نروي لنذكر ، ولهذا مازلتا أحياء .
ولم نشكُ صحراءنا التي دلّت نجومها علينا ، بعد أن تاهوا فيها أربعين سنة ، إلينا . نحن الذين رفعنا " إيل" درجات على آلهة الخلائق ، ليصارع يعقوب باسمه أحد الملائكة ، فينتصر به عليها ، فيسمّى اسرائيل ، حتى ارتدّ أبناؤه : بنو اسرائيل الذين ما إن دخلوا قرية في أرضنا حتى أفسدوها ، وأغلق كتبتهم وفرّيسيٌوهم المراؤون ، ملكوت السموات علينا ، ليقتنص ، من تاريخنا الموصول بالأبدية من لفظة التكوين ، لهم الرواة ومؤولو الأخبار مملكة قاتلةً للأنبياء وراجمةً للمرسلين منقسمةً على ذاتها لم يقم حجرٌ على حجرٍ بها أكثر من سبع عقودٍ ، لم تجد حنكة علماء الآثار أثراً لهم فيها
نروي لنذكر ، ولهذا ما زلنا أحياء.
ولم نَلُمْ ،جدّنا الفينيقيّ ، القادم من صلب الكنعاني الأول ، الذي علّم الأجناس ما لم تعلم من فنون صناعة السفن ، حتى أتتْ من شتاتِ الأرضِ كاملة بأحفادهم الخارجين من مراسيم الخِتان في الأسفار القديمة ، بعد سبيين وتدمير هيكلين ِ و مذبحتينِ ، ليحتلوا المكان والزمان ، مكاننا وزماننا نحن شعب هذه الأرض وسكٌانها الأصليّون ، الفلسطيننيَينِ بأجسادهم الثقيلة بأحمالٍ عسِرةَ الحمل من دماء قتلانا وأنّاتِ عذاباتنا ، وخرافتهم الزائفة القائمة على شعب بلا أرض لمحو سيرة جسدنا الأبدِيّةَ في روح الأرض المقدسّة التي لا تدّل على سوانا في روايتها ، المفتوحة على السلام والحب الإلهيين .
نروي لنذكر ، ولهذا ما زلنا أحياء تماماً .
جاؤوا من بحار الأرض جميعاً ، بألوان وألسنة وروائح مختلفة ، متكئين على عين عطف بريطانيا العظمى ، بوعد رئيس وزرائها بلفور المشؤوم عام 1917 بناء وطن قومي لليهود على أرضنا ، بأن حمت قوافل هجراتهم غير الشرعية ، وقمعتْ انتفاضات أهل الأرض التاريخيين بالدم والنار ، ورعت عصابات الهاغانا وشقيقاتها الصهيونيات المدربات على القتل ، ثم تركت لهم سلاح دولتها العظمى ، لتمتهن معهم قتلنا ، وهي الدولة المنتدبة التي تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية ، ومن والاها من الدول القريبة والبعيدة ، على تراجيديانا الطويلة ، منذ استخدامها الطائرات في المسجد الأقصى ، ثلاثينيات القرن الماضي ، لتصفية الثائرين على حلولها اللاشرعي على أرضنا وسماحها لمكوث اللاجئين اليهود بيننا ، حتى مأساة مخيم اليرموك المحاصر بالجوع والإرهاب ، وهو الحالم لايزال بالعودة .
نروي لنذكر . ولهذا ما زلنا أحياء كما لا يشتهي أعداؤنا .
لم تفسح أسلحتهم الطويلة العمياء المؤيّدة ، مثلهم ، بمهنة القتل المقدّس ، الوقت لأحدٍ من سكّان أكثر من خمسمائة قرية دمّروها عن بكرة أبيها أن يشهد مجازرهم فينا .ولم يأذنوا لأكثر من سبعمائة وخمسين ألف تشرّد منا في شتات الأرض تحت وطأة إرهابهم وتقتيلهم أن يودِع أسراره في بئر بيته القديم أو يودّع البيت ذاته ، وأشجار الزيتون أو التين التي تحرسها ما تزال بعد رحيلهم . لكنّه ، اللاجئ في مخيمٍ أو المنفيّ في آخر الأرض ، المطارد أو المقتول بعملية اغتيال من الموساد لأنه حامل مشكاة ذاكرتنا الأبدية ، أو مجزرة من جيش الإحتلال أو سواه بعد حروب على مخيماته التي احتفظت بزيت الزيتونة حارسة حلمه الأبدي ، ما زال يفرِك بأصابعه مفتاح بيته الذي ينتظر هناك على أرضه حالماً معه بالعودة . نذكر ، أيها القاتل العدوّ، أسماءهم واحداً واحداً ، وقد حمل لواءهم العالي درجات على أقرانهم من شعوب الأرض : كمال ناصر ، كمال عدوان، غسان كنفاني ، ماجد أبو شرار ، عز الدين قلق ، ناجي العلي ، وآخرون يروون لنا لنذكر . ونعدّد عليك ، أيها الجنديّ العدوّ ، المجازر الكبرى : مخيم رفح ، خان يونس، مخيم الكرامة ، عين الحلوة ، صبرا وشاتيلا ، جنٌين .
ولهذا نحن أحياء بما يغيظ أعداءنا . نروي لنذكر .
من بقي منا هناك على أرضنا ، مثلنا ، أيضاً ينتظر العناق حين نعود . شقا برتقالة نحن حزّتها سكينك المثلومة التي جعلت خشب غصن اقتلعته ، أيها المحتلّ، من زيتونة تحرس بيتنا القديم مقبضاً لها .بالدم الأعزل ، كسماء ظلّلت درب آلام السيد المسيح من باب الأسباط إلى كنيسة القيامة ، يتشبّثون بأرضهم المقدّسة ، ويحمون بالميجنا مقتنياتها من صيحتك المهاجرة في المزامير القديمة المتورّطة بمكيدة أنك ، باسم ربٍ اصطفيتَ ليختاركَ علينا جميعاً ، وريث الأمم ومالك الأرض حيث وطأتها قدماك الثقيلتان .
قلنا لكَ ، مذ خرجتَ من التلمود بحُلّة ربّ الجندِ وسواطيره التي عمِيت بدماء ضحاياها ، : هذه الأرض كلّها لنا بيضاء من غير سوء . فلا تصدّق وعده بمدننا العظيمة التي لم تبنها ، وآبارنا الطيبة التي لم تحفرها ، وبزيتوننا وكرومنا التي لم تغرسها.لكنكَ رأيتنا موتى كي ترطن أسماء شوارعنا كلّها بلكنتك العابرة مثلك ، وتنال ماء آبارنا كلّها كالأشباح التي سرقته ، مثلك ، بعد رحيلنا ، وتأكل وحدك زيتوننا وعنبنا بأسنانك الكبيرة التي تعضّ على دمنا ، ليس من ندمٍ .
وقلنا لك لا تقتلنا لتعيش بسلام على أرضنا ، لكنّ غريزة القتل انتصرتْ على تقنعّكَ ، بحجة أمنكَ الشخصيّ ، بملامح ضحايا الهولوكست العصريٌ .
ولهذا نحن أحياء كما نشتهي ، نروي لنذكر
ونعد عليكََ خطاياك في دمنا ، نحن الذين نقوم من بين المجازر التي أعددتها مسبقاً لتُدقّ أسماء ضحاياها وأوصافهم أوسمةً على صدر بزٌتكَ العسكرية : مجازر القدس وحيفا ، والعباسية في يافا ، وعرب الخصاص والأرغون ، والرملة ومنصورة الخيط ، والطيرة وسعسع والقيسارية ، ووادي عارة والحسينية وعين الزيتون في صفد ، واللجون في جنين ، وناصر الدين في طبريا ،
وبيت دارس في غزة ، وأجزم وبئر السبع والمجدل وأسدود ، وصفصاف ومجد الكروم ودير الأسد ودير أيوب ، والدير والبعثة ، ومجد الكروم وأم الشوف ، وبيت لحم وبيت جالا ، و القوبية وقلقيليا ، والحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى .. ومجازر أخرى تذكرها لأن قتلاها أيضاً يزورنك في الليل ليفسدوا نومكَ .
ولهذا نحن أحياء كما يليق بنا ، لنروي ونذكر .
قد نسامح أيدينا أنها مدّت سلاماً طيباً عليكََ ، أيها الجنديّ ، ووهبناك أطيب ما في أرضنا لنظل أجمل منك في المرايا ، لكننا لن نغفر لك أنك رددتَ علينا سلامنا بقتلِ أجملنا : ياسر عرفات ، أحمد ياسين ، أبو علي مصطفى ، محمد الدرة ، إيمان حجو وكثيرون آخرون يشبهونهم. بنا ، ولم تسمح لأطفالنا أن يلعبوا ، أسوة بأطفالك ، في باحة أحلامنا .
قلنا لك : قد نحبّ أبناءك ، فلا تربي أعمارهم على كراهية الماء في أصلابنا .
قلنا لك : نحن أشبه بالوعل في الغابة مذ جئتَ إلى أرضنا ، لكنك لن تذهب إلى المستقبل وحدك دوننا . يقول التاريخ وتشهد الجغرافيا ، فيما ما تزال تقطن في وصايا العهد القديمة.
وقلنا لك : أننا مثل الطير يحبّ حريٌته حتى بين سهامك المسددة إلى صدره الذي يعلو ويهبط كموجة في بحر غزة بالهواء الطازج الذي لم تفسده بعد بأنفاسكَ الثقيلة بأهاتَ قتلاكَ في الريح ،
فحرّر أسرانا من عتمة سجونكَ وفكرتكَ الغامضة في سفر الخروج ، لنصدٌق أنك مثلنا تحب الشمس .
ولأننا أحياءَ ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، نروي لنذكر .
كما نحن من قبل ، ومن بعدُ .
لم نكن نطفئ نارنا على الجبال ليأنس بها القادمون إلينا بحثاً عن تفاحة المعرفة ، وعابرو السبل المؤدية إلى حجر الرؤيا ، وضيوف السير العابرة ، والشعوب التي أخذت عنا حكمتنا في
تعليم ممالك النحل الحراسةَ واللقاح ، ِو البداوى المجاورين لنا فنّ تربية المواشي . لكنّ ممتهني الحروب من الطغاة ِ ، و طرّاق الليالي من العصاةِ ، وهواة التجول في غرف الموتى من الرواة ، لم يكتشفوا أننا، نحن الفلسطينيين ، أشبه بالبحر الميت ، لا يمكن دفننا .
ولهذا ما زلنا أحياء .

* شاعر فلسطيني مقيم في موسكو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى